ocaml1.gif
العدد ١٣: المتلقّي الصّفعات والشّافي منها Print
Written by Administrator   
Monday, 30 March 2020 00:00
Share

raiati website copy

الأحد ٢٩ آذار ٢٠٢٠ العدد ١٣ 

الأحد الرابع من الصوم

البارّ يوحنّا السلّميّ

كلمة الراعي

المتلقّي الصّفعات والشّافي منها

1320 يشعر البعض أنّ صفعات كثيرة موجعة قد توالت عليه في الآونة الأخيرة، بوتيرة لم تسمح له بأن يتنفّس الصعداء، فقد تنوّعت مصادرها ومسبّباتها، وخلّفت وراءها معاناة لا تطاق. تجدك أمام حالة من التذمّر والشكوى  والضياع، وشعور بالخوف والقلق على الذات وعلى المصير. إنّها تجربة قاسية، يصعب على الكثيرين تحمّلها، خصوصًا في غياب استعداد كافٍ وإيمان قويّ. إنجيل الأحد الرابع من الصوم يرسم لنا طريقًا للمداواة من هذه الصفعات المؤلمة والوصول إلى المعافاة التامّة.

إذا تابعنا حادثة شفاء الابن الأخرس عن قرب، يمكننا أن نميّز خمس صفعات توالت. الصفعة الأولى هي عذاب الابن من «روح أخرس»؛ والثانية هي عجز التلاميذ عن مساعدته؛ والثالثة هي معاناة الوالد في رؤية ابنه معذّبًا من دون علاج؛ والرابعة هي الحقيقة التي كشفها المسيح بصرخته بشأن «الجيل غير المؤمن»؛ والخامسة هي الجمع الذي تراكض، ربّما ليتفرّج على مجريات الحدث المثير للاهتمام (مرقس ٩: ١٧-٢٥).

فمَن تلقّى هذه الصفعات الخمس يا تُرى؟ إنّه يسوع! فهو يحبّ خليقته والإنسان المخلوق على صورته، ويراه كيف يتخبّط في العذاب من دون أن يعرف تمامًا كيف يشفى. فكيف داواه يسوع؟ إليكم الخطوات الخمس التي يرسمها لنا الإنجيل. أوّلًا، يطلب أن يقدَّم إليه الابن المعذّب؛ ثمّ يدخل في حوار مع الوالد بشأن معرفة واقع ابنه؛ بعدها، يسبر استعدادات الوالد بشأن إيمانه بشفاء ابنه؛ ثمّ يأمر الروح الأخرس بالخروج من الصبيّ؛ وأخيرًا، يتوّج هذه الأفعال الأربعة بأن أمسك بيد الصبيّ المرميّ على الأرض وساعده على النهوض والاستواء معافى (مرقس ٩: ٢٠-٢٧).

لقد داوى يسوع الصفعات الخمس التي تلقّتها خليقته المعذّبة باستعماله خمسة مراهم ردّ بواسطتها الجمال والعافية اللذَين تستحقّهما. طيّب بكلّ مرهم أمرًا وعلّم الإنسان العليل كيف يسلك طريق المعافاة حتّى يصير صحيحًا. المرهم الأوّل هو الوقوف في حضرة الله، عبر خروج الوالد من التخبّط ومبادرته نحو الطبيب؛ أمّا المرهم الثاني فهو الصلاة، حيث يرفع المعذَّب (أو والده) إلى الطبيب حيثيّات واقعه الأليم ليسكب نوره عليه؛ بينما المرهم الثالث هو دخول الوالد مغامرة الإيمان والاتّكال على الله، ولو بدأ باعتراف مؤلم كهذا: «أؤمن يا سيّد، فأعنْ عدم إيماني»؛ أمّا المرهم الرابع فهو الثبات في الإصغاء إلى كلمة الله وقبولها من دون ريب، حتّى ولو ظهر أنّها أدّت بالواقع إلى حال أسوأ، كما حدث للصبيّ إذ «صرخ وصرعه (الروح) شديدًا وخرج فصار كميت»؛ وأخيرًا، المرهم الخامس، وهو أن يأخذ المرء من الآن فصاعدًا باليد الممدوة إليه لينهض من جديد ويبقى معافى.

لكنّ يسوع كانت تنتظره مهمّة أخرى، وهي أن يداوي معاونيه الذين أخفقوا بشكل مروّع في رسالتهم. بالحقيقة، كان انكسار تلاميذه كبيرًا أمام الجمع، لا بل أمام ذواتهم، خصوصًا بعد أن سبق فرأوا نعمة الله الفاعلة فيهم، وبواسطتهم بالأقوال والأفعال. لربّما ظنّوا أنّ النعمة تعمل بشكل آليّ. لكنّ يسوع ردّهم إلى المربّع الأوّل من مسيرة تلمذتهم: أن يتّبعوه هو، أي أن يقدّموا ذواتهم بالفعل إلى معلّمهم، فلا يتبجّحوا بالنعمة المعطاة لهم، ولا يستقلّوا عن معطيها بحجّة ضرورات الخدمة، ولا ينسوا الأساس الذي تقوم عليه علاقتهم به. فأبجديّة التلمذة تبدأ بما كشفه جوابه القاطع عن سؤالهم، في عطاء الجسد بالصوم وعطاء النفس بالصلاة: «هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلّا بالصلاة والصوم» (مرقس ٩: ٢٩). فهكذا يصونون علاقتهم به ويحفظون النعمة المعطاة لهم؛ وهكذا ينتصرون على ذواتهم وعلى أشكال الشرّ في العالم؛ وهكذا يغلبون الشرّير وكلّ ألاعيبه.

هذا كلّه كان رأس جبل الجليد المنظور سواء من قبل التلاميذ أو من الجموع. أمّا بالنسبة إلى يسوع، فالمسألة لم تنتهِ هنا، فهي أعمق بكثير. أمامه مسيرة مضنية، وهي شفاء الإنسانيّة كلّها، وهو على استعداد لتلقّي كلّ الصفعات التي يكيلها له الشيطان أو الانسان من أجل خلاص هذا الأخير. أَليس هذا ما كشفه بقوله: «ابن الانسان يسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث» (مرقس ٩: ٣١)؟

فهل يسوع غريب بعد اليوم عن واقعنا العامّ وواقعنا الشخصيّ المتمثّل بعجزنا، أو عدم إيماننا أو آلامنا؟ هل نستحقّ منه اليوم أن يُسمعنا صراخه العابر للأجيال: «أيّها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟»؟ هل نعترف باتّضاع ونطلب باستعطاف: «إن كنتَ تستطيع شيئًا فتحنّن علينا وأعنّا... أؤمن يا سيّد، فأعنْ عدم إيماني»؟ هل نبادر إلى أن نسأله، بعد انكسارنا، أن يعلّمنا كيف لا نخذله ولا نخذل أنفسنا ولا كنيستنا بعد اليوم: «لماذا لم نقدر نحن على أن نخرجه؟» (مرقس ٩: ١٩؛ ٢٢ و٢٨)؟

ليست خيبة الأمل هي ما دفعت يسوع إلى الخروج «من هناك» وأن «يجتازوا الجليل» من دون «أن يعلم أحد» (مرقس ٩: ٣٠). فهو يتابع عمله حتّى النهاية، حتّى يكتمل في كلّ واحد منّا. وهذا يتابعه حتّى يومنا الحاضر، خصوصًا في الظروف الحاضرة! هيّا بنا إذًا نلاقي يسوع كما نحن. فلنكشفْ له عجزنا ومعاناتنا؛ فلنَقبلْ انتهاره إيّانا ودعوته إلينا؛ فليصلحْ ما اعوجّ في الجسد والروح والخدمة؛ فليعلّمنا سبيل الإيمان والتلمذة؛ فليحتملْنا قليلًا بعد، فإنّنا نصرخ إليه في محنتنا، مع الكنيسة كلّها، والإنسانيّة جمعاء: «ربّي، أنتَ هنا، فاقبلْ صوت تضرّعي، واعترافي وضعفي؛ تلطّف على آبائي وإخوتي وأترابي؛ انظرْ بعين الرحمة والإشفاق على جبلتك؛ قدْنا إلى الإيمان الثابت بك؛ علّمْنا أن نكون معاونين لك مخلصين؛ أنهضْنا من اكتفائيّتنا وألمنا؛ باركْ بيمينك عمل يديك؛ أعطِنا أن نسبّح اسمك في كلّ آن وفي أيّ ظرف؛ فأنتَ الكلّ في الكلّ». آمين.

سلوان

متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما

(جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ٦: ١٣-٢٠

يا إخوة، إنّ الله لمّا وعد إبراهيم، اذ لم يمكن أن يُقسم بما هو أعظم منه، أقسم بنفسه قائلًا: لأُباركنّك بركة وأُكثّرنّك تكثيرًا. وذاك إذ تأنّى نال الموعد. وإنّما الناس يُقسِمون بما هو أعظم منهم، وتنقضي كلّ مشاجرة بينهم بالقَسَم للتثبيت. فلذلك لمّا شاء الله أن يزيد وَرَثة الموعد بيانًا، لعدم تحوّل عزمه، توسّط بالقَسَم، حتّى نحصل بأمرين لا يتحوّلان ولا يمكن أن يُخلف الله فيهما، على تعزية قويّة نحن الذين التجأنا إلى التمسّك بالرجاء الموضوع أمامنا، الذي هو لنا كمرساة للنفس أمينة راسخة تدخل إلى داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابقٍ لنا، وقد صار على رتبة ملكيصادق رئيسَ كهنةٍ إلى الأبد.

 

الإنجيل: مرقس ٩: ١٧-٣١

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسانٌ وسجد له قائلًا: يا معلّم، قد أتيتُك بابني به روح أبكم، وحيثما أخذه يصرعه فيُزبد ويصرف بأسنانه وييبس. وقد سألتُ تلاميذك أن يُخرجوه فلم يقدروا. فأجابه قائلًا: أيّها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون عندكم؟ حتّى متى أحتملكم؟ هلمّ به إليّ. فأَتوه به. فلمّا رآه للوقت صرعه الروح فسقط على الأرض يتمرّغ ويُزبد. فسأل أباه: منذ كم من الزمان أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه، وكثيرًا ما ألقاه في النار وفي المياه ليُهلكه. ولكن إن استطعتَ شيئًا فتحنّنْ علينا وأغثنا. فقال له يسوع: إن استطعتَ أن تؤمن فكلّ شيء مستطاع للمؤمن. فصاح أبو الصبيّ من ساعته بدموع وقال: إنّي أؤمن يا سيّد، فأَغثْ عدم إيماني. فلمّا رأى يسوع أنّ الجمع يتبادرون إليه، انتهر الروح النجس قائلًا له: أيّها الروح الأبكم الأصمّ أنا آمرك بأنِ اخرج منه ولا تعُدْ تدخل فيه. فصرخ وخبطه كثيرًا وخرج منه، فصار كالميت حتّى قال كثيرون إنّه قد مات. فأخذ يسوع بيده وأنهضه فقام. ولمّا دخل بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نُخرجه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج إلاّ بالصلاة والصوم. ولمّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أن يدري أحد، فإنّه كان يُعلّم تلاميذه ويقول لهم: إنّ ابن البشر يُسلَم إلى أيدي الناس فيقتلونه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث.

 

الساكنُ في عونِ العليّ

لقد كان المزمور التسعون دائمًا من بين المزامير الأكثر تفضيلًا لدى المسيحيّين، هي حقيقة تتجلّى بوضوح لكونه المزمور الافتتاحيّ لخدمة الجنّاز في الكنيسة الأرثوذكسيّة، عبر مرافقة النفس المؤمنة بالغبطة في «السبيل الذي تسير فيه».

هو أيضًا واحدٌ من المزامير القليلة التي وقع اختيار جميع المسيحيّين عليها في العصور القديمة من أجل الصلوات اليوميّة. على ذلك، ظهر المسيحيّون أقلّ يقينًا بشأن أيّ وقت من اليوم يجب أن يُصلّى فيه المزمور، ذلك بأنَّ فيه إشارات متناقضة لفترات من اليوم، كالليل والظهيرة: «فلا تخش من هَول الَليل، ولا من سَهمٍ يطيرُ في النهار، ولا من أمرٍ يَسري في الظَلام، ولا من وقعةِ وشيطانٍ تصادفهُ عند الظَهيرة».

بسبب الإشارات فيه إلى ضوء النهار والظهيرة، اختاره المسيحيّون في الشرق لصلاة الساعة السادسة (١٢ ظهرًا)، وهو التقليد السائد حتَّى اليوم. وفق القديس يوحنّا كاسيان (مطلع القرن الخامس)، فهم بعض الشيوخ الرهبان أنَّ «شيطان نصف النهار» هو نوع من إغراء خاصّ بالتعب والاكتئاب الروحيّ، أي ذلك اليأس الغامض المرافق لانهيار القلب المعروف جيّدًا في الأدب النسكيّ. أو، بكلام آخر، هو الإحساس بالـ«متروكيّة» (التعبير للمطران جاورجيوس خضر). نصلّي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر أنّه، مع أنّ السيّد (مرذولًا، متروكًا ووحيدًا) يموت معلّقًا على الصليب في هذه الساعة، غير أنّه سينتصر وسيدوس إبليس الحيّة القديمة. من هذه الزاوية، قد ينفع المؤمن، في إطار المحنة الحاضرة التي تُلقي بثقلها على لبنان، أن يتشدّد قلبه ويتيقّن أنّه لن يبقى متروكًا ومرذولًا وعلى صليب التجربة وحيدًا، لأنّ المزمور يدعوه الى «السُكنى» في «عون العليّ» والى الإقامة في «سِتر إله السماء». هكذا نلحظ، في المزمور، عناية خاصّة من الله وحماية لأولاده المؤمنين به والمتّكلين عليه.

من ناحية أخرى، تأثّر المسيحيّون في الغرب أكثر بإشارة المزمور إلى الليل والظلام، واختاروه لصلاة النوم اليوميّة لديهم. مع ذلك، وفي الحالتين، يلاحظ المرء الاقتناع الراسخ بأنّ لهذا المزمور علاقة بالحماية الإلهيّة من «الهجوم الشيطانيّ»، حيث يتكلّم على الخلاص من أنواع عدّة من الشياطين: «شيطان الظهيرة»، والـ«أمر» الذي يسري في الظَلام، و«الشرّ» الذي لن يداهمك، و«الضربة» التي لن تدنو من مسكنك، لكي يطأ (المؤمن) «الأفعى والثعبان»، ويدوس «الأسد والتنّين».

في ما يتعلّق بالشياطين، يؤكّد القدّيس يوحنّا كاسيان، أنّه يكاد لا يكون هناك نهاية لتنوّعها: «تنوّعها سيستغرق وقتًا طويلًا إذا أردنا البحث في جميع الكتب والمراجع المقدّسة وتصفّحها بشكل فرديّ»… لذا، يكون الاعتداء الشيطانيّ على حياتنا متعدّد الأوجه. لذا يقول المزمور «ألوفٌ يسقطون عن يسارك وربواتٌ عن يمينك». نتعلّم من خبرتنا مع التجربة، أنّها إلى حدّ كبير، على غرار خبرتنا مع النعمة الإلهيّة، من نسيج متباين معها. لذلك يجب أن تكون لدينا، بالمقابل، مجموعة متنوّعة لكيفيّة تعاملنا معها. يمدّنا المزمور بالحماية الإلهيّة (النِعَم) في الجهاد ضدّ كمّ هائل من التجارب «ألوفٌ وربوات».

ما من شكّ في أنّ الشياطين تهاجم أنفسنا بمجموعة كبيرة من الإغراءات والتجارب الموصوفة في الكتاب المقدّس برموز واستعارات متعدّدة. يشرح يوحنّا كاسيان: «يجب ألاَّ نعتقد أنّ هذه الأسماء تُعطى لها بالصدفة أو عشوائيًّا. لذلك نلجأ إلى استخدام أسماء الحيوانات البرّيّة، التي يُشار إلى ضراوتها وغضبها، لذلك يُطلَق على أحدها لقب أسد بسبب غضبه الوحشيّ وشدّته المتّقدة، وآخر يدعى أفعى بسبب السمّ القاتل الذي يقتل مباشرة، وآخر أيضًا كالقنفذ أو النعامة بسبب دهائه وخبثه».

دهاء؟ بطبيعة الحال. والمفارقة أيضًا بالنسبة إلى المزمور ٩٠، وكمثال واضح على الهجوم الشيطانيّ: هو المزمور الوحيد الذي استخدم إبليس إحدى آياته في تجربة السيّد: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنّه مكتوب: أنّه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك كيلا تصدم بحجر رجلك» (متّى ٤: ٦)! لم يُكمل إبليس الآية التالية من المزمور لأنّ فيها نبوءة ضدّه، إذ سوف يدوسه المسيح فعلًا تحت قدميه: «تطأ الأفعى والثعبان وتدوس الأسد والتنّين». نذكر عند الساعة السادسة إذًا، مع أنّ السيّد معلّق على الصليب، غير أنّه سيدوس إبليس «الحيّة القديمة». نرى فيه انتصار المسيح على إبليس ومؤامراته، وإبليس كُنِّيَ هنا بأسماء عدّة، فهو الصيّاد الذي يضع فخًّا في طريق المؤمنين، ويأتي بالوباء الخطر (بل هو نفسه الوباء الخطر!)، وهو سهم يطير في النهار، وهو هول الليل، وهلاك يفسد في الظهيرة، وهو الأسد والصلّ والشبل والثعبان، ولكنّه مع هذا كلّه، قد سحق السيّد رأسه لأجل خلاصنا نحن (كنيسته).

هو مزمورٌ يعطي الطمأنينة لكلّ منَّا، وينزع عنّا كلّ خوف من أيّة مؤامرة شيطانيّة، ويعزّز الثقة بأنّ الله سيعطي نصرة لنا ولكنيسته. هو مزمورٌ يصلح إذًا للصلاة في كلّ آن.

 

من رسائل راعي الأبرشيّة الموجّهة من الأديار

- من دير القدّيس جاورجيوس- دير الحرف:

أصدر هذا الدير كتاب المزامير الذي عمل عليه مؤسّس هذه الرهبنة الأرشمندريت إلياس مرقص، وطبع منه أكثر من ٢٢ ألف نسخة ويوزّعها على المؤمنين لكي يتعلّموا الصلاة.

تستقي الكنيسة من هذا الكتاب الكثير من صلواتها، ونحن بشكل خاصّ نستعمله بشكل مكثّف في خدم الصوم الكبير. وشعبنا يستسيغ هذه المزامير، فهو متآلف معها في خدم الغروب ونصف الليل والساعات (الأولى الثالثة والسادسة والتاسعة)، بالإضافة إلى خدمة صلاة النوم الكبرى والصغرى والخدم الأخرى الكثيرة.

في حديثي مع آباء الدير عن الخوف المستحوذ على الناس اليوم بفعل انتشار ڤيروس الكورونا، لفتني أحدهم إلى المزمور التسعين، فهو يعالج الخوف على حدّ تعبيره. بالفعل، إنّه المزمور الذي نطالعه في خدمة الساعة السادسة، وهي الخدمة التي تحدّثنا بشكل خاصّ عن صلب المسيح.

يقول مطلع المزمور: «الساكن في عون العليّ، في ستر إله السماء يسكن، هو يقول للربّ ناصري وملجأي، هو إلهي فعليه أتوكّل». يشملنا بعناية وتدبير واحتضان يخفّف عن النفس خوفها وقلقها، كما هو مستشرٍ اليوم بين الناس عمومًا.

وهو في مكان آخر يقول: «يوصي ملائكته بك ليحفظوك في جميع طريقك، وعلى الأيدي يرفعونك لئلّا تعثر بحجر رجلك». إنّها الآية التي استعملها الشيطان بعد أن حذف منها العبارة «ليحفظوك في جميع طريقك»، ليصل إلى قصده من حيث أن يرمي يسوع نفسه من فوق إلى أسفل، مغفلًا عن قصد الجزء الذي يشير إلى أنّ عناية الله شاملة وكاملة (في جميع طرقك)، ولا داعي لمثل هذه البطولة (أن يرمي نفسه أسفل) ليثبت يسوع مَن يكون (ابن الله). فاستأهل من الربّ الجواب القاطع: «مكتوب أيضًا: لا تجرّبْ الربّ إلهك». ذلك عبّر يسوع عن ثقته المطلقة بالله أبيه، وقد لمسنا كيف جسّد مضمون هذا المزمور بشكل خاصّ وهو على الصليب.

باختصار، هذا الكتاب، اي كتاب المزامير، هو كتاب صلاة، ترياق للنفس وبلسم لها في معارج تغذيتها بالهواء الروحيّ النقيّ والطعام الروحيّ المغذّي والشراب الذي يروي العطاش إلى البرّ.

عسانا نرفع صلواتنا باستمرار وتواتر، فالصلاة ستر حريز وأكيد في كلّ الأوقات.

 

- من دير القدّيس يوحنّا المعمدان- دوما:

أنا فرح بأن أتوجّه إلى إكليروس الأبرشيّة ومؤمنيها بهذه الرسالة الحيّة من هذا الدير. الصورة التي أنا فيها معبّرة وأرجو أن تبقى في أذهانكم. ولكن ما هي هذه الصورة؟

عالمنا اليوم يوفّر لنا ثلاث شاشات نتابعها على مدار الساعة، شاشة هاتفنا الخليويّ، وشاشة جهاز الحاسوب الخاصّ، وشاشة التلفاز الذي لربّما يكون مشتركًا لأهل البيت أو خاصًّا. عبر هذه الشاشات الثلاث نتابع التفاصيل والأخبار على أنواعها.

ولكن ههنا شاشة أعظم من هذه الشاشات الثلاث. نحن واقفون أمام الكنيسة الرئيسة لدير القدّيس يوحنّا المعمدان في دوما. إنّها النافذة «الشاشة» التي تسمح لنا بأن نرفع همومنا ونفوسنا إلى الله. تأخذنا إلى الله وتضعنا أمامه وتضعه أمامنا. أعني كم الصلاة عظيمة إذ بإمكانها أن تروحن الإنسان حتّى القداسة.

اليوم أمامنا تحدٍّ كبير جدًّا حتّى لا تأسرنا الشاشات الثلاث التي هي ملكنا وبين أيدينا. فإذا ما فرضت علينا الظروف أن نبقى في بيوتنا من أجل مكافحة انتشار ڤيروس كورونا، لا بدّ لنا ساعتها من أن نحتاط من أسر هذه الشاشات على حياتنا وبرنامجنا ووقتنا. لذا أعرض عليكم في المقابل أن تأخذوا بهذه «الشاشة» الرابعة، تلك التي تسمح لكم بمعاينة كلّ شيء بعين الله.

هذا مؤدّاه - إذا ما استخدمنا واتّكلنا على «الشاشة» الرابعة، أي الصلاة، أن نحصل على السلام الذي نحتاج إليه بين أفراد العائلة الواحدة، بين الأزواج، مع الأولاد، الصغار والراشدين على حدّ سواء. هكذا نستطيع أن نواجه انفعالنا على بعضنا البعض في البيت لسبب وجيه أو غير وجيه، بروح المحبّة والسلام والتسامح والصبر. هذا كلّه يأتي عندما نجعل الصلاة مرتكزنا في حياتنا اليوميّة.

لا بدّ لنا إذًا من أن نخرج من الشاشات الثلاث الأولى، ونستخدم «الشاشة» الرابعة، فهي تساعدنا على أن نتبنّى نظرة الله إلينا، فتعمّد نظرتنا إلى أنفسنا وبعضنا البعض والأحداث التي من حولنا، بحيث لا نفتقر إلى الإيمان والرجاء والمحبّة.

أرجو أن يبارَك الجميع. أوصيكم بالصلاة. فهي عملكم الدائم. الصلاة هي «إنتاج هذا الدير». وعلى سبيل المزاح، أضيف، هذا الإنتاج «صُنع في لبنان»، صُنع في عائلة الثالوث القدّوس!

 

الاشتراك في رعيّتي بالبريد الإلكترونيّ

إذا أردت الاشتراك في «رعيّتي» لتصلك على بريدك الإلكتروني كلّ أسبوع قبل يوم الأحد، أينما كنتَ في العالم، فما عليك سوى أن تدخل إلى صفحة المطرانيّة www.ortmtlb.org.lb. وتسجّل اسمك وعنوانك تحت كلمات Subscribe to RAIATI. أو متابعتنا عبر التواصل الاجتماعي (الفيسبوك):

Facebook: Christian Orthodox Archdiocese of Mount Lebanon

Twitter: MountLebanonOrthodox

Last Updated on Thursday, 26 March 2020 17:53