ocaml1.gif
العدد ٢١: مشروع الله المستمرّ في إنارة ليل العالم Print
Written by Administrator   
Sunday, 24 May 2020 00:00
Share

Raiati logo web 2020

الأحد ٢٤ أيّار ٢٠٢٠ العدد ٢١ 

الأحد الخامس بعد الفصح

أحد الأعمى

البارّ سمعان الذي في الجبل العجيب

كلمة الراعي

مشروع الله المستمرّ

في إنارة ليل العالم

2120 مَن طالع حادثة شفاء الأعمى منذ مولده، وكانت له بصيرة الإيمان، أدرك كيف يشرق نُور المسيح في ليل العالم، وأدرك أنّ يسوع يعمل باستمرار حتّى يبيد الظلام من قلوبنا. هذا أكّده يسوع بطرائق ثلاث مختلفة.

ففي تأكيده: «ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم» (يوحنّا ٩: ٥)، لا يقصد أنّه كان نور العالم حتّى صعد إلى السموات، وأنّه من ثمَّ يفقد العالم النور. نعرف أنّ يسوع حاضر بيننا على الدوام، حيث ترك جسده، أي الكنيسة، حاملةً نوره، بنعمة الروح القدس الفاعل فيها. وهذا ترجمه يسوع عندما أرسل تلاميذه ليبشّروا المسكونة بنور قيامته وتعليمه وخلاصه. وهذه الخبرة مستمرّة منذ ذلك الحين ونحن معاونون فيها.

أمّا في تأكيده: «يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل» (يوحنّا ٩: ٤)، فلا يقصد به تعاقب الليالي. فخبرة الكنيسة عبر السهرانيّات والصلوات الليليّة خير دليل على كيفيّة استفادة أعضاء جسد المسيح من الجهاد الروحيّ الليليّ، ليخزّنوا في ذواتهم طاقة ويعملوا عمل الله طيلة النهار. لعلّه يحذّرنا هنا من ليل آخر، حين يفقد الملح طعمه: «الملح جيّد. ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه؟ ليكنْ لكم في أنفسكم ملح» (مرقص ٩: ٥٠)، أو حين يُفقَد الإيمان على الأرض: «ولكن متى جاء ابن الإنسان أَلعلّه يجد الإيمان على الأرض؟» (لوقا ١٨: ٨). فالمقصود بالملح هو التمييز الذي يجب أن يواكب كلّ عمل ليكون على حسب قلب الله، وأن يكون عملنا مبنيًّا على أرضيّة الإيمان به ليصل إلى غايته التي حدّدها يسوع: «فليُضئ نوركم هكذا قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السموات» (متّى ٥: ١٦)! نعم، نور العالم هو أن يأتي الجميع إلى تمجيد الآب الذي أرسل يسوع وأنار به العالم. حاشى إذًا ألّا يبقى لله شاهد في العالم!

وأخيرًا، في تأكيده الثالث: «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار» (يوحنّا ٩: ٤)، يطرح علينا يسوع صلب رسالته وأساسها. فهو مرسَل لغاية محدّدة وهي خلاصنا، أي «لتظهر أعمال الله» فينا (يوحنّا ٩: ٣). فمنذ تجسّده لاح النور وصار نهارًا بعد ليل، ولن تكتمل رسالة يسوع إلّا في مجيئه الثاني، حينما سيُظهر حقيقة أعمال الله الكائنة فيه. ونحن نعاين عربونه منذ الآن في شهادة القدّيسين عبر العصور والأجيال.

في حادثة الأعمى، يتّضح لنا أن ما يراه يسوع يختلف عمّا يراه التلاميذ بالعين المجرّدة، وعمّا نراه نحن في حالنا اليوم أيضًا. أمامنا شهادة الأعمى وقوّة شكيمته غير الجارحة لأحد، بل المنيرة بتدرّجها وصفائها وحقّانيّتها. فالأعمى ابتدأ بتوصيف الأحداث: «إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينَيّ، وقال لي: اذهبْ إلى بركة سلوام واغتسلْ. فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ»؛ ثمّ عبّر عمّا يعتقد بـمَن شفاه: «إنّه نبيّ»؛ وبعدها تحاشى الدخول في لعبة الحكم عليه وإدانته: «أخاطئ هو؟ لستُ أعلم. إنّـما أعلم شيئًا واحدًا: أنّي كنتُ أعمى والآن أُبصر»؛ وأخيرًا، فسّر ما جرى على ضوء علاقة يسوع بالله: «نعلم أنّ الله لا يسمع للخطأة. ولكن إن كان أحد يتّقي الله ويفعل مشيئته، فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عينَي مولود أعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا» (يوحنّا ٩: ١١، ١٧، ٢٥، ٣١-٣٣). هكذا ظهر نُور عمل الله على أرض الواقع، رغم ليل رفض قبول النُّور والحقيقة، أي يسوع. هنا يصحّ القول: «وهذه هي الدينونة: أنّ النور قد جاء إلى العالم، وأحبّ الناس الظلمة أكثر من النور، لأنّ أعمالهم كانت شريرة» (يوحنّا ٣: ١٩).

نشكر الله أنّ مشروع إنارة العالم مستمرّ، رغم ما يتعرّض له من تصدٍّ ورفض ومحاربة. هوذا الله يعمل عبر العميان الكثيرين، على مرّ العصور، الذين تعلّموا أن يبصروه ويؤمنوا به ويسجدوا له ويشهدوا له، على مثال الأعمى منذ مولده (يوحنّا ٩: ٣٧-٣٨). هذا المشروع مطروح علينا، وهو لا يحتاج إلى مناقصة ليرسي على فلان دون غيره، فالأمر ليس منافسة أو احتكارًا أو بطولة، بل خدمة متواضعة ترفع عن العالم أتعابه ليرتاح في نور المسيح ويُقبل إلى خدمته. مشروع إنارة العالم يطال الكلّ، خصوصًا الذين فقدوا أيّة إمكانيّة للرؤية. إليكم كيف أشار يسوع إلى مَن كانوا في زمانه من عداد فاقدي المقلتَين: «إنّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله» (متّى ٢١: ٣١). إنّها أجمل بشرى سطّرها هؤلاء المحرومون من النور بإقبالهم إلى النور. فلا نستكننّ إلى وضعنا إن ظننّا أنّنا من أهل البرّ، ولا نيأسنَّ إن كنّا خطأة، فنور المسيح ينير هؤلاء وأولئك سواسيّة ليصلوا إلى النور. هلّا أقبلنا إليه معًا لنكون «نور العالم» (متّى ٥: ١٤)؟

سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: أعمال الرسل ١٦: ١٦-٣٤

في تلك الأيّام، فيما نحن الرسل منطلقون إلى الصلاة، استقبلتْنا جاريةٌ بها روح عرافة، وكانت تُكسِب مواليها كسبًا جزيلًا بعرافتها. فطفقت تمشي في إثر بولس وإثرنا وتصيح قائلة: هؤلاء الرجال هم عبيدُ الله العليّ وهم يُبشّرونكم بطريق الخلاص. وصنعتْ ذلك أيّامًا كثيرة، فتضجّر بولس والتفت إلى الروح وقال: إنّي آمرُكَ باسم يسوع المسيح أن تخرج منها، فخرج في تلك الساعة. فلمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاء مكسبهم قبضوا على بولس وسيلا وجرّوهما إلى السوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الولاة قائلين: إنّ هذين الرجُلين يُبلبلان مدينتنا وهما يهوديّان، ويُناديان بعادات لا يجوز لنا قبولها ولا العمل بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمع معًا ومزّق الولاةُ ثيابهما وأمروا بأن يُضربا بالعصيّ. ولـمّا أَثخنوهما بالجراح أَلقوهما في السجن وأَوصَوا السجّان بأن يحرسهما بضبط. وهو إذ أُوصي بمثل تلك الوصيّة ألقاهما في السجن الداخليّ وضبط أرجلهما في المقطرة. وعند نصف الليل كان بولس وسيلا يُصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدثت بغتة زلزلة عظيمة حتّى تزعزعت أُسس السجن، فانفتحت في الحال الأبواب كلّها وانفكَّت قيود الجميع. فلمّا استيقظ السجّان ورأى أبواب السجن أنّها مفتوحة استلّ السيف وهمَّ أن يقتل نفسه لظنّه أنّ المحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصوت عالٍ قائلاً: لا تعمل بنفسك سوءًا فإنّا جميعنا ههنا. فطلب مصباحًا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد. ثمّ خرج بهما وقال: يا سيديّ، ماذا ينبغي لي أن أَصنع لكي أَخْلُص؟ فقالا: آمنْ بالربّ يسوع المسيح فتخلُص أنت وأهل بيتك. وكلّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الربّ. فأخذهما في تلك الساعة من الليل وغسل جراحهما واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثمّ أَصعدهما إلى بيته وقدّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

 

الإنجيل: يوحنّا ٩: ١-٣٨

في ذلك الزمان فيما يسوع مجتاز رأى إنسانًا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مـن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغي لي أن أَعمل أعمال الذي أَرسلني ما دام نهارٌ، يأتي ليل حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالم فأنا نور العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من تفلته طينا وطلى بالطين عينَي الأعمى وقال له: اذهبْ واغتسلْ في بركة سِلوام (الذي تفسيره المرسَل). فمضى واغتسل وعاد بصيرًا. فالجيران والذين كانوا يرونه من قبل أنّه كان أعمى قالوا: أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحتْ عيناك؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يُقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيّ، وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل، فمضيتُ واغتسلتُ فأبصرتُ. فقالوا له: أين ذاك؟ فقال لهم: لا أَعلم. فأَتوا به، أي بالذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه يوم سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قوم من الفرّيسيّين: هذا الإنسان ليس من الله لأنّه لا يحفظ السبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسان خاطئ على أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شقاق. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنت عنه من حيث إنّه فتح عينيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهود عنه أنّه كان أعمى فأَبصر حتّى دعَوا أبوَي الذي أَبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكما الذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا ولدنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أَبصرَ الآن فلا نعلم، أو من فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السنّ فاسألوه فهـو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحد بأنّه المسيح يُخرَج من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السنّ فاسألوه. فدَعَوا ثانيةً الإنسان الذي كان أعمى وقالوا له: أَعطِ مجدًا لله، فإنّا نَعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ. فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو لا أعلم، إنّما أَعلم شيئًا واحدًا أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أُبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟ أجابهم قد أَخبرتكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى ونحن نَعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم من أين هو. أجاب الرجل وقال لهم: إنّ في هذا عَجَبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينيّ، ونحن نعـلم أنّ الله لا يَسمع للخطأة، ولكن إذا أحدٌ اتّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدر على أن يفعل شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّك في الخطايا قد وُلدتَ بجملتك. أفأنت تُعلّمنا؟ فأَخرجوه خارجًا. وسمع يسوع أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال له: أتؤمن أنت بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمن هو يا سيّد لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والذي يتكلّم معك هو هو. فقال له: قد آمنتُ يا ربّ، وسجد له.

 

محنة الرسل

«قد كلّمتكم بهذا كيلا تعثروا. سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظنّ فيها كلّ من يقتلكم أنّه يقدّم عبادة لله» (يوحنّا ١٦: ١-٢).

هذا ما قاله يسوع لتلاميذه في الخطبة الوداعيّة الثانية في إنجيل يوحنّا، قبل الدخول إلى أورشليم لإتمام عمله الخلاصيّ. كان الربّ حريصًا على إظهار المحنة التي سيتعرّض لها الرسل بعد ذهابه عنهم، كيلا يعثروا بل يثبتوا في إيمانهم. ابتدأت بوادر هذه المحنة حقيقةً بعد قبض اليهود على يسوع الذي واجه الصلب وحيدًا. حينذاك توارى الرسل عن الأنظار، بطرس أنكر المسيح، أصابهم الخوف أمام أوّل محنة فتبدّدوا كالخراف التي لا راعي لها. هذا الوضع المتأزّم سرعان ما تبدّل، فقد زال خوف الرسل بعد أن رأَوا الربّ قائمًا. ظهر لهم أربعين يومًا، وقبل أن يرتفع عنهم، وعدهم بإرسال الروح القدس المعزّي. بقي الرسل في أورشليم على كلمة الربّ إلى أن حلّ عليهم الروح القدس في اليوم الخمسين، وامتلأ الجميع منه. حينئذٍ زال خوفهم وابتدأوا يبشّرون بقيامة الربّ يسوع بمجاهرة. هذه البشرى كانت سبب محنتهم واضطهادهم على حدّ ما تشير إليه هذه الآية: «وأوصوهم بألّا يتكلّموا باسم يسوع» (أعمال ٥: ٤٠).

يخبرنا القدّيس لوقا البشير، في الإصحاحين الرابع والخامس من أعمال الرسل، عن بدء المحن التي تعرّضت لها الجماعة المسيحيّة الأولى، بعد أن ألقى اليهود الأيادي على بطرس ويوحنّا: «وبينما هما يخاطبان الشعب أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل واعتقلوهما وسجنوهما» (أعمال ٤: ٣). في المرّة الثانية، اعتقلوا كلّ الرسل ووضعوهم في حبس العامّة (أعمال ٥: ١٧-١٨). هذان الاعتقالان هما بداءة سلسلة من الاضطهادات التي ستطال كلّ من يعلن قيامة المسيح ويبشّر بها.

ما كان ردّ فعل الرسل؟ كيف تصرّفت الجماعة المسيحيّة الأولى في ظلّ هذه المحن؟

في الاعتقال الأوّل لم يخف بطرس ويوحنّا ولم يتراجعا عن تعليمهما، بل وقفا بشجاعة أمام مجمع اليهود مجاهرَين بقيامة يسوع. لم يفقدا رجاءهما بكلمة الربّ يسوع لمّا قال: «فحين يُسَلِّمونكم، لا تهتمّوا كيف تتكلَّمون أو ماذا تقولون. فلستم أنتم المتكلِّمين، بل روح أبيكم هو الذي يتكلَّم فيكم» (متَّى ١٠: ١٩-٢٠)، بل حافظا على إيمانهما بالربّ. «ولمّا أُطلقا عادا إلى جماعتهما ورفعوا كلّهم بنفس واحدة أصوات الشكر والتسبيح إلى الله» (أعمال ٤: ٢٣-٢٤).

في الاعتقال الثاني ثبت الرسل على إيمانهم بالربّ، ولم يهابوا السجن فأتى ملاك الربّ وفتح أبواب السجن وأخرجهم فعادوا إلى الهيكل وجعلوا يعلّمون ويبشّرون (أعمال ٥: ١٩-٢١) رغم حنق المجمع اليهوديّ عليهم وتهديده لهم. وبعد إطلاقهم ثانيةً، عاد الرسل فرحين لأنّهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسم يسوع (أعمال ٥: ٤١).

تتبدّى لنا في هذين المشهدين محنةُ الرسل والاضطهاد الذي عانوه بسبب تبشيرهم باسم يسوع. لكنّهم لم يحسبوا للحظة هذا الاضطهاد حملًا ثقيلًا يصعب احتماله، إنّما تقبّلوه بطول أناة وفرح.

كيف استطاع، أولئك الذين تركوا الربّ يسوع بعد أن أُسلم وصُلب، أن يتخطّوا خوفهم ويصبحوا مبشّري المسكونة ومدشّني الطريق أمام الناس ليأتوا إلى يسوع؟

عرف الرسل أنّ المحنة الحقيقيّة تأتي من عدم نشر رسالة الخلاص في كلّ المسكونة. لم يخافوا ممّن يقتل أجسادهم، بل ممّن يقتل سَعْيَهُم لنشر بشرى الخلاص في العالم. لذا وضعوا رجاءهم في الربّ وأطاعوا كلمته: «إذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم» (متّى ٢٨: ١٩).

إلى جانب هذا الرجاء العظيم، كان تعاضد الرسل في ما بينهم وتعاضد الجماعة المسيحيّة الأولى معهم دافعًا كبيرًا لهم للاستمرار بمهمّتهم البشاريّة. تبرز لنا أشكال هذا التعاضد في مطلع سفر أعمال الرسل لمّا اقتبل ثلاثة آلاف شخص المعموديّة، بعد خطبة الرسول بطرس الأولى «وجميع الذي آمنوا كانوا معًا، وكان عندهم كلّ شيء مشتركًا» (أعمال ٢: ٤٤). تعاضدوا في كلّ شيء، في التعليم والصلوات وكسر الخبز والأموال والأملاك والمقتنيات. حتّى في الاضطهاد اشتركوا جميعهم.

نشهد اليوم في بلادنا محنةً صعبة، صحّيّة واجتماعيّة واقتصاديّة. دعوتنا أوّلًا إلى أن نتخطّى هذه المحنة من دون الوقوع في الخوف واليأس تمامًا كما فعل الرسل. قال الربّ لتلاميذه «لا أترككم يتامى بل آتي اليكم» (يوحنّا ١٤: ١٨). لن يتركنا الرّب طالما أنّنا نطلبه ونضع رجاءنا عليه. نحن المؤمنين، نترجّى، قبل كلّ شيء، الحياةَ الأبديّة. بكلامٍ آخر، نترجّى خلاص نفوسنا والباقي كلّه يزاد لنا (متّى ٦: ٣٣). نحيا على هذا الرجاء، بكلّ كياننا، عبر الصلاة الدائمة التي نرفعها إلى أبينا السماويّ، محمّلينها آلامنا وآلام إخوتنا وكلّ العالم، تمامًا كما فعلت الجماعة المسيحيّة الأولى «بنفس واحدة». أسمى أنواع التعاضد والمحبّة، يبدأ من هذه الصلاة، ومنها ينطلق في خدمة الإخوة الضعفاء لبلسمة جراحهم وتخفيف وطأة المحنة عليهم. هكذا نصير، كما الرسل، شاهدين لبشرى الخلاص في كلّ العالم عبر حياتنا، فيتعزّى بسيرتنا الكثيرون.

Last Updated on Wednesday, 20 May 2020 18:14