ocaml1.gif
العدد ٦: دليل مرافعة المبتهلين إلى الله Print
Written by Administrator   
Sunday, 06 February 2022 00:00
Share

دليل مرافعة المبتهلين إلى الل
الأحد ٦ شباط ٢٠٢٢  العدد ٦ 

 

الأحد ١٧ بعد العنصرة و١٧ من متّى (الكنعانيّة)

الشهيد إليان الحمصيّ

بوكولس أسقف أزميير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة

 

كلمة الراعي

دليل مرافعة المبتهلين إلى الله

دليل مرافعة المبتهلين إلى اللهحينما صرّح داود النبيّ في مزاميره: «لا تدخلْ في المحاكمة مع عبدك، فإنّه لن يتبرّر قدّامك أيّ حيّ» (مزمور ١٤٢: ٢)، كان محقًّا للغاية. فأيّ مخلوق بإمكانه أن يتبرّر أمام الله؟ حادثة شفاء ابنة المرأة الكنعانيّة كشفت لنا طريقًا يمكن أن يسلكه المغاوير في الإيمان، أي ذوو الشكيمة والنباهة الروحيّة، فيدنيهم تواضعهم من الله من دون أن يكتووا بقضائه العادل بل يلتهبون بمحبّته. استخدمت الكنيسة هذا المزمور ووضعته في مطلع صلاة الابتهال إلى السيّدة العذراء والقدّيسين ليكون لنا سبيلًا يضيء به واقعنا وصلاتنا على السواء.

تواجهت المرأة الكنعانيّة مع يسوع من أجل ابنتها المريضة. تسلّح يسوع بالصمت، فأعرض ظاهريًّا عن طلب الاسترحام الذي قدّمته. اتّخذ معاونوه، أي تلاميذه، مكانًا لهم في القضيّة فطلبوا إليه أن يصرفها. ساعتها أعلن يسوع عن فقدانه الاختصاص والصلاحيّة للنظر في القضيّة لكونه راعيًا تكمن مسؤوليّته في أن يبحث عن الخراف الضالّة من بيت إسرائيل حصرًا. بدّلت هذه الأمّ طريقتها من صيغة استرحام إلى طلب معونة وغوث ليس إلّا، من دون أن تناقشه في مسألة أهليّته للنظر في قضيّتها. حينئذٍ، دخلت المواجهة حلقة جديدة، أصعب وأدهى، تلك التي تمسّ كرامة الإنسان أمام الله، وأعظمها هي علاقة البنوّة. هنا، استخدم يسوع صورة الطعام الذي يُعطى للبنين وليس للكلاب، في صورة معبّرة عن واقع نجاسة الوثنيّين في علاقتهم مع الإله الحقيقيّ، واستحالة خلط الأمور على هذا الصعيد. فتبنّت المرأة الكنعانيّة هذه الصورة ووظّفتها في التعبير عن إيمانها بشأن التخلّي عن هذه النجاسة، وهذا هو ما أفضت به في إشارتها إلى أنّ الكلاب تأكل الفتات الذي يتساقط عن موائد أسيادها. إنّها طريقة أقرّت من خلالها بواقع حالها الروحيّ والتمست عبره التعبير عن رغبتها في التخلّي عن واقع الحال هذا.

في التماس الشفاء لابنتها، واجهت هذه المرأة عقبات ثلاث في رفع قضيّتها إلى يسوع. أوّلًا، هل لديها الحقّ في تقديم الطلب؟ هذا واجهه يسوع بالصمت. ثانيًا، هل تستحقّ أن تتمّ تلبية طلبها؟ هذا تنحّى عنه يسوع بداعي فقدان الصلاحيّة. ثالثًا، هل تتمتّع بالأهليّة لكي ترافع عن قضيّتها أمامه؟ هذا اتّخذ منه يسوع موقفًا روحيًّا صارمًا أغلق به أمامها كلّ محاولة منها للدفع بقضيّتها إلى الأمام.

أمام هذه العقبات الثلاث، تجلّت هذه المرأة بفضائل ثلاث ميّزتها إلى الأبد. أوّلًا، إيمانها بقضيّتها وبمَن تتقاضى أمامه. ثانيًا، نباهتها وواقعيّتها بشأن التدبير الذي يتمّه يسوع بين بني جسنه، أي الشعب العبرانيّ، والأولويّة والأسبقيّة التي يتمتّع بها، ولكنّها كانت أيضًا حسّاسة إلى الواقع الروحيّ العامّ لسواهم، فوجدت لها كوّةً تنفذ منها إلى هذا التدبير. ثالثًا، اتّضاعها حتّى النهاية من جهة واقعها الروحيّ، ومن جهة عدم استحقاقها لأيّة نعمة، ولكن من دون أن تفقد رجاءها على الإطلاق بـمَن هي ماثلة أمامه. شكّلت هذه العناصر الثلاثة سندها في الدفع بقضيّتها، وبقضيّتنا أيضًا، إلى برّ الأمان أمام مَن بقدرته أن يحقّ الحقّ الذي من الله لطالبه.

هذه المرافعة جديرة بالاهتمام، ففيها قدّمت هذه المرأة حجّتها بشأن توسيع دائرة التدبير الإلهيّ ليشمل خلاص الأمم. بالطبع، لم يكن يسوع يحتاج إلى مثل هذه المرافعة، فهو مخلّص الإنسان إلى أيّ جنس انتمى، أو في أيّة خطيئة وقع. ولكن لا يسعنا سوى أن نبدي إعجابنا وتقديرنا لهذه المرأة الذي بقي اسمها مجهولًا، فقد افتدت بمرافعتها عن واقعها الخاصّ واقع أترابها أيضًا، من حيث لا تدري، وتركت لنا أمثولة في طريقة رفع قضيّتنا أمام الله في التضرّع والابتهال من أجلنا ومن أجل سوانا.

انحدرت هذه المرأة إلى أسفل دركات الوجود أمام الله. لم تتحطّم نفسها في هذا المشوار فهي تدرك مسؤوليّتها في ما آلت إليه حالها. لكنّ هذا الإدراك ما كان بشيء أمام إدراكها الأكبر، فهي مدركة بمَن تؤمن وبمَن وضعت عليه رجاءها. هنا نتفاجأ بقرار مَن رافعت أمامه: «يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكنْ لك كما تريدين» (متّى ١٥: ٢٨). لكنّنا ندرك سريعًا أنّ موقفه هذا إنّما يعكس قاعدة روحيّة رسمها لأمثالها في خاتمة مثل الفرّيسيّ والعشّار: «إنّ هذا (أي العشّار) نزل إلى بيته مبرّرًا دون ذاك (أي الفرّيسيّ)، لأنّ كلّ مَن يرفع نفسه يتّضع ومَن يضع نفسه يرتفع» (لوقا ١٨: ١٤). هكذا التقت إرادة هذه المرأة بإرادة الله! هلّا كان طريقُها نصيبَنا أيضًا، وثمارُها غذاءنا؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: ٢كورنثوس ٦: ١٦-١٨، ١٧: ١

يا إخوة أنتم هيكل الله الحيّ كما قال الله: إنّي سأسكُنُ فيهم وأَسيرُ في ما بينهم وأكونُ لهم إلهًّا ويكونون لي شعبًا. فلذلك اخرجوا من بينهم واعتزلوا يقول الربُّ ولا تَمَسُّوا نجسًا، فأَقبلكم وأكونُ لكم أبًا وتكونون أنتم لي بنينَ وبناتٍ يقول الربُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعدُ أيُّها الأحبّاءُ، فلنطهّر أنفسنا من كلّ أدناس الجسد والروح ونكمّل القداسة بمخافة الله.

 

الإنجيل: متّى ١٥: ٢١-٢٨

في ذلك الزمان خرج يسوع إلى نواحي صور وصيدا، وإذا بامرأة كنعانيّة قد خرجت من تلك التخوم وصرخت إليه قائلةً: ارحمني يا ربُّ يا ابن داود، فإنّ ابنتي بها شيطانٌ يُعذّبها جدًّا. فلم يُجبها بكلمة. فدنا تلاميذه وسألوه قائلين: اصرفها فإنّها تصيح في إثرنا. فأجاب وقال لهم: لم أُرسَل إلّا إلى الخراف الضالّة من بيت إسرائيل. فأتت وسجدت له قائلة: أَغِثْني يا ربُّ. فأجاب قائلًا: ليس حسنًا أن يؤخذ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلاب. فقالت: نعم يا ربُّ، فإنّ الكلابَ أيضًا تأكلُ من الفُتات الذي يسقط من موائد أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال: يا امرأة، عظيم إيمانك، فليكن لكِ كما أَردتِ. فشُفيت ابنتُها من تلك الساعة.

 

أن نتغرّب عن العالم

شكّلت فينيقيا في القديم مثال التجارة والغنى والحضارة «منصّة التجارة العالميّة». كانت فينيقيا، بتفوّقها التجاريّ، صلة الوصل التي جمعت كلّ العالم القديم بواسطة ابتكارها الأبجديّة التي صارت أساس كلّ أبجديّات العالم. هذا جعل من فينيقيا مصرف العالم القديم!  هذا الغنى المتمثّل بالتجارة الحرّة «المتوحّشة»، غير الملجومة، أورثتها كلّ أنواع الموبقات. أدان معظم أنبياء الكتاب المقدّس رجاسات فينيقيا. أفظع مظاهر انحطاط فينيقيا الروحيّ تمثّلَ بذبائح الأطفال للإله البعل إذ «بنوا مرتفعات للبَعل ليُحرقُوا أَولادهم بالنَّار مُحرَقَات للبعل» (إرمياء ١٩: ٥). قرّب الفينيقيّون أطفالهم ذبائح من أجل «تحسين الناتج القوميّ الإجماليّ»!

يبدو الأمر مألوفًا ومشابهًا لحالة «الغربة عن الله» التي نعيشها اليوم. التشجيع في أيّامنا على وسائل تحديد النسل، واستسهال الإجهاض، والاختبارات على الأجنّة البشريّة…إلى ما هنالك، كلّها ذبائح نقرّبها على مذبح «البعل» في سبيل وهم الازدهار الاقتصاديّ وزيادة الإنتاج والأرباح… على عكس أسلافنا الفينيقيّين، نحن نعلم أنّ مهمّتنا الأساسيّة في هذه الحياة، هي الاهتمام جيّدًا بالأولاد. بسبب وحشيّة المجتمع على مرّ العصور، يجب ألّا نهمل الاهتمام بالأولاد. نظريّة «الأولاد غير المرغوب فيهم»، منذ أيّام الفينيقيّين، يجب ألّا تتسلّل إلى مجتمع الكنيسة. لأنّ الله ليس لديه بنين غير مرغوب فيهم مثل الإله بعل.

في الأزمات، قد يتغرّب البعض طلبًا للمعيشة أو تفاديًا للمخاطر. هكذا، أيّام المجاعة، أرسل يعقوب أبناءه طلبًا للقوت في مصر، ثمّ ما لبث أن تغرّب مع كلّ ذرّيّته هناك. نتيجة هذه الغربة الجغرافيّة، ما لبث الشعب من بعده أن صاروا في غربة عن إلههم، عبيدًا لآلهة المصريّين. فقط شهادة موسى، انتشلتهم بقوة الله من نير العبوديّة المرّة. شهد موسى في أرض الغربة متحدّيًا فرعون في عقر داره ومحطّمًا بقوّة الله أوهام قوّته وجبروته.

كذلك، خرجت المرأة الكنعانيّة، على ثقافة «السوق» الفينيقيّة التي تلتهم الأولاد بلا رحمة وبلا شبع. لا نفع لثروة هذه الفينيقيّة في حلّ مشكلة ابنتها. وجب عليها أن تشهد في أرض غربتها في صور وصيدا عبر تربية عائلتها على الصلاة «كنشاط عائليّ أساس» يتمحور حول إيقاع الصلاة اليوميّة البيتيّة. هي تذلّلت وتواضعت حتّى الأخير، وقبلت أن تشابه الكلاب من أجل ابنتها. حملت عائلتها في صلاتها، لأنّ «العائلة التي تصلّي معًا، تبقى معًا». كما الطعام للجسد، تغذّي الصلاة النفس. «صلاة الوالدين تثبّت أساسات البيوت» إذ تسهم في تدريب الأولاد بالممارسة، وفي تشكيل شخصيّتهم الروحيّة ووعيهم الاجتماعيّ.

أتت هذه المرأة وسجدت، رمت بنفسها أمام المسيح. سواء في الجماعة، أو في خصوصيّة القلب والضمير، تبدأ الصلاة دائمًا عندما نكون «حاضرين» للمسيح. عندما أقف شخصيًّا في حضرة المسيح. عندما أصير في «الحضرة»، أهتف «هلمَّ نسجد ونركع للربّ». نحن بفعل الآب، منجذبون إلى المسيح. كلّ إنسان، سواء أدرك ذلك أم لا، يتوق في أعماقه إلى الآب، بفعل الروح القدس وعمله في تنشيط الشوق إلى الله. يجتذبنا الله إلى ابنه.

غالبًا ما تكون الصلاة مصحوبة بالرجاء. لذلك ينصح آباء الكنيسة، أن نبني صلاتنا اليوميّة، حول مقطع إنجيليّ. نتواصل مع شخص المسيح في الإنجيل، هذا هو خبزنا اليوميّ، أن تغذّينا كلمة الربّ، «خبزنا الجوهريّ»، يختصر كلّ حاجاتنا، لا الخبز اليوميّ فقط، بل أيضًا السماويّ.

في غربة مجتمعنا اليوم، كلّ طفل يُعذّبه الشيطان. أولادنا (يمثّلون رجاءنا) محاصرون بشياطين الخوف والقلق. شيطان الخوف من الفقر، والقلق على المصير، والخوف من الوباء، يلتهمنا نحن اللبنانيّين، منذ الأزل، منذ أيّام بعل الفينيقيّين. فقط حضور المسيح قادر على أن يخلّصنا. ولأنّ كلّ صلاة، هي ذبيحة ذاتيّة. يجب أن نودع فيها «ذواتنا وبعضنا بعضًا وكلّ حياتنا للمسيح الإله». قبل طلب العون «أَغثنـي يا ربّ»، يجب أن نقدّم ذواتنا للمسيح. في الصلاة نقدّم ذواتنا له، ندخل في شركة معه كمخلّص.

الغربة قاسية كالجحيم، علينا أن نحفظ أنفسنا كما نصيحة القدّيس سلوان «احفظ نفسك في الجحيم ولا تيأس». علينا الوصول، إلى ما يسمّيه بولس أن «نأسُرَ كلّ فكر إلى طاعة المسيح» (٢كورنثوس ١٠: ٥). أن نسبيَ كلّ فكر للمسيح. هذه صورة المسيح الآسرة.

كلّ حياتنا موجّهة إلى المسيح. الصلاة هي من أدوات أسر الفكر للمسيح، كي يتربّع هو ربًا وسيّدًا على عرش القلب، «فلنتغرّب نحن عن العالم». ولا نعود «بعد غرباء ونزلاء، بل رعيّة مع القدّيسين وأهل بيت الله» (أفسس ٢: ١٩).

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: أنتم هيكل الله الحيّ

التلميذ: ما المقصود في رسالة اليوم، عبارة «أنتم هيكل الله الحيّ»؟

المرشد: مبنى الكنيسة ليس هو هيكل الله. نسمّيه الكنيسة لأنّ الكنيسة تجتمع فيه، فالكنيسة هي الناس. العمارة نسمّيها كنيسة لأنّ الكنيسة أي الناس يجتمعون فيها. المسيحيّون الأوائل لم يكن عندهم عمارة الكنيسة. كانوا مشتَّتين في الدنيا، مضطهَدين. يجتمعون أينما كان في البيوت. المهمّ أن يقيموا القدّاس الإلهيّ. بعدما حصلوا على الحرّيّة أيّام القدّيس قسطنطين الكبير، بدأوا ببناء الكنائس في القرن الرابع. بقينا ثلاثمائة سنة بدون كنائس، فكان الناس يعتبرون أنفسهم هي الكنيسة.

التلميذ: ماذا تقصد بأنّ الناس يعتبرون أنفسهم كنيسة؟

المرشد: هذا يأتي من الله. فهو يقول إنّي سأسكن فيهم، ليس في مبنى الكنيسة. سأسكن فيهم، أي أنتم أيّها الناس في اللحم والدم، وأسير في ما بينهم، وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا. 

التلميذ: هل هذا يتمّ بشكل آليّ؟

المرشد: انتبه إلى ما يقول الكتاب: اعتزلوا، أي اتركوا الأشرار. اتركوا الخاطئين. اعتزلوا، اتركوهم، فأقبلكم وأكون لكم أبًا، وتكونون أنتم لي بنين وبنات. اتركوا الأشرار الخاطئين حتّى تصيروا أبناء الله. الجاحد والخاطئ الذي يصرّ على خطيئته ليس ابن الله. هذا ابن أمّه فقط!

التلميذ: كيف يمكننا أن نعيش هذا الانتقال من بنوّة الجسد إلى بنوّة الله؟

المرشد: ليس الأمر مقتصرًا على أن تكون صالحًا، فالوثنيّ صالح أيضًا. عليك أن تلتصق بالمسيح بسلوكك أيضًا، وليس بالكلام. فأن تقول مثلًا: «يا ربّ القوّات»، و»المسيح قام من بين الأموات»، هذا لا يجعلك مسيحيًّا، بل هو ترتيل. هذا يعني أن تحقّق مشوار قداسة وذلك بأن تطهّر نفسك من كلّ أدناس الجسد والروح وتصنع إرادة المسيح. أنت تقتل شهواتك وتدوسها. وتذهب إلى يسوع وتقول له: أنا لك، أريد أن أكون لك فقط. ولا أريد أن أكون لمالي ولشهواتي ولملذّاتي. قلبك ليس بملذّاتك. قلبك مع المسيح. إذا وصلتَ إلى هنا، هو يعتبرك له.

 

الله وامتداد الإنسان في الكون

للمطران جورج خضر

ماذا يحلّ بالله لو احتللنا القمر أو لقينا في المرّيخ بشرًا سويًّا؟ في المسيحيّة من مات من أجل الناس كلّهم يكون فاديًا أهل المرّيخ أيضًا. وتُحمل إليهم البشارة كما حملت إلى هنود أميركا. من كان ذا عقل فهو آدميّ مدعوّ إلى الخلاص.

حيرة المؤمن، إزاء الاكتشاف، غريبة. لماذا يساوره القلق أمام عظمة الإنسان؟ إنّ علوّه يمكن أن يكشف علوّ الخالق. لماذا يريدون أن تحجب إنجازاتنا قدرتَه؟ أو كيف يتقلّص الله إذا امتدّ الإنسان في الكون؟ هل الله والإنسان عدوان بالضرورة بحيث يجب أن يصغر الواحد إذا كبر الآخر.

موقف الذين قالوا إنّنا انتهينا إلى الفضاء ولم نعثر على الله لمستغرب جدًّا. الذين قرّروا بادئ ذي بدء أن يبنوا هذا العالم ويفسّروه بدون الله لماذا يريدون دليلًا جديدًا على عدم وجوده؟ كأنّ الله لا يطرده المرء بسهولة، كأنّك إذا تناسيته يطرح نفسه ثانية عليك.

الذين يؤخذون بهذه الحجج هم خلقوا الله على صورة صغرهم. فإذا عجزوا في إدراكهم عن أن يصلوا إلى بعض من اللامنتهى، حدّوا الله وتزعزع عندهم إيمان كان في الأصل مغلوطًا. مغلوطًا لأنّه على قامة الإنسان والإنسان دائمًا يمسخ الآلهة. الذي فطرنا على صورته هو إنّما يأتينا بالمحبّة لكي يجعلنا منتهين إلى قامته، إلى أن نراه ربّ الكون وليس فقط سيّد هذه السيّارة الصغرى التي هي الأرض.

الإنسان لا أرضنا محور الوجود. والإنسان عظيم لأنّ الله سلّطه على الفردوس كلّه بما فيه من مرّيخ وقمر. الله لا يحسد الإنسان. يخشى عليه الانتفاخ. أليس يبغي لنا المولى دائمًا الرفعة؟ ألا نقدر على أن نسمع اليوم «صوت الربّ الإله ماشيًا» في جنّة عدن تحوي الحقيقة أنّ الإنسان، في دنيانا هذه الصغرى، استطاع أن يقصي الله من هواجسه عندما أخذ يستعظم نفسه. وكان لا بدّ لله من أن يذهب عن كلّ قلب مستكبر. الربّ نزيل التواضع هذا الذي لا يجرحه أصلًا امتداد الإنسان في الأكوان. ليس العلم بحدّ نفسه بل سكرنا به هو الذي يزيل ذكره تعالى. الصحو ممكن عند ذاك الذي سيصل إلى القمر أو المرّيخ، إذا خرج من الصاروخ إنسان تقيّ يجثو ويشكر.

 

مكتبة رعيّتي

صدر عن دير القدّيس جاورجيوس - دير الحرف كتاب جديد بعنوان «القدّيس جبرائيل المُتباله من أجل المسيح» للراهبة كورنيليا ريس، نقلته إلى العربيّة السيّدة مهى عفيش. يتناول الكتاب حياة القدّيس جبرائيل الذي عاش في جمهوريّة جورجيا خلال القرن العشرين (١9٢9-١99٥). كان ناسكًا عظيمًا وكاهنًا ومُعترفًا ومتبالهًا من أجل المسيح. ذاع صيته وانتشر تكريمه بشكل خاصّ في كلّ أنحاء وطنه الأمّ جورجيا. طوّبته الكنيسة الجورجيّة وأعلنت قداسته في ٢٠ كانون الأوّل من العام ٢٠١٢، وحدّدت تذكاره في ٢٠ تشرين الأوّل. يحتوي الكتاب على ١٠٨ صفحات، يخصّص منها فصل لعرض شهادات حوله، وفصل آخر لعرض بعض تعاليمه.

Last Updated on Friday, 04 February 2022 17:29