ocaml1.gif
العدد ١٢: حاملو نعمة الغفران ومانحوها إلى أترابهم Print
Written by Administrator   
Sunday, 20 March 2022 00:00
Share

raiati website copy
الأحد ٢٠ آذار ٢٠٢٢ العدد ١٢  

الأحد الثاني من الصوم (القدّيس غريغوريوس بالاماس)

تذكار الآباء العشرين المقتولين في دير القدّيس سابا

 

كلمة الراعي

حاملو نعمة الغفران ومانحوها إلى أترابهم

حاملو نعمة الغفران ومانحوها إلى أترابهم ماذا بإمكاننا أن نقدّم إلى الله سوى خطيئتنا وضعفاتنا وأتعابنا؟ وماذا بإمكان الله أن يقدّم لنا سوى البدء بالغفران، أي ملكوت الله وبرّه، وعلى أساسه يزيدنا كلّ شيء آخر؟ هذا جزء ممّا جرى في حادثة شفاء المفلوج في كفرناحوم، فقد تقدّم أربعة يحملون مفلوجًا ودلّوه أمام يسوع، فمنحه يسوع أوّلًا غفران الخطايا ثمَّ شفاء الجسد المعطوب. 

هل يخاطبنا هذا الحدث بشيء في واقعنا اليوم؟ ربّ قائل: تجسّد كلمة الله ليجسّد بيننا محبّة أبيه السماويّ ويكرز بها للعالم أجمع إيمانًا به وخلاصًا ومصالحة وغفرانًا وانطلاقًا في حياة جديدة. ويسوع يخاطبنا بالمحبّة الإلهيّة، وهي محبّة نابعة من الآب إلى الابن الوحيد، ومنه إلينا أيضًا. وطبيعة هذه المحبّة أن تطلب ما لذاتها، أي المصالحة، مصالحتنا مع الله ومع أترابنا ومع أنفسنا. وهذا يتمّ بعمل الروح القدس فينا، إن قبلناه بالإيمان وعشناه بالجهاد. وعمل الروح مجّانيّ، لا يرتكز على فضيلة، بل على القلب الذي يلتمس بإيمان نعمة الله المخلِّصة والشافية.

حمل المفلوج محبّة الذين قدّموه إلى المسيح، فكانت المفاجأة أن لاقته محّبة الله فأعطاه يسوع أن يعيشها في ذاته ويذوق حلاوة الروح القدس والحياة الجديدة التي يهبها. هذا كان قبل أن يعيش في بدنه قوّة كلمته بشفائه من دائه. فكان من السهل عليه، بعد تلك الخبرة الأولى، أن يأخذ أمر المسيح إليه على محمل الجدّ فيحمل سريره ويمشي. فكانت تلك الخبرة الثانية تفصيلًا بسيطًا بالمقابلة مع الخبرة الأولى، بحيث ظهرت أنّها أمر طبيعيّ في سياق فيض النعمة هذه.

ولكنّ حادثة شفاء المفلوج في كفرناحوم، وهي المدينة التي اتّخذها يسوع منطلقًا لبشارته العلنيّة وخذلته من جهة قبولها الإيمان به وببشراه الخلاصيّة، وضعتنا أمام قساوة قلوب الكتبة الذين تعثّروا من جهة هويّة هذا الشافي الحقيقيّة. فكيف يغفر خطايا المفلوج والغفران سلطة يمارسها الله وحده دون سواه؟

ينقلنا هذا الواقع المستجدّ في الحادثة إلى اللبّ الذي يمسّنا، ألا وهي الرسالة التي شاء يسوع أن يسطّرها للكتبة أمام أعيننا: «لكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا» (مرقس ٢: ١٠). بات علينا اليوم أن نحدّد موقفنا من هذا الإعلان الذي أتت حادثة الشفاء ختمًا معلومًا وظاهرًا. كيف نواجه عمليًّا ما يعلنه يسوع ويظهره، ليس فقط من جهة هويّته، ولا من جهة سلطانه، بل من جهة أن نلاقي يسوع على الطريق التي يسلكها نحونا ويدعونا إليها، أي غفران خطايانا؟

قد نتوقّف أمام تمجيد الجمع لله، وحسنًا نفعل. ولكن يبقى سؤال يسوع هذا إلينا يؤرقنا: «لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم؟» (مرقس ٢: ٨)، وهو يقصد أفكارًا تعيق خلاصنا وتخصّ هويّته ورسالته وعطيّته لأجل مَن يؤمن به. فهل نفحص أفكارنا على ضوء هذه الحادثة ونتّضع أمام الربّ ونقبل أن يحملنا الأخوة إليه بحال كنّا معطوبين؟ هل ينبري أحدنا ليشهد لنعمة الله المجّانيّة التي انكشفت بيسوع ولمسْنا فعلَها في النفوس والأبدان وحدّثنا عن مآلها فينا الذين قدّسوا حياتهم بواسطتها؟ هل يشيع مثل هذه البشرى الحبور والفرح والرجاء بيننا فنتقدّم إلى المسيح، أم باتت أوصال نفوسنا مقطّعة إلى درجة ما عادت هذه العطيّة تحرّك منّا شيئًا؟

أن تحْمِل مفلوجًا هذا أمر قام به أربعة رجال بحسب القدرة البشريّة، أمّا المفلوج فحمل سريره بحسب الإيمان، بحسب القدرة الإلهيّة. خطوة الأوّلين سمحت لهذا الأخير بأن يقوم بالقفزة الروحيّة التي يشهد لها الإنجيل. عالمنا يحتاج إلى ذاك وأولئك، فهما، معًا، الخميرة الصالحة التي تخمّر العجين كلّه. هلّا مجدّنا الله منذ الآن على أنّه هو الفاعل صالحات لم نرَ سوى هدب ثوبها؟ ألسنا مرشّحين لأن نصير على شاكلة معطيها، حاملين نعمته وممارسين سلطته وممجّدين اسمه على الدوام؟ هلّا أخذنا إذًا نعمة الغفران وكرزنا بها وحملناها إلى أترابنا رجاءً وحياةً جديدة؟

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١: ١٠-١٤، ٢: ١-٣

أنت يا ربّ في البدء أسّستَ الأرض، والسماواتُ هي صُنْعُ يديك، وهي تزول وأنت تبقى، وكلّها تبلى كالثوب وتطويها كالرداء فتتغيّر، وأنت أنت وسِنوك لن تفنى. ولمن من الملائكة قال قطّ: اجلسْ عن يميني حتّى أَجعل أعداءك موطئا لقدميك؟ أليسوا جميعُهم أرواحًا خادمة تُرسَل إلى الخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص؟ فلذلك يجب علينا أن نُصغي إلى ما سمعناه إصغاءً أشدّ لئلّا يسرب من أَذهاننا. فإنّها إن كانت الكلمة التي نُطق بها على ألسنة ملائكة قد ثَبَتَت، وكلّ تعدّ ومعصية نال جزاء عدلًا، فكيف نُفلتُ نحن إن أهملنا خلاصًا عظيمًا كهذا قد ابتدأ النُطقُ به على لسان الربّ ثمّ ثبّتَهُ لنا الذين سمعوه؟

 

الإنجيل: مرقس ٢: ١-١٢

في ذلك الزمان دخل يسوع كفرناحوم وسُمع أنّه في بيت. فللوقت اجتمع كثيرون حتّى إنّه ما عاد موضع ولا ما حول الباب يسع، وكان يخاطبهم بالكلمة. فأَتوا إليه بمخلّع يحملهُ أربعة، وإذ لم يقدروا على أن يقتربوا إليه لسبب الجمع، كشفوا السقف حيث كان، وبعدما نقبوه دلّوا السرير الذي كان المخلّع مضّجعًا عليه. فلمّا رأى يسوع إيمانهم، قال للمخلّع: يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك. وكان قوم من الكتبة جالسين هناك يُفكّرون في قلوبهم: ما بال هذا يتكلّم هكذا بالتجديف؟ من يقدر على أن يغفر الخطايا إلّا الله وحده؟ فللوقت علم يسوع بروحه أنّهم يفكّرون هكذا في أنفسهم فقال لهم: لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم؟ ما الأيسر، أن يُقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يُقال قم واحمل سريرك وامش؟ ولكن لكي تعلموا أنّ ابن البشر له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا، قال للمخلّع: لك أقول قُم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل سريره وخرج أمام الجميع حتّى دهش كلّهم ومجَّدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا قطّ.

 

الدواء المنسيّ

حياة الإنسان، رحلة رجوع من أرض الغربة التي نُفي إليها من جرّاء سقطته، «ولـمّا عصاكَ أنتَ الإله الحقيقيّ خالقه، وانقاد لغواية الحيّة، فأُميتَ بزلّاته، نفيتَه يا الله بحُكمك العادل، من الفردوس إلى هذا العالم» (من ليتورجيا القدّيس باسيليوس الكبير).

الخطيئة، التي هي علّة النفي، هي جرح الإنسان وداؤه. والتوبة الدواء؛ أو كما يدعوها آباؤنا: «الدواء المنسيّ»؛ لكون الإنسان ينسى أنّ في أرض الغربة هذه، واحات مياه، منها ينهل ويرتوي، وهي دموع التوبة - تجديد معموديّته الدائم.

الخطيئة، لغةً، أن يخطئ الإنسان الهدف والغاية. الخطيئة تغرُّب عن الذات «طالتْ غربتي على نفسي» (مزمور ١٢٠: ٥)، وعن الآخر وعن الله. والتوبة رجوع إلى الذات والآخر والله: «رجع إلى نفسه... أقوم وأمضي إلى أبي...» (لوقا ١٥: ١٧-١٨).

التجربة التي تقودنا إلى الخطيئة، غالبًا ما تنطلق من المستقبل، عبر المخيّلة، مستعينة بالماضي، عبر الذاكرة، التي تحوي كلّ خبرات سقوطنا وضعفاتنا السابقة، لتقدِّم لنا، في الحاضر، وَهْمَ وَعدٍ ولذّة.

التوبة، تنطلق من الماضي، عبر الذاكرة، التي تحوي أيضًا كلّ خبراتنا مع عطايا الله ورحمته وحبّه، «تذكّرت الأيّام القديمة، هذذت في كلّ أعمالك وتأملت في صنائع يديك» (مزمور ١٤٣: ٥)، مستعيدةً المستقبل، الحاوي كلّ وعود الله بالخلاص، لتصحّح واقعًا وحاضرًا مريضًا ومؤلـمًا.

لهذا، ليست التوبة شفاءً للماضي أو الحاضر وحسب، إنّما شفاء للمستقبل أيضًا، لأنّها وعد، والتزام وعد. ليست التوبة مجرّد تركٍ للخطيئة، وعدم السلوك فيها. فقد يبتعد الإنسان عن الخطيئة لأسباب خاطئة، كالكبرياء أو الخجل أو الخوف... التوبة بذلك، ليس ألّا نفعل الخطيئة، إنّما ألّا نريدها أيضًا. ليست التوبة أن نترك الخطيئة، إنّما أن نثبت في هذا التَرك. ليست التوبة أن نكره الخطيئة وحسب؛ التوبة وعي لحبّ الله لنا، وتفاعل مع هذا الحبّ. هي أن يغلب حبّ الله فينا أيّ مَيلٍ أو حبّ آخر، أو لآخر. هي «أن نطرد عشقًا بعشقٍ»، كما يعلّمنا القدّيس يوحنّا السلّميّ.

التوبة أن نؤمن بما نصلّي، حين نقول للربّ: «أنا عالم يا ربّ بأنّه لم يخطأ إليك آخر كما خطئت أنا، ولا فعل الأفعال التي فعلتها أنا، لكنّي أعلم هذا أيضًا، أنّ لا عِظم الزلّات، ولا كثرة الخطايا، تفوق طول أناتك الكثيرة ومحبّتك للبشر القصوى يا إلهي» (من صلاة التهيئة للمناولة). التوبة، باختصار، وبكلمات قليلة، كما عرّفها المطران كاليستوس وير: «التوبة ليست أن ننظر إلى الوراء بحسرة، بل إلى الأمام برجاء. ليست أن ننظر إلى الأسفل حيث تتغلغل عيوبنا، بل إلى الأعلى نحو حبّ الله. ليست أن نتفرّس في تقصيرنا، بل أن ننظر إلى ما نستطيع أن نصبح عليه، بمؤازرة النعمة الإلهيّة».

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: من أخلاق الصوم

التلميذ: كيف يعلّمنا الربّ أن نُحسن إلى سوانا؟

المرشد: لعلّ أجمل ما في الوجود هو أن يساعد الإنسان أخاه أو أيّ محتاج آخر أو قريب، لأنّه بذلك يظهر دفء العلاقة ومعناها، أي أنّنا لإخوتنا ولسنا لأنفسنا وحسب. ينبّهنا الربّ يسوع إلى كيفيّة التصدّق وعمل الإحسان، لأنّنا إن قلنا في أنفسنا إنّنا صالحون ونساعد الآخرين، نكون قد استوفينا أجرنا. أو إن كنّا ننتظر من الناس أن يقولوا عنّا إنّنا صالحون، نكون قد أخذنا أجرنا أيضًا. ولكن إن كان نظرنا إلى الربّ يسوع والآب السماويّ فإنّ مكافأتنا ستكون سماويّة. ومجازاة الله لنا، ليست بالكلام فقط وليست مجرّد تهنئة على أفعال إطعام الجياع وإرواء العطشانين وزيارة المرضى والمسجونين فيقول لنا: «رثوا الملك المعدّ لكم» (متّى ٢٥: ٣٤). لكنّه يعطينا ويكرمنا لكي نحسن أكثر فأكثر، وفي الوقت الذي نفرغ فيه من الإحسان يبعث لنا لنعطي. ولهذا السبب يوصينا الربّ بألّا ندع شمالنا تعلم ما صنعت يميننا لأنّنا سنصل إلى مرحلة نحتسب فيها مقدار طاقتنا على العطاء. أمّا في حسابات الله، في المصرف الذي نضع فيه قلوبنا، فهو يعطي من دون حساب ويصنع المعجزات التي يشاء أن يعملها، كما حصل في مثل تكثير الخبزات الخمس والسمكتين، إذ أشبع الجموع كلّها. فهل يا ترى نحن نملك إيمانًا كافيًا لنُحسن بهذه الطريقة وبهذا المقدار؟

التلميذ: تشتّتنا وحاجياتنا تعيق صلاتنا، فماذا علينا أن نفعل؟

المرشد: نحن أمام مفترق طرقٍ في كلّ يوم من أيّام حياتنا: بين أن يتشتّت ذهننا وينغمس بشؤون العالم كلّ الوقت، وأن نلاحظ أنَّ العالم مضطرب ومتضايق، متألِّم وضائع، فنرفعه إلى الله متوسّلين إليه أن يرسل رحمته علينا وعلى عالمه لأنّنا كلّنا إليه نلتجئ. علينا أن ننتبه عندما نقف للصلاة. ينبّهنا يسوع أن نبدأ في صلاتنا من نقطة معيّنة: أنَّ الآب عالـِم بحاجاتنا ولا لزوم لنا أن نثرثر ونشرح له لنقنعه بحاجاتنا. كلّ ما يهم الله هو أن نعلم كيف نتّكل عليه ونسلّم أنفسنا له، ونكون متأكّدين داخليًّا أنّه سيعيننا بما يفوق ما طلبناه من أجل حاجاتنا.

 

التلميذ: ما دور الجماعة في هذا الجهاد؟

المرشد: نحن بحاجة إلى أن نشدّد بعضنا بعضًا بهذا الكلام وبهذه الصلوات وبمواقفنا المتعاضدة، وأن نذكّر بعضنا بعضًا بقوّة الإيمان والرجاء والصلاة فلا تنكسر نفوسنا ونغرق في اليأس، بل نسير على مياه الشدائد والمحن كما مشى بطرس مرّة على المياه. لا تنسَ أنّ أشخاصًا كثيرين هم في ضيقة وشدّة ولكنّهم حارّون بالروح، يمشون كبطرس على المياه باتّجاه المسيح غير مستسلمين للصعاب. يتقدّمون خطوة خطوة مشدّدين كثيرين ممّن يعيش في محيطهم. هذا ما كان يردّده أحد المرضى بالسرطان وكانت أيّامه معدودة: «أنا جاهز لما يريده الله». فهل نحن مؤمنون بأنّ الله يحبّنا فنعطيه ذاتنا؟

 

السرقة

للمطران جورج خضر

السرقة تبدأ بشهوة ما يقتنيه الغيـر. «من القلب تنبعث المقاصد السيّئة والقتل والزنى والفحش» (متّى ١٥: ١٨). دواؤها التنزّه عمّا لا نملكه والاستقلال عمّا نملكه. فإن تملكّنا هذا الذي عندنا حتّى العبوديّة فنحن معرضون لاشتهاء ما عند سوانا أيضًا. العيون النهمة تدفع اليدين إلى السطو والنهب، وإذا أردنا شيئًا واقتحمنا المكان الذي هو فيه فنحن مستعدّون للقتل إذا دافع من اعتدينا على موجوداته وعن نفسه.

نحن لا نعرف كيف تكوّنت ثروة هذا وذاك. إن حصّلها بطرائق غير شرعيّة فله من يدينه. وإذا قرّرنا أن نقيم توازنًا بيننا وبين من أثرى بالحرام نقع في الخطأ الذي ارتكبه هو. نحن ليس شأننا أن نقيم العدل بيننا وبينه. العدالة الاجتماعيّة شأن المجتمع كلّه وشأن الدولة بخاصّة.

المال الحلال هو الذي يأتيك بالعمل أو بالإرث. «هناك ستّة أيّام يجب العمل فيها» (لوقا ١٣: ١٤). فالانكفاء عن العمل خطيئة إلّا إذا اضطرّتك إليه البطالة. أجل هناك أوضاع تغري في أيّة مسؤوليّة ماليّة أنت فيها. هذا كان وضع يهوذا الذي «كان سارقًا وكان صندوق الدراهم عنده، فيختلس ما يلقى فيه» (يوحنّا ١٢: ٦). أنت موظّف شركة مثلًا أرسلتك في مهمّة فقدّمت لها فواتير كاذبة. أنت متعهّد بناء وقبضت ثمن الموادّ ولم تضع في البناء الموادّ المتّفق عليها. أو أنت أهملت صيانة مطلوبة منك. ليست السرقة فقط أن تدخل إلى بيت وتنهبه، ولكن أن تأخذ بالارتكاب ما ليس لك أو أن تؤذي الآخرين بإغفال يجلب عليهم خسارة.

أن تحرم الناس ظلمًا ممّا لهم حق فيه هذا ما يحدث كثيرًا: العامل الذي لا تدفع له الحدّ الأدنى أو تبقيه على الحدّ الأدنى وأنت قدير؛ الخادمة التي تستغلّ فقرها لأنّها لبنانيّة في حين أنّك تدفع الأضعاف للخادمة الأجنبيّة؛ كلّ هذا نوع من أنواع السرقة. وقد تنبّه لهذا الكتاب الإلهيّ في قوله: «ها إنّ الأجرة التي حرمتموها العملة الذين حصدوا حقولكم قد ارتفع صياحها، وإنّ صراخ الحصّادين قد بلغ أذني ربّ القوّات» (يعقوب ٥: ٤).

كفاحنا لروح السرقة واستغلال الفقراء يكون بتربية أنفسنا على العمل وعلى حبّ العطاء. بهذا المعنى قال بولس: «من كان يسرق فليكفّ عن السرقة، بل الأولى أن يعمل بيديه بنزاهة لكي يحصل على ما يقسمه بينه وبين المحتاج» (أفسس ٤: ٢٨).

تربية النفس على ألّا تشتهي إلّا الحاجة الضروريّة، أن تذوق الحياة مع المسيح على أنّها الثروة الحقيقيّة، أن تتقشّف في سبيل العطاء، أن تصلّي من أجل البقاء على عفّة النفس كلّ هذا يدنينا من الاستقامة. ألّا يغيّر المال رأيك في شيء، ألّا يجعلك متزلّفًا، ألّا تخشى مخلوقًا، أن تكره الكذب فوق كلّ شيء، كلّ هذا من مقتضيات الطهارة. لقد سكب يسوع كلّ أمجاد العالم وقدر على أن يقول: «لا تستطيعون أن تعبدوا ربّين الله والمال». العفّة عن طلب المال بصورة غير شرعيّة شرط أساس لمحبّة الله.

يستطيع الإنسان بعد إنفاقه على أولاده الصغار أن يعيش هو وزوجته بمتاع قليل. هكذا فقط يعصم نفسه ويصير فقيرًا إلى الله.

 

مكتبة رعيّتي

صدر عن منشورات معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ في جامعة البلمند كتاب جديد باللغة الإنكليزيّة بعنوان: «سرّ الزواج وسط التفكيك: حوار بين الأنثروبولوجيا الأرثوذكسيّة وآفاق ما بعد الحداثة»، من تأليف الأب بسّام ناصيف، أستاذ اللاهوت الرعائيّ في المعهد، وكاهن رعيّة القدّيس فوقا في كفتون التابعة لهذه الأبرشيّة.

يتناول الكتاب أهمّيّة العائلة وصونها أمام تحدّيات الثقافة المعاصرة، وكيفيّة عيش الإنسان المسيحيّ لسرّ الزواج المقدّس. يعرض الكتاب أسس الفكر المعاصر حول الحياة الزوجيّة والعائليّة، عبر دراسة أعمال أبرز المفكّرين في علم الاجتماع والفلسفة في العصر الحديث وعصر ما بعد الحداثة، والذين استعملوا مناهج تفكيكيّة لإنتاج معانٍ جديدة للعائلة وقيم مستجدّة حول الزواج والجسد والحبّ والإنجاب والجندر، وتداعيات هذه المعاني على حياة الإنسان وعلاقاته ومجتمعه. يقدّم الكتاب مبادئ لاهوتيّة أساسيّة بلغة مسيحيّة مشرقيّة أصيلة منفتحة على طروحات جديدة، ولكن بروح الإنجيل وإرشادات الآباء القدّيسين وبفكر الكنيسة وخبرتها ضمن لاهوت التجسّد.

Last Updated on Friday, 18 March 2022 18:24