ocaml1.gif
العدد ١٦: اذهبن وبشّرن Print
Sunday, 22 April 2018 00:00
Share

تصدرها أبرشيّة جبيل والبترون للروم الأرثوذكس

الأحد ٢٢ نيسان ٢٠١٨ العدد ١٦ 

الأحد الثاني بعد الفصح

أحد حاملات الطيب ويوسف الراميّ ونيقوذيموس

logo raiat web

كلمة الراعي

اذهبن وبشّرن

هذا هو أحد حاملات الطيب، النساء اللواتي كنّ يهتمّنّ بيسوع طيلة السنوات الثلاث التي قضاها على الأرض يبشّر بالإنجيل. وقد شاءت الكنيسة المقدّسة في فترة الفصح أن نهتمّ، أحدًا بعد أحد، بجانب من جوانب القيامة، بمعنى من معانيها حتّى نغنى بها ولا نبقى فقراء.

اليوم تعود بنا الكنيسة إلى ما حدث من بعد الصلب وعند فجر الأحد. تضع أمامنا صورة هذا الرجل الطيّب يوسف الراميّ الذي من مدينة الرامة الذي كان مشيرًا، كما سمّاه الإنجيل وهو يعني عضوًا في مجلس الشيوخ، المجلس اليهوديّ الذي كان يجمع عقلاء الأمّة وهو المجلس الذي حكم على السيّد بالموت. ولكنّ يوسف لم يشترك في المؤامرة.

اجترأ ودخل على بيلاطس فيما كان الرسل فارّين. أن يكون الإنسان مع المسيح في أيّام الضيق شيء مُتعب، مكلف. وليس فقط في أيّام الضيق إذ يبدو أنّ معظم الذين يسمّون أنفسهم مسيحيّين ليسوا كذلك. هل يقول أيّ مسيحيّ، في البيئة التي نعيش فيها إنّه متمسّك بإنجيل يسوع، بكلّ وصايا يسوع؟ إنّه ليس مع العنف، أو مع القتل؟ هل يقول أيّ تقيّ بيننا لأولاده إنّه مع الإيمان، مع طهارة السلوك؟

يوسف الراميّ كان جسورًا ودخل في القلّة. كان يمكنه أن يكون مع الأكثريّة، مع النافذين، مع الذين لا يخسرون شيئًا، مع الذين عندهم القوّة، ولكنّه جعل نفسه مع القلّة، مع الذين لا يريدهم المجتمع، مع قلّة خائفة.

ثمّ عند الصباح، صباح الأحد، جاءت النسوة البارّات وعلى رأسهنّ مريم المجدليّة، وهي التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين، كما ورد في إنجيل لوقا. مريم المجدليّة شفاها السيّد في بدء بشارته وكانت مع بعض النساء سمّاهنّ لوقا الإنجيليّ، تنفق من أموالها على الجماعة، على الاثني عشر لأنّهم كانوا متجوّلين وكثيرًا ما كانوا بلا مورد.

ما كانت النساء يعرفن أنّ يسوع سيقوم. ربّما أخبرهنّ التلاميذ أنّ السيّد تنبّأ بموته وبقيامته، أو ربّما لم يخبروهنّ. ما كنّ يفتّشن عن القيامة. كنّ فقط مطيّبات لجسد يسوع حسب الطريقة اليهوديّة القديمة، حتّى جاء الملاك يقول: لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات؟ ليس هو ههنا، إنّه قد قام.

نحن نطلب الحياة الأبديّة دائمًا. ليس عندنا أموات. مَن مات لم يمتْ. مَن مات عاش. مَن بقي مائت، مائت بأحزانه، مائت بيأسه، مائت بالخطيئة. وأمّا الذي انتقل فقد كفّ عن الخطيئة. لماذا نطلب الأحياء بين الأموات؟

ثمّ قال الملاك للنساء: اذهبن إلى الجليل، إلى شمال البلاد. موت السيّد وقيامته حدثا طبعًا في أورشليم، في الجنوب. قال الملاك اذهبن إلى الجليل فهناك يلقاكنّ الربّ، وهناك يلقى تلاميذه. الجليل كان مكان الحبّ الأوّل. التلاميذ كانوا جليليّين. كانوا من البلاد المحيطة ببحر طبريّا وهناك عرفهم ودعاهم ونقلهم من الصيد إلى إنجيله. بعد أن كشف لهم طريق الموت والقيامة وأنّه هو المحبّة الكبرى، أراد أن يجمعهم إلى صدره هناك في الجليل حتّى يطلقهم منه إلى العالم. ذهبوا إليه وجدّدوا ولاءهم له.

المطران جاورجيوس

 

الرسالة: أعمال الرسل ٦: ١-٧

في تلك الأيّام لمّا تكاثر التلاميذ حدث تذمّر من اليونانيّين على العبرانيّين بأنّ أراملهم كنّ يُهمَلن في الخدمة اليوميّة، فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا: لا يحسُن أن نترك نحن كلمة الله ونخدم الموائد، فانتخبوا أيّها الإخوة منكم سبعة رجال مشهود لهم بالفضل ممتلئين من الروح القدس والحكمة، فنُقيمهم على هذه الحاجة ونواظب نحن على الصلاة وخدمة الكلمة. فحَسُنَ الكلامُ لدى جميع الجمهور، فاختاروا إستفانُس رجلاً ممتلئًا من الإيمان والروح القدس وفيليبّس وبروخورُس ونيكانور وتيمُن وبَرمِناس ونيقولاوس دخيلاً أنطاكيٍّا. وأقاموهم أمام الرسل فصلّوا ووضعوا عليهم الأيدي. وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر في أورشليم جدًّا. وكان جمع كثير من الكهنة يُطيعون الإيمان.

 

الإنجيل: مرقس  ١٥: ٤٣-٤٧، ١٦: ١-٨

في ذلك الزمان جاء يوسف الذي من الرامة، مشيرٌ تقيّ، وكان هو أيضًا منتظرًا ملكوت الله. فاجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع. فاستغرب بيلاطس أنّه قد مات هكذا سريعًا، واستدعى قائد المئة وسأله: هل له زمان قد مات؟ ولمّا عرف من القائد، وهب الجسد ليوسف، فاشترى كتّانًا وأنزله ولفّه في الكتان ووضعه في قبر كان منحوتًا في صخرة ودحرج حجرًا عـلى باب القبر. وكانت مريمُ المجدليّة ومريمُ أُمّ يوسي تنظران أين وُضع. ولمّا انقضى السبتُ اشترت مريم المجدليّة ومريم أُمّ يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتينّ ويدهنّه. وبكّرن جدًّا في أوّل الأسبوع وأتين القبر وقد طلعت الشمس، وكنَّ يقُلن في ما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلّعن فرأين الحجر قد دُحرج لأنّه كان عظيمًا جدًّا. فلمّا دخلن القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين لابسًا حُلّة بيضاء فانذهلن. فقال لهنّ: لا تنذهلن. أتطلبن يسوع الناصريّ المصلوب؟ قد قام، ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. فاذهبن  وقلن لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وفرَرن من القبر وقد أخذتهنّ الرعدة والدهش، ولم يقُلن لأحد شيئًا لأنّهنّ كنّ خائفات.

 

خطّة مريم السرّيّة

من بين أصدقاء يسوع البارزين، كانت عائلة تسكن في بيت عنيا، تلك التي يكتب الإنجيليّ يوحنّا عنها: «وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (١١: ٥).

ومع أنّ لوقا يسرد قصّة مرثا وأختها مريم (لو ١٠: ٣٨-٤٢)، يأتينا كلّ ما نعرفه تقريبًا عن هذه العائلة من إنجيل يوحنّا، الذي يضعها بمجملها في سياق آلام الربّ.

تبدأ قصّة هذه العائلة، بحسب إنجيل يوحنّا، في «عبر الأردنّ» التي ذهب إليها يسوع وتلاميذه، وذلك بعد أن قام أعداؤه بتهديد حياته علنيًّا في اليهوديّة: «فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ… فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَمَضَى أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ» (١٠: ٣١ و٣٩-٤٠).

خلال الوقت الذي أمضاه يسوع في عبر الأردنّ، مرض صديقه لعازر فـ: «أَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ يَا سَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» (١١: ٣). في اليأس المسيطر على الأختين، أرادت هاتان مجيء يسوع (١٠: ٢١ و٣٢) ولكنّهما تردّدتا في الإلحاح بسبب وعيهما المخاطر التي قد يواجهها. وبعد مرور أيّام عدّة، وبدون زيارة صديقه المفضّل، مات أخوهما لعازر.

بعد رقاد لعازر، وبعد أن سُجّي باردًا في القبر، كلّم يسوع تلاميذه: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضًا». دُهش التلاميذ من هذا الاقتراح المفاجىء، لوعيهم الأخطار التي واجهوها هناك: «يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاكَ».

وعند تأكيد يسوع عزمه على الانتقال جنوبًا لـ«يوقظ» لعازر الميت، أيقن التلاميذ (وخافوا) من أن تكون هذه آخر زيارة لهم إلى اليهوديّة. الخطر كبير ووشيك. جواب توما الرسول، الأكثر رزانة وتردّدًا بينهم، يعبّر عن الروح التي وافق التلاميذ عبرها على مرافقة يسوع: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!» (١١: ١٦).

هكذا تبدأ إذًا، لدى يوحنّا، قصّة الأسبوع الأخير من حياة الربّ يسوع على الأرض. زيارة يسوع إلى اليهوديّة، من أجل إقامة صديقه لعازر من الموت، تقدّم للإصحاحات الأخيرة من إنجيله.

وبينما نجد في الأناجيل الإزائيّة أنّ دخول الربّ المظفّر إلى أورشليم وطرده الباعة من الهيكل، شكّلا السببين المباشرين لتألّب أعداء يسوع للتآمر على قتله، نجد بالمقابل أنّ حادثة إقامة لعازر (١١: ٤٥-٥٤)، كانت هي السبب لدى إنجيل يوحنّا. ففي إطار عرض الأحداث المتلاحقة، تبرز إقامة لعازر أنّها تستلزم موت يسوع. ما صنعه الربّ للعازر ولأختيه يعرض أطروحة سوف يُعلنها في العشاء الأخير: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (١٥: ١٣). صداقة الربّ مع الأخ والأختين أنشأت السياق لآلامه. يؤثّر موت يسوع في هذه الأسرة بطريقة خاصّة وفريدة من نوعها.

لاحظ كيف قام يوحنّا بتهيئة المشهد. تأتي قصّة لعازر وأختيه مباشرة بعد  قصّة «الراعي الصالح» الذي يبذل نفسه عن الخراف (١٠: ١١ و١٧-١٨)، وقبل قصّة آلام يسوع حيث نشهد كيف سيبذل نفسه بالفعل. قصّة لعازر وأختيه تأخذ لهجتها وتستمدّ لونها من سياق آلام الربّ. يسوع، لدى اقترابه من قبر لعازر، علم أنّ موته على الصليب كان الثمن الدقيق- التبادل الرهيب- لما كان مزمعًا أن يحدث. يسوع «انْزَعَجَ بِالرُّوحِ» ويضيف يوحنّا «وَاضْطَرَبَ» (١١: ٣٣). بالفعل، فقد سيطر عليه الحزن وفي تلك اللحظة يكتب يوحنّا: «بَكَى يَسُوعُ» (١١: ٣٥). لمَ بكى يسوع؟ الذين رأوه ظنّوا أنّه بكى لخسارة لعازر «فَقَالَ الْيَهُودُ: انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ!» (١١: ٣٦). لكنّ القارئ يعرف، كما علم يسوع، أنّ لعازر كان على وشك الخروج من هذا القبر، لذا يبدو مثل هذا التفسير لدموع يسوع غريبًا بعض الشيء. لماذا تبكي رجلاً ميتًا على حافّة عودته إلى الحياة مرّة أخرى؟

في الواقع، هذه واحدة من تلك النصوص الإنجيليّة العديدة- ربّما الأكثر بروزًا لدى يوحنّا- حيث ينظر الإنجيليّ إلى معنى أعمق في ما يقال داخل السرد القصصيّ. عرف يوحنّا أنّ يسوع لم يكن يبكي على موت لعازر. كان يبكي، بدلاً من ذلك ، لـ «كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ»، بمعنى أنّ ما كان يدور في ذهن يسوع في تلك اللحظة، ليس موت لعازر، بل موته هو.

مشهد دموع يسوع هذا يماثل مطلع رواية متّى حول صلاة الربّ في الجثسمانيّة: «ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي» (٢٦ :٣٧-٣٨).

إن كان من شخص على عِلم بما تعنيه زيارة يسوع لبيت عنيا حقًّا، فهي أخت لعازر: مريم! فالإصحاح التالي يصف لنا، عند جلوس يسوع إلى المائدة، كيف: «أَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ» (١٢: ٣). من المهمّ أن نلاحظ عن كثب الطريقة التي يشرح بها يسوع ما تفعله مريم هنا. هو يقول: «اتْرُكُوهَا! إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ». ماذا يعني، بـ «حَفِظَتْهُ»؟ هذا يعني أنّها قد حافظت عليه. لقد ادّخرته. أي عندما دُهن لعازر للدفن قبل أربعة أيّام، كانت مريم قد امتنعت عن استخدام هذا الطيب الباهظ الثمن على جثمان شقيقها. حتّى عندما دفنت الأسرة لعازر، شعرت مريم التي من بيت عنيا أنّ المخلّص سيأتي قريبًا، وسيكون بحاجة إلى هذا الطيب لدفنه هو. لقد أدركت بروحها ما الذي يمكن أن يحدث في الوقت الحاضر، وفهم يسوع عندما دخلت هي الغرفة، فهم بالضبط ما كانت خطّتها طوال الوقت.

 

وفاة المطران يوحنّا (منصور)

في صباح الثالث من نيسان رقدَ على رجاء القيامة والحياة الأبديّة المثلّث الرحمة المطران يوحنّا (منصور) راعي أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها. سُجّي الجثمان في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس في اللاذقيّة للتبرّك، ثمّ أقيمت صلاة جنّاز رؤساء الكهنة يوم الخميس في ٥ نيسان، وبعدها الجنّاز برئاسة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر ومعه المطارنة والكهنة وجمهور الشعب. دفن الجثمان في دير السيّدة في بلمّانا.

ولد في المزيرعة السنة ١٩٢٧، رُسم كاهنا السنة ١٩٦٢، نال إجازة في اللاهوت من معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في البلمند. بدأ حياته الرهبانيّة في دير القدّيس جاورجيوس في دير الحرف، ثمّ خدم رئيسًا لدير سيّدة بكفتين ثمّ معتمدًا بطريركيًّا في اللاذقيّة، فرئيسًا لدير سيّدة البلمند، إلى أن انتُخب مطرانًا على أبرشيّة اللاذقيّة السنة ١٩٧٩ حيث عمل بجدّ على إحياء الرعاية والرهبنة وبناء الكنائس وتهيئة الكهنة وتأسيس الأديرة.

وقد عيّن غبطة البطريرك يوحنّا العاشر الأسقف يوحنّا (بطَش) معتمدًا بطريركيًّا في أبرشيّة اللاذقيّة إلى حين انتخاب مطران أصيل عليها.

جاء في العظة التي ألقاها غبطة البطريرك يوحنّا في أثناء الجنّاز:

«أيّها الأب الحبيب يوحنّا، أيّها الراحل الكريم، انطلق وامضِ إلى معشوقك الذي أحببت كلّ أيّام حياتك. أنت ماضٍ إليه وهو يُسمعك صوتَه العذب قائلاً: «نعمّا لك أيّها العبد الأمين، لأنّك كنتَ أمينًا في القليل، فاليوم أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح ربّك». لقد عرفتُك منذ خمسين سنةً ويدك مشدودةٌ إليه وإصبعُك، متمثّلاً شفيعَك، دالٌّ عليه ولسانُ حالك: هذا هو فاتبعوه. كنت تمّحي أنت ليزداد هو.

من تحْنانِ الله أتيتَ إلى كنيستِه. فاسمك في العربيّة يعني «حنانَ الله». اختبرْتَ الحياة معه أوّلاً في بيتك وفي كنف عائلتك، وكنت في طليعة أولئك الشباب الذين سلّموا قلوبهم للروح فأسَّسوا حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، وأنت في تفتّح فتوّتك. فكنت تَقضي أيّامك بين التعليم والرياضات الروحيّة متنقّلاً من قرية إلى أخرى.

ومع تذوّقك حلاوة العيش في حضرة ربّك اختطَطْتَ البتوليّة تكرّسًا كاملاً له، وانتهجتَ السيرة الرهبانيّة سبيلاً إليه. ذهبت صحبة رِفاقك في الدرب إلى دير مار جرجس الحرف لكي تُعيدوا، إلى الحياة، الرهبنة التي انقطعت بسببٍ من أثقالِ تاريخنا القاسي في هذا الشرق. وعلى جبل عالٍ من جبال لبنان اخترت مع رفاقِك عيشة الرهبنة، وفي الشظف والفقر والنسك، بدأتم بتأسيس الشركة الديريّة. هناك في البرّيّة استعذبت عشرة الله، مجتهدًا في طلب خلاصك، ومكتفيًا بربّك، وبه وحده فقط.

وعرفَتْ كلٌ من كورة لبنان الخضراء وهذه المدينة المباركة معظم أعمال جهادك وأتعابه، في سبيل حفظ الأمانة المقدّسة، التي استُودِعْتَها يوم رسامتك الكهنوتيّة. كنت أسدًا في دفاعك عن الشرعيّة الكنسيّة إبّان الأزمة التي عصفت بكنيستنا في ستّينيّات القرن الماضي. ما وهنت مرّةً، وما أعاقَتْك الإهانات ولا العوائق الكثيرة التي وُضعت في دربك...

أطلقْت في هذه الأبرشيّة نهضة روحيّة ما لبثت أن امتدت لتُغني الكثيرين بالحياة الفضلى والسيرة الفاضلة... بذرتَ في أجيالٍ عديدة محبّة الله وخليقته، وغذّيت المئات، لا بل الألوف، بكلامك البسيط المليءِ بفرح الربّ، وبإرشادك الروحيّ العميق. فكان لأتعابك في حراثة حقل الربّ واهتمامك بتربية شعبه أن تثمر عشرات من رؤساء الكهنة والكهنة والرهبان والراهبات، عدا عن الكثيرين من المؤمنين، أفرادًا وعائلات، ممّن ساهموا بدورهم في إكمال مسيرتك ورعاية شعب الله، حتّى ليكادَ من صاروا، بفضلٍ من تربيتك ومثالك، أساقفة، يشكّلون نصف المجمع الأنطاكيّ الحاليّ! ومنهم ضِعَتُنا الماثلةُ أمامك بوقارٍ...

يؤكّد من عرفَك أنّك قد ضاعفْت الوزنات المعطاةَ لك على أفضل وجه. أمّا وجهك الباشّ الوديع وبلاغةُ تواضعك وبسمتُك العذبة في أثناء خدمتك للقدّاس الإلهيّ بشكل خاصّ، فمحفوران بعمقٍ في ذاكرة أجيالٍ كثيرة. سرّ قبولك لعطايا الله عظيمٌ يا أبي، وهو سرّ فرحِك الدائم وسلامِك المطمئنّ دومًا...».

Last Updated on Friday, 13 April 2018 20:54