ocaml1.gif
العدد ٤٥: طريق الإيمان بالمسيح وخبرة الانتصار على الذات Print
Written by Administrator   
Sunday, 07 November 2021 00:00
Share

raiati website copy
الأحد ٧ تشرين الثاني ٢٠٢١ العدد ٤٥ 

الأحد العشرون بعد العنصرة

الشهداء الثلاثة والثلاثون المستشهدون في ملطية

القدّيس لعازر العجائبيّ

 

كلمة الراعي

طريق الإيمان بالمسيح
وخبرة الانتصار على الذات

طريق الإيمان بالمسيح وخبرة الانتصار على الذات كيف للمرء أن يواجه امرأة مريضة تنزف دمًا منذ اثنتَي عشرة سنة، أو رجلًا فقد وحيدته ذات الاثنَي عشر ربيعًا؟ كيف للمرء أن يواجه نفسه والمحيطين به في مثل هذه الحالة؟ كيف يواجه يسوع كلّ هؤلاء ويواجهنا في حياتنا؟ الجواب عن هذه الأسئلة نعثر عليه في قيادة يسوع المرأة النازفة ورئيس المجمع في معارج طريق الإيمان به!

أن تؤمن بالمسيح يعني أن تنكر ذاتك أوّلًا. من السهل أن تطلب العجيبة وأن يلبّيها الربّ. ولكن من الأصعب أن تنكر ذاتك من أجل أن تؤمن به. امتحن يسوع قدرة نكران الذات لدى المرأة ولدى رئيس المجمع حينما أراد أن يشقّ طريق قلبَيهما إلى الإيمان. هاكم المرأة النازفة تلبّي طلب يسوع بأن تكشف عن نفسها بعد أن أرادت أن تبقى مستورة. بالفعل، تجاوزت خجلها من مرضها المزمن ومن النظرة المبخِّسة لها لكونها نجسة بداعي دائها. وهاكم أيضًا رئيس المجمع يلبّي دعوة يسوع إلى أن يدع الخوف جانبًا ويتعلّم الاتّكال على الله، فسلك طريق تجاوز المشاعر الأبويّة والحزن المسيطر على أهل بيته ويقف مع يسوع أمام وحيدته الميّتة.

أن تؤمن بالمسيح يعني أن تختار أن تعيش بحسب مشيئة الله. فنكران الذات لا يعني شيئًا إلّا إذا كان في خطّ قطع المشيئة الذاتيّة من أجل صنع مشيئة الله. اختيار كهذا والمثابرة عليه والعيش على أساسه حريّ بأن يقود المؤمن بيسوع إلى سلام النفس والجسد معًا. هذا ما سعى يسوع إلى أن يثبّت المرأة النازفة فيه وأن يدعو رئيس المجمع إلى اكتشافه. فقال للأولى: «ثقي يا ابنة. إيمانك قد شفاك. اذهبي بسلام»، بينما قال للثاني: «لا تخفْ. آمنْ فقط فهي تُشفى» (لوقا ٨: ٤٨ و٥٠).

أن تؤمن بالمسيح يعني تعهّدًا متبادلًا، فيتعهّدك يسوع وتتعهّد نفسك وسواك بشكل متوازٍ. فليس القصد من الإيمان أن يتعهّدك المسيح فقط في حاجاتك وضعفاتك، في واقعك ومرتجاك، من دون أن يكون لك دور ومساهمة ونضال في هذا السبيل. فبعد أن حملت المرأة النازفة علامة الشفاء في جسدها، بات عليها أن تحمل علامة الشفاء في روحها، عندما دعاها يسوع إلى السير في الحياة بناء على الإيمان به فلا يتزعزع بشيء سلامها الذي أخذته من المسيح. وبعد أن شهد رئيس المجمع إقامة ابنته الوحيدة، كان عليه أن يقوم مع زوجته بإطعامها، أي أن يتعهّدها في طريق الإيمان، أي حياة الروح، وليس فقط حياة الجسد وحاجاته.

أن تؤمن بيسوع يعني أن تدعه يخاطب أعماقك، سيّما حينما تكون خائفًا، مكروبًا، متألّمًا، حزينًا، وأن تصغي إليه وهو يدعوك، لا بل يأمرك، بأن تخرج إلى النور، حيث تتعلّم أن تعاين الأمور والأشخاص بعين الله وفي قصده وتدبيره، في نور محبّته وصلاحه اللامتناهي، فلا تبقى أسير معطيات الواقع الذي يلفّه المرض والموت وتتقاذفه الأفكار المتعبة والتحاليل المتعدّدة. أَوَليس في ذلك شفاء لأعماقك فتنفتح على أفق الشركة مع الله والحقّ والمحبّة والتي لها أن تزيّن صلاتك وخدمتك بمكتسباتها؟

أن تؤمن بيسوع يعني أن تقبل أن يقودك إلى الإيمان به فتشرب كأسه حتّى الثمالة. هكذا تتدرّج في تعلّم طريق اتّباعه كما تعلّمه بطرس مع مَن معه في حادثة المرأة، أو مع يعقوب ويوحنّا حينما عاينوا إقامة ابنة رئيس المجمع (لوقا ٨: ٤٥ و٥١). تعلّم بطرس من موقف المرأة النازفة ليس الجرأة الآتية من الموقع الذي يحتلّه بين التلاميذ، بل الجرأة الآتية من كونه واقفًا أمام فاديه وهو يعترف بالضعف الذي يعتريه وهو واثق فيه ومسلِّم أمره إليه. ولا شكّ في أنّه تعلّم أيضًا من موقف رئيس المجمع الذاهب ليعاين وحيدته الميتة متحلّيًا بالثقة بكلام المسيح بشأنها. أَوَليس في هذَين الموقفَين ما يجعلنا نتذكّر موقف بطرس نفسه في آلام المسيح وبعد قيامته؟

أن تؤمن بيسوع يعني أنّ تشقّ طريق حياتك مع ما تحمله إليك من دون أن تنكسر بسببها. ولكن عليك أن تكسر ذاتك من جهة أنانيّتك وعقلانيّتك وخطيئتك لكي تبقى ثابتًا في دعوة المسيح إلى ألّا تخاف، فتثق به كيفما تجلّت مشيئته في حياتك، وذلك بحسب خبرة رسول الأمم: «ونحن نعلم أنّ كلّ الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبّون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده» (رومية ٨: ٢٨). هلّا انتبهتَ ألّا تترك أحدًا يضع لك حدًّا لحياتك في المسيح هامسًا في أذنَيك: «لا تتعب المعلّم» (لوقا ٨: ٤٩)؟ نعم، الربّ حاضر لأن يمنحك نعمة الإيمان به، الذي به تنتصر على ذاتك وتربح الحياة فيه.

+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)

 

الرسالة: غلاطية ١: ١١-١٩

يا إخوة، أُعلمكم أنّ الإنجيل الذي بَشّرتُ به ليس بحسب الإنسان لأنّي لم أَتسلّمه وأَتعلّمه من إنسان بل بإعلان يسوع المسيح. فإنّكم قد سمعتم بسيرتي قديمًا في ملّة اليهود أنّي كنتُ أَضطهدُ كنيسة الله بإفراط وأُدمّرها، وأَزيد تقدّمًا في ملّة اليهود على كثيرين من أَترابي في جنسي بكوني أَوفر منهم غيرةً على تقليدات آبائي. فلمّا ارتضى الله الذي أَفرزني من جوف أُمّي ودعاني بنعمته أن يُعلن ابنه فيّ لأُبشّر به بين الأُمم، لساعتي لم أُصغِ إلى لحم ودم، ولا صعدتُ إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقتُ إلى ديار العرب، وبعد ذلك رجعتُ إلى دمشق. ثمّ إنّي بعد ثلاث سنين صعدتُ إلى أورشليم لأَزور بطرس فأقمتُ عنده خمسة عشر يومًا، ولم أرَ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الربّ.

 

الإنجيل: لوقا ٨: ٤١-٥٦

في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسان اسمه يايرُس وهو رئيسٌ للمجمع وخرّ عند قدمَي يسوع وطلب إليه أن يدخل إلى بيته لأنّ له ابنةً وحيدةً لها نحو اثنتي عشرة سنةً قد أَشرفت على الموت. وبينما هو منطلق كان الجموع يزحمونه، وإنّ امرأة بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرة سنةً وكانت قد أَنفقت معيشتها كلّها على الأطبّاء ولم يستطع أحد أن يشفيها. دنت من خلفه ومسّت هُدب ثوبه، وللوقت وقف نزف دمها. فقال يسوع: من لمسني؟ وإذ أَنكر جميعُهم، قال بطرس والذين معه: يا معلّم إنّ الجموع يضايقونك ويزحمونك وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: إنّه قد لمسني واحد، لأّنّي علمتُ أّن قوّةً قد خرجت منّي. فلمّا رأتِ المرأة أنّها لم تَخفَ جاءت مرتعدةً وخرّت له وأَخبرت أمام كلّ الشعب لأيّة علّة لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: ثقي يا ابنة. إيمانُك أبرأك فاذهبي بسلامٍ. وفيما هو يتكلّم جاء واحد من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتك قد ماتت فلا تُتعب المعلّم. فسمع يسوع فأجابه قائلًا: لا تخفْ. آمنْ فقط فتبرأ هي. ولـمّا دخل البيت لم يدَعْ أحدًا يدخل إلّا بطرس ويعقوب ويوحنّا وأبا الصبيّة وأُمّها. فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمُت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليه لعلمهم بأنّها قد ماتت. فأَمسك بيدها ونادى قائلًا: يا صبيّة قومي. فرجعت روحُها وقامت في الحال، فأمر بأن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما بألّا يقولا لأحدٍ ما جرى.

 

الغربة الحقيقية قربٌ من الله

في الكتاب المقدّس رواياتٌ متعددةٌ تحكي الغربة والسفر والانسلاخ. فيوسف الصدّيق مثالٌ عن خبرة المنفى ويونانُ النبيّ استباقٌ للمهمّات الرسوليّة. أمّا الابن الشاطر فرمزٌ لكلّ من اشتهى تغييرًا أو انعتاقًا أو تقديرًا.

إن كان من نافل القول أنّ الابتعاد عن الأهل والأصدقاء والوطن إن هو إلّا وجعٌ وفراق، غير أنّ الغربة الحقيقيّة مدرسة للرجاء. كيف يصحّ ذلك والغريب لا سند له؟ قد يجد نفسه بلا مأوى، قد لا يجد كتفًا ليبكي حين يحزن، قد لا يجد سريرًا لينام حين يتعب ولا أذُنًا تسمع حين يصرخ. يعيدنا هذا الواقع إلى كلمات يسوع في إنجيل متّى: « تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ لأنّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي». الجوع والعطش متلازمان في هذه الآية. هما من نتائج الغربة.

لكن هل لوجع الغربة من معنى؟ المعنى الروحيّ للغربة هو المفتاح الوحيد لبوّابة الصبر والاحتمال. يحدّد يوحنّا السينائيّ، كاتب السلّم إلى الله، الغربة على أنّها «الإعراض النهائيّ عن كلّ شيء يُعيقُنا في وطننا عن بلوغ التقوى التي نشدناها». يتخطّى إذًا هذا التعريفُ الآبائيّ المفهومَ الجغرافيّ للسَفَر. كذلك تعكس أدبيّاتُ الأسبوع العظيم المقدّس فَهمًا جديدًا للغربة: حين يطرب الشرقيّون لترتيل «أعطني هذا الغريب» ينسى معظمنا أنّ الكلمات تقول صراحةً «أعطني هذا الغريب الذي أبناء جنسه حكموا عليه بالموت بغضًا كغريب». لذلك فقد يعيش الإنسان الغربة في وطنه وبين إخوته إن هم كانوا ظالمين. وقد يعيش الغربة في بيته وقلبه إن نسيَ أنّه حبيب الله.

يذكّرنا الأب جورج مسّوح أنّ «المسيح هو الغريب، وهو، في الآن عينه من يصنع الرحمة إلى الغريب». هكذا يحوّل الربّ غربتنا الجغرافيّة ومنفانا السياسيّ وانسلاخنا العائليّ إلى مكان للقاء به. ليست أرض ميعادنا مع الله من طين هذه الدنيا ولا هي في غربة صحاريها. يقول كاتب المزامير: «للربّ الأرض وكلّ ما فيها، المسكونة وجميع ساكنيها». إذًا ليست الغربة الدنيويّة شرطًا للقاء الله ولا السفر البعيد هدفًا لذاته. كذلك لا ينفع «أن يسكن الإخوة معًا» إن كان البقاء في البيت يعني الاستناد إلى سهولة التقليد واجترار العادات السيّئة الخاطئة. معنى الغربة هذا يُعيدنا إلى تعليم القدّيس يوحنّا السلّميّ الذي يشجّعنا على الانسلاخ عن كلّ شيء يُعيقُنا في وطنِ قلبنا وأرض ذهننا عن بلوغ التقوى التي نشدناها. عندها تغدو الغربة تطلّعًا إلى التوبة وإلى تجديد النفس وإلى الخلاص بيسوع. الغربة الحقيقيّة بمعناها الروحيّ دعوة إلى الخروج من العصبيّات القوميّة والابتعاد عن التكتّلات القبليّة. هي استحضارُ وجهِ يسوع في وجه كلّ قريب وغريب. الغربة إن سكنها الله تغذّي فينا الشوق إليه وتلهب من جديد نار الحبّ الأوّل.

 

من تعليمنا الأرثوذكسيّ: بشارة بولس

التلميذ: بناء على رسالة اليوم، هل أتى بولس الرسول بإنجيل آخر غير الإنجيل الحقيقيّ؟

المرشد: العبارة لا تعني كتابًا مدوّنًا. الأناجيل المدوّنة والمقبولة في الكنيسة أربعة. وما كان واحد منها معروفًا في أيّام بولس. ما يسمّيه الرسول إنجيله هو تعليمه عن الإيمان بيسوع وموته وقيامته. وما دعا إليه بولس في الرسالة إلى أهل غلاطية والرسالة إلى أهل رومية أنّنا مبرّرون بالإيمان بيسوع المسيح وليس بناموس موسى.

التلميذ: هل رأى بولس المسيح بالجسد؟

المرشد: لم يرَ بولسُ المسيحَ في الجسد ولم يسعَ لـمّا عمّده حنانيا أن يصعد من دمشق إلى أورشليم. كانت له علاقة وجدانيّة مباشرة مع السيّد. وما كان في يديه شيء مكتوب من الرسل.

التلميذ: ما هو المصدر الذي أخذ منه بولس الإنجيل الذي بشّر فيه؟

المرشد: إنّ معرفة بولس للمسيحيّة تبقى لغزًا أبديًّا. غير أنّ رسائله تدلّ على أنّ شيئًا أساسيًّا من المسيحيّة بلغ المسيحيّين الذين أرسل إليهم رسائل. يعرفون بالأقلّ أنّ السيّد أقام العشاء السرّيّ ثمّ مات وقام من بين الأموات وظهر لبعض من التلاميذ. بولس لم يكن منشئًا للرسالة المسيحيّة كما ادّعى بعض أهل الغرب ولكنّه كان كاشفًا للمعاني والعقائد التي تتضمّنها الأحداث الخلاصيّة الأساسيّة.

أراد بولس أن يقول إنّ إنجيله، أي مضمون تعليمه، لم يأته من إنسان ولم يتعلّمه من إنسان. ما أتاه من إنسان ولكن بإعلان يسوع المسيح.

التلميذ: هل أعلن يسوعُ نفسه لبولس بعد اهتدائه أكثر من مرّة؟

المرشد: هل يعني هذا إعلانًا واحدًا لـمّا اهتدى بولس بظهور يسوع له على طريقه من أورشليم إلى دمشق، أي على الطريق المستقيم التي تمرّ أمام بطريركيّتنا وتنتهي عند باب شرقيّ؟ هل يقصد إعلانات عدّة بعد أن لجأ بولس إلى «ديار العرب» ونرجّح أنّه إقليم العربيّة أي حوران كما كان يسمّى في الإدارة الرومانيّة، إلى هذا عاد من حوران إلى دمشق؟ لا أحد يعرف. 

التلميذ: من هم المعتبَرون أعمدة في أورشليم الذين يذكرهم بولس؟

المرشد: هم يعقوب وصفا ويوحنّا (غلاطية ٢: ٩). هؤلاء الثلاثة هم المذكورون في الإنجيل أنّ الربّ يسوع اصطحبهم إلى العجائب وجبل التجلّي. فعلى ذكر بولس أنّ إنجيله من الآب ومسيحه عرض إنجيله على النواة الرسوليّة لئلّا يكون قد سعى باطلًا. مهما كان الإنسان عظيمًا عليه أن يراجع التراث.

 

ألم وخطيئة

المطران جورج خضر

ليس من مشكلة تستوقف الإنسان كقضيّة الشرّ، المادّيّ منه والأدبيّ. فأمام مشهد الخطيئة والألم، يتساءل المرء: لماذا كان هذا وما معناه؟ ويتمنّى لو أنّ قدرة الله أعتقته من كلّ معضلة، وضبطته في الخير إلى الأبد، لو سيّرته آلةً لا حرّيّة لها. وكأنّ الإنسان يحسد الحيوان الأعجم والحجر الأصمّ. والحقّ أنّ الإنسان، عندما يملّ المسؤوليّة، يريد لنفسه وضعًا متقهقر الإنسانيّة، ساقطًا إلى المرتبة البيولوجيّة أو إلى ما أدنى منه. الإنسان، وحده، دون الكائنات الحيّة، قادر على أن يكره الألم، لأنّه يستطيع أن يعقله. إنّه لا يرتضي الحيوانيّة ذاتها وضعًا له، وعنده دون الحيوان رغبةٌ في تدمير نفسه.

في ساعات الفرح والانتصار على الذات، يقدر الإنسان على مكانته في مملكة الحياة، ويعرف أنّ الجسم الذي أعطي إنّما هو ركيزة للروح المتطلّعة إلى آفاق لا تُحدّ. ويدرك، في هذه الأوقات، أنّ حرّيّته إنّما هي نعمةٌ كبيرة. ويصبح الألم ذاته مصدرًا لتفتّق الخلق وفوهةَ تدفّق للنور. أجل، لا الفلسفة تعطي جوابًا مقنعًا عن أصل الشرّ ولا الدين يبحث في ذلك. كلّ ما يقوله إنّ الشرّ الحقيقيّ الأوحد هو شرّ الإثم وإنّ الخطيئة يمكن اقتحامها. الإيمان، في قصة الخليقة، لا يجيب عن سؤالنا كيف كان الشرّ ولماذا تسلّل إلينا. لكنّه يؤكّد أنّنا صرنا في الشرّ وأنّ الخطيئة أمست فعّالة قتّالة وأنّ الله وحده، إن سالت قواه فينا نعمةً وحبًّا، قادر على أن ينقذنا من شقائها وموتها. الإيمان يعلّمنا لماذا يجب وكيف يجب أن نخرج من الخطيئة.

الإنسان يعرف أنّ الله ينعطف عليه إذا بلغ الألم عنده كلّ مبلغ، وأنّه يفتقده في صميم المأساة، وكأنّ الله يتمزّق فيه، ويئنّ. هذا الإنسان، إذا صرخ من الأعماق وتاق إلى ربّه كما تتوق الأرض الظمأى إلى الندى، تتنزّل فيه الرحمة، ويتقبّل الله عنه كلّ صدمة، وينبلج من قلبه الصبح.

الفداء ممكن في كل نفسّ إذا صبرت لا صبرَ الاستسلام إلى قدر غاشم، بل صبر المحبّين الذين يرون في الألم التفاتة من ربّهم، ويتبنّون الحرّيّة مرقاةً إلى الخلاص.

 

مكتبة رعيّتي

صدر عن تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع م.م. كتاب جديد بعنوان «الحريّة الدينيّة بين النظريّة والواقع» للأب نعمة صليبا.

يتألّف هذا الكتاب من ٩٤ صفحة، يتضمّن دراسة وبحثًا في حقوق الإنسان والحرّيّة الدينيّة، بما يعرف اليوم بقضيّة التعدّديّة الدينيّة في الدولة الواحدة. هذه التعدّديّة تتداخل بشكل عضويّ بالحياة الاجتماعيّة والسياسيّة. أمّا الباب الثاني للكتاب فيتضمن بحثًا عن دور القضاء في حماية الحرّيّة الدينيّة، فالقضاء يمثّل صمّام الأمان في المجتمع. يُطلب من مكتبة سيّدة الينبوع والمكتبات الكنسيّة.

Last Updated on Friday, 05 November 2021 18:52