ocaml1.gif
العدد ١١: يسوع وتلميذه تحت الامتحان Print
Written by Administrator   
Sunday, 13 March 2022 00:00
Share

يسوع وتلميذه تحت الامتحان
الأحد ١٣ آذار ٢٠٢٢ العدد ١١ 

الأحد الأوّل من الصوم (أحد الأرثوذكسيّة أو رفع الأيقونات)

نقل عظام القدّيس نيكيفورس بطريرك القسطنطينيّة

 

كلمة الراعي

يسوع وتلميذه تحت الامتحان

يسوع وتلميذه تحت الامتحانفي دعوة التلاميذ الأُوَل، يطالعنا إنجيل يوحنّا كيف انجذب فيليبّس إلى يسوع فلازمه للحال لـمّا دعاه إلى اتّباعه. تمخّض انتظار تحقيق نبوءات العهد القديم تلمذة واعية في نفس فيليبّس. فوجد نفسه تلقائيًّا في تلبية هذه الدعوة، فتبنّاها وسار في طريقها، والمهمّ أنّها وضعته في حركة دعوة آخرين ليتشارك معهم نصيبها. فكان امتحانه الأوّل دعوته إلى نثنائيل.

لم يكن هاجس نثنائيل غريبًا عن فيليبّس، فكلاهما ينتظران تحقيق الوعد، لكنّ الواحد تمايز عن الآخر باستعداد مختلف. فنثنائيل سخر من مضمون بشارة فيليبّس إليه بشأن تحقيق «ما كتب عنه موسى والأنبياء» في شخص «يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة»: «أمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟» (يوحنّا ١: ٤٥ و٤٦). تشكيك نثنائيل دفع فيليبّس إلى فتح كوّة الرجاء فطلب منه أن يتفحّص بنفسه صدق كلامه على أرض الواقع. هكذا وضع يسوعَ تحت الامتحان.

أمام قلب يترجّى فرجًا وعقل يتلوّى شكًّا ومؤمن يبدو ساخرًا، أيّ صلاح كان بإمكان يسوع أن يُظهر وهو مشكوك بأمره سلفًا؟ على غير المتوقّع، بادر يسوعُ مَن سبق وحطّ من قدره بطريقة رفع فيها من شأنه، وذلك بأن مدح مناقبيّةً محوريّة لدى نثنائيل تعنيه في الصميم: «هوذا إسرائيليّ حقًّا لا غشّ فيه» (يوحنّا ١: ٤٧). لم يكن القصد من هذا زهوًا يجرّب فيه مَن توجّه إليه، بل اتّضاعًا منه أمام مَن شكّك فيه ليّن به قلبه. باتّضاعه أمامه، انحدر يسوع إلى أسفل، تمامًا كما فعل بتجسّده، لكي يرفع محدّثه إلى مستوى تدبيره الخلاصيّ.

تعجّب نثنائيل كيف يعرفه يسوع وهو لم يره قطّ قبلًا. تعريف يسوع له استدرجه إلى الخروج من ذاته وأحكامه واعتباراته إلى مكاشفة مع الله، فلاقاه يسوع ونفذ إلى ما هو أبعد من التعريف، إلى ما لا يعرفه سوى الله عن نثنائيل: «قبل أن دعاك فيليبّس وأنت تحت التينة، رأيتُك» (يوحّنا ١: ٤٨). بهذا أراد يسوع أن يشير إلى المخاض الروحيّ الذي اعتمل في نفس نثنائيل تحت التينة فتلقّفه وأراد أن يحمل إليه بشرى الوصول إلى خاتمته.

الآن انقلبت الأمور رأسًا على عقب. ما عاد يسوع تحت الامتحان بل نثنائيل. فهل يتخلّى عن شكّه؟ الحقّ يُقال إنّه ما إن أدرك حقيقة الله وهويّة المتحدّث إليه حتّى صدح باعتراف تردّد صداه في كلّ العهد الجديد: «يا معلّم، أنت ابن الله! أنت ملك إسرائيل» (يوحنّا ١: ٤٩). هوذا نثنائيل يتّخذ رتبة المؤمن والتلميذ والشاهد في رسوليّة ستحمل على أكتافها حقيقة تجسّد ابن الله وتدبيره الخلاصيّ لكلّ البشر، حقيقة أعلنها يسوع أمامه في ختام حادثة اهتدائه: «من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان» (يوحنّا ١: ٥١).

جعلتنا هذه الحادثة في مصفّ الشهود على امتحان تبادل فيه الطرف كلّ من يسوع ونثنائيل. جنى منها نثنائيلُ اهتداءً، وفيليبّسُ شريكًا له في الخدمة، ويسوعُ خادمًا غيورًا ووكيلًا أمينًا على مواهب الروح القدس، والكنيسةُ رسوليّةً امتدّت إلى شعوب وقارّات على أجيال وأجيال. فما وقْعها بالنسبة إلينا اليوم؟ هل تحرّك منّا رفضًا أو شكًّا أو إهمالًا، أم على العكس، غيرة واندفاعًا والتزامًا وانطلاقًا ثابتًا في الخدمة؟ هل تحرّك منّا عودةً إلى الذات وفحصًا لاستقامة رأينا على أرض حياة الشركة والشهادة للمسيح؟ هل تحرّك منّا توبةً تعيدنا إلى جوهر تدبير الله الخلاصيّ من محبّة باذلة وحقيقة شاهدة وعبادة صادقة وصلاة حاضنة الأعداء والأخوة على السواء؟ هل تحرّك منّا نبلًا وشهامةً تقينا معاثر الغرور والمكابرة والمجد والتسلّط في الخدمة؟

لا شكّ في أنّ كلينا اليوم تحت الامتحان: يسوع ونحن أعضاء جسده، على شاكلة الامتحان المزدوج الذي كان طرفاه يسوع ونثنائيل. فهل نقبل دعوة فيليبّس إلينا: «تعالَ وانظرْ» (يوحنّا ١: ٤٦)، فنعود إلى جذور الإنجيل والبشرى، إلى يسوع نفسه، لنفتدي واقعًا في جسد المسيح يؤلمنا، على شاكلة المخاض الذي عاشه نثنائيل وهو تحت التينة؟ لا شكّ في أنّنا سنخجل كثيرًا عندما يبادرنا يسوع بالكلام إن خطونا نحوه كما فعل نثنائيل، لكنّه سيكون خجلًا خلاصيًّا لا بدّ من أن نأخذه على عاتقنا ليحرّرنا من رقبة الخطيئة التي نعيش في كنفها. هلّا صلّينا معًا: لا تهملْنا، يا ربّ، بل اشفقْ علينا وأنرْنا فنأتي إليك؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٢٤-٢٦، ٣٢-٤٠

يا إخوة، بالإيمان موسى لمّا كَبُر أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مختارًا الشقاء مع شعب الله على التمتّع الوقتيّ بالخطيئة، ومعتبرًا عار المسيح غنى أعظم من كنوز مصر، لأنّه نظر إلى الثواب. وماذا أقول أيضًا؟ إنّه يَضيق بي الوقت إن أَخبرتُ عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا الممالك، وعمِلوا البِرّ، ونالوا المواعد، وسدّوا أفواه الأسود، وأطفأوا حدّة النار، ونجَوا من حدّ السيف، وتقوّوا من ضعف، وصاروا أشدّاء في الحرب، وكسروا معسكرات الأجانب، وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة، وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب، ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل؛ وآخرون ذاقوا الهُزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعزٍ وهم معوَزون مُضايَقون مجهودون (ولم يكن العالَم مستحقًّا لهم)، وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم، مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل: أن لا يَكْمُلوا بدوننا.

 

الإنجيل: يوحنّا ١: ٤٤-٥٢

في ذلك الزمان أراد يسوع الخروج إلى الجليل، فوجد فيليبّس فقال له: اتبعني. وكان فيليبّس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس. فوجد فيليبّسُ نثنائيلَ فقال له: إنّ الذي كتَب عنه موسى في الناموس والأنبياء قد وجدناه، وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل: أمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ فقال له فيليبّس: تعال وانظر. فرأى يسوعُ نثنائيلَ مقبلًاً إليه فقال عنه: هوذا إسرائيليّ حقًّا لا غشّ فيه. فقال له نثنائيل: من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبْل أن يدعوك فيليبّس، وأنت تحت التينة رأيتُك. أجاب نثنائيل وقال له: يا معلّم، أنت ابنُ الله، أنت مَلِك إسرائيل. أجاب يسوع وقال له: لأنّي قلتُ لك إنّي رأيتُك تحت التينة، آمنتَ؟ إنّك ستُعاين أعظم من هذا. وقال له: الحقّ الحقّ أقول لكم إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر.

 

أوجاع الكنيسة الأرثوذكسيّة اليوم!

في حديث مع صديق أمضى عمره في خدمة الوحدة الأرثوذكسيّة، قال: «أنا حزين لما يحصل الآن. ما عدت شابًّا، ولا أتحمّل أن أترك الحياة، والوحدة التي عملتُ كثيرًا من أجلها مجرّد حطام».

تعبّر هذه الصرخة عن وجع عدد كبير من المؤمنين في أيّامنا هذه، لاسيّما الكهول منهم، الذين اعتادوا العيش في كنيسة يخيّم السلام على العلاقات بين مختلف مكوّناتها، ويسود التعاون بين قادتها. فهؤلاء تحطّمت أحلامهم على صخور الخلافات التي بلغت حدّ الانقسام والتشرذم.

فالكنائس الأرثوذكسيّة، التي كانت حتّى منتصف العام ٢٠١٦، عائلة واحدة تتعاون في ما بينها من أجل الإعداد لانعقاد المجمع الكبير، الذي شكَّل الإعدادُ له خلال عقودٍ فرصةً للتقارب والتلاقي بين مندوبي الكنائس المختلفة، ومكانًا لإطلاق مبادرات مشتركة، لاسيّما في ما يتعلق بتفعيل الوحدة ضمن العائلة الأرثوذكسيّة وبفتح حوار مع العالم المسيحيّ، اهتزّت وحدتها الداخليّة بسبب الخلافات حول المجمع الذي انعقد في جزيرة كريت بغياب أربع كنائس محلّيّة.

وأدّى اهتزاز الوحدة هذا إلى تصدُّع كبير في العلاقات بين كنيستَي القسطنطينيّة وموسكو، بسبب الاتّهامات المتبادلة التي تلت مجمع كريت، بحيث اعتبرت القسطنطينيّة أنّ موسكو تريد إضعاف سلطتها والحدّ من امتيازاتها، بينما اتّهمت موسكو البطريرك المسكونيّ بأنّه يسعى إلى ممارسة بابويّة شرقيّة.

غير أنّ التصدُّع ما لبث أن تحوّل إلى جرح نازف في الجسد الواحد، بعد منح الاستقلال الذاتيّ للمنشقّين في أوكرانيا، في خريف العام ٢٠١٨، رغم الدعوات التي أطلقها عدد كبير من رؤساء الكنائس بعدم الدخول «إلى حقل الألغام الأوكرانيّ» ما لم يتأمّن التوافق العامّ حول كيفيّة حلّ الأزمة الأوكرانيّة التي سبّبها انشقاق فيلاريت، الذي دانته كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة.

أدّى منح القسطنطينيّة طرس الاستقلال الذاتيّ لِما يُعرف بـ«الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا» إلى قطع كنيسة موسكو الشركة الكنسيّة التامّة مع القسطنطينيّة، بسبب ما اعتبرَته تعدّيًا على حدودها القانونيّة، وتجاوزًا للقوانين الكنسيّة والتقليد الكنسيّ الذي يمنع قبول المنشقّين غير المرسومين في الكهنوت إلّا بعد توبتهم وإعادة رسامتهم. كذلك قطعت كنيسة موسكو الشركة الكنسيّة مع كنائس الإسكندريّة وقبرص واليونان، على مستوى رؤساء الكنائس والمطارنة الذين اعترفوا بالمنشقّين. دفع اشتراك البطريرك الإسكندريّ في الخدمة مع رئيس «الكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا» كنيسة موسكو إلى قبول عدد من الكهنة الأفارقة الذين عارضوا قراره، وطلبوا اللجوء إليها، وأنشأت إكسرخوسيّة لإفريقيا تابعة لها، ضمن النطاق الرعائيّ لبطريركيّة الإسكندريّة، الأمر الذي نقل الانقسام الأرثوذكسيّ إلى القارّة الإفريقيّة التي هي أرض بشارة.

لم تنجح نداءات عدد كبير من رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة، والمطارنة واللاهوتيّين، في فتح كوّة في جدار الخلاف الأرثوذكسيّ، عبر عقد مجمع عامّ لإيجاد حلول للقضايا الخلافيّة، ضمن جدران الكنيسة. وبات يُخشى من تكريس الانشقاق، لاسيّما بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا اليوم، وانقطاع الحوار، والميل إلى تأجيج الخلافات، وتضخيم الفروقات البسيطة عند أطراف النزاع.

يَترك الواقع الحاليّ وجعًا كبيرًا عند عدد كبير من القادة والمؤمنين، الذين يشعرون بالعجز التامّ وهم يشاهدون فصول الانزلاق نحو الانقسام، الذي يظهر عبر تعطيل النظام المجمعيّ، وتحويل التباين إلى خلافات عقائديّة، وإنشاء كنائس أرثوذكسيّة موازية في عدد من البلدان، لاسيّما في بلدان الانتشار.

ويزداد الوجع بسبب الحروب بين الإخوة، والاعتبارات العرقيّة والتجاذبات السياسيّة والمصالح الشخصيّة التي تخنق الضمير الكنسيّ وتَحُول دون الانكباب على مداواة الجروح التي تُفرّق بين أعضاء الجسد الواحد.

أمّا الوجع الأكبر فيكمن في تعاطي البعض مع الانشقاق وكأنّه بات أمرًا واقعًا، وفي إهمال وصيّة السيّد لتلاميذه بأن «يكونوا واحدًا».

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ:

إنجيل الاثنين الأسبوع الأوّل من الصوم

التلميذ: هل تخبرني عن أناجيل الأسبوع الأوّل من الصوم؟

المرشد: تضع الكنيسة أمامنا «سجّادة» جليلة لنسير عليها طيلة الصوم، وهي سجّادة المحبّة والمصالحة الأخويّة. فإن قرّرنا أن نبدأ الصوم بقلب نقيّ تجاه إخوتنا واتّخذنا هذا القرار كقاعدة لصومنا، نستطيع حينها أن نسمع عمّا سيحصل في نهاية الأزمنة كما يرد في إنجيل الاثنين الأوّل من الصوم (لوقا ٢١: ٨-٣٦).

التلميذ: ماذا تعني هذه العبارة «احذروا أن تضلّوا» الواردة فيه؟

المرشد: مَن يقدر على أن يسلك طريقه محمولًا بالمحبّة، لن يخاف قلّة المحبّة الموجودة عند غيره حتّى وإن أرادوا أن يؤذوه. هذه حقيقة موجودة والربّ يسوع يريد أن يلفت أنظارنا إليها بخاصّة في أيّامنا الحاضرة، لأنّه عندما يبدأ كلّ ما حولنا بالانهيار ونبدأ بالشعور بعدم الاستقرار ويتبدّل كلّ شيء، حتّى الذي نظنّه من المسلّمات، من صحّتنا إلى أحوالنا وكلّ باقي الأمور، سنشعر بالحاجة إلى ما هو ثابت. ومحبّة الله ومحبّتنا للأخوة هو هذا الثابت الذي أخذناه.

التلميذ: يتكلّم الإنجيل على زمن الاضطرابات ونهاية الأزمنة، هذا شيء مرعب!

المرشد: نعم، هذا صحيح. أمام هول التوصيف، تظهر أمامنا واحات من الرجاء كبيرة جدًّا، لأنّ يسوع شاء أن نكون مطمئنّين إلى أبعد الحدود، ممتلئين رجاءً عظيمًا، واضعًا لنا الأساسات غير المتزعزعة التي علينا أن نقف عليها كما في قوله: «ضعوا في قلوبكم ألّا تفكّروا من قبل في ما تحتجّون إليه» (لوقا ٢١: ١٤).

التلميذ: كيف علينا ألّا نرتاب حينها ونكون بلا همّ؟

المرشد: لهذا السبب يقول الربّ يسوع: «فإنِّي أعطيكم فمًا وحكمةً لا يقدر جميع مناصبيكم على مقاومتها ولا مناقضتها» (لوقا ٢١: ١٥). بهذا المقدار الكبير ستكون نعمة الله علينا، لدرجة أنّ لا أحد سيستطيع أن يعتدّ بأنّ تكون له قوّة أو حكمة يمكنها أن تضحدنا أو تغلبنا أو تفحمنا. بل على عكس ذلك، كلّ الحجّة والقوّة والحكمة ستكون موجودة فينا ومعنا، في قلوبنا وأفواهنا. جلّ ما علينا أن نقوم به هو اقتناء الروح القدس. وهذا نستدلّ عليه من قوله إنّه علينا أن نضع في قلوبنا همّ المكوث معه وهو يكون معنا. 

 

الكذب

للمطران جورج خضر

لعلّ الخطيئة الأكثر تفشّيًا في بلدنا الكذب. له تعريف بسيط وهو أن تقول غير الواقع لـمّا يكون عليك أن تشهد للحقيقة، أن تقول للآخر ما كان من حقّه أن يعرفه، إلّا إذا كان هناك خطر على حياة إنسان وهذا ما سمح به الآباء الشرقيّون. أزيد على ذلك أنّه مسموح إخفاء الحقيقة إن كان هناك خطر على صيت إنسان فليس عليك أن توافق على النميمة إذا جاء من ينسب إلى أحد الناس سيّئة أو فاحشة أنت تعرف بها. ذلك بأنّه ليس من حقّ أحد أن يكشف عورات الناس إلّا إذا استدعتك المحكمة وطلبت جلاء واقعة.

الكلام الذي غالبًا ما نسمعه في أوساطنا أنّ هناك كذبة بيضاء لا تؤذي أحدًا. الحقيقة أنّ تغيير الحقائق يؤذي الكاذب نفسه لأنّه يعلّمه الجبن ويثبّته في الخوف ويقزّم شخصيّته. الحقيقة تسكن فيك كما الله لأنّه هو الحقيقة والله كشف نفسه بيسوع المسيح ولم يصمت. وجه الله في الحقيقة التي تبديها. هذه يجب أن تبِين كأنّك بها تنقل الله. وينبغي ألّا تفصل بين الباطن والظاهر. ففي أحد كتبنا القديمة يرد أنّ اليوم الأخير يحلّ عندما يكون الظاهر كالباطن. المسيحيّون لا يخشون أحدًا. لا يخافون الموت ولذلك يرفضون الباطنيّة التي تقول إنّه مرخّص لك أن تكفر بالله إن كان هناك خطر على نفسك. الإنجيل يطلب أن تؤدّي الشهادة أمام الأمم ولو كان ثمن ذلك الموت (رومية ١٠: ٩).

القاعدة هي الشهادة. ولذلك يسمّي الكتاب المسيح «الشاهد الأمين الصادق» (رؤيا ٣: ١٤). وأخلاق يسوع تنعكس في المؤمن: «الشاهد الأمين لا يكذب» (أمثال ١٤: ٥). ويجعل العهد الجديد الصدق أساس التعامل بين الناس فيقول: «لا تكذبوا بعضكم على بعض» (كولوسي ٣: ٩)، ويربط أحيانًا الكذب بشهوة الادّعاء: «فلا تفتخروا ولا تكذبوا على الحقّ» (يعقوب ٣: ١٤). ويلحّ الكتاب ليس فقط على استمرارنا بالصدق ولكن على أن نبغض الكذب، ويحضّ على ألّا نصغي إلى كلام كذب.

غير أنّ الكلمة الإلهيّة رأت بُعدًا في الكذب قلّما نفكر فيه، فلم تحدّده فقط بالكلام الغاشّ ولكن بالمواقف المناقضة للحقيقة، ولذلك قالت إنّ هناك ليس فقط من يقول كذبًا ولكن من يصنع كذبًا (رؤيا ٢٢: ١٥). فأن نتبع رجلًا كذّابًا ونواليه ونظهر أنّنا من أنصاره، أن نسكت حيث يجب الإفصاح، ألّا نقاوم مشروعًا مغلوطًا، أن نغالي في المديح، أن نمدح للكسب أو الاسترضاء، أن نتصرّف كأنّنا متلهّفون لواحد ونحن لسنا بمتلهّفين لنخدعه، كلّ هذا كذب في العمل. ولهذا قال هوشع: «أحاط بي أفرايم بالكذب» (١٢: ١).

هذا كلّه مصدره الشيطان الذي قال عنه يسوع: «إنّه كاذب وأبو الكذّاب» (يوحنا ٨: ٤٤).

من انتابه هذا الضعف يضرب جذوره، يحاول ألّا يخاف. هذا يأتي عن تقوية الثقة بالله حتّى إذا تدعّمت به لا تخشى عقاب البشر. وإذا كذبت فاستغفر وتروّض على الصدق المرّة تلو المرّة ترَ أنّك قادر عليه لأنّك أصبحت قويًّا بالمسيح.

Last Updated on Friday, 11 March 2022 18:24