Saturday, 05 May 2012 00:00 |
Share لبنان المرجو
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 05/05/2012
في لبنان الصغير كان الأرثوذكسيون ممثلين في مجلس الادارة بعدل وعاشوا في نظام المتصرفية. لم يرتضوا لبنان الكبير اذ كانوا مع فيصل حامل صيغة العروبة آنذاك. مع ذهاب فيصل تلبننوا سياسياً في حفاظهم العاطفي على رحابة مشرقية. بمعنى انهم لم يعيشوا عقدة أقليتهم العددية وما قبلوها لسواهم ولكن هذا التجمع الاقلوي الذي كرسه دستور 1926 فذلكه ميشال شيحا الكلداني الحامل ذكريات العراق. في بلدنا شرخ بين الشعور العميق والواقع السياسي. فقد اقتبس المسلمون العروبة من مؤسسيها الفكريين أي موارنة باريس ثم انسلخ الموارنة عنها سياسيا مع انهم أكتب العرب في لغتهم. ومع ان الموارنة أخوة الارثوذكسيين في المسيح لم يعطوا لهذا ترجمة سياسية وصاروا أسياد البلد. وبعد ان تلبنن المسلمون كلياً ولكن تدريجياً كانت لهم قراءة للبنان نافعة لهم وخسر الموارنة لبنان سياسيا وبقوا له عاطفيا. في كل هذه اللعبة ما افاد الارثوذكسيون بعروبتهم شيئا من المسلمين وما افادوا من الموارنة دنيويا اذ حفظ الموارنة في لاهوتهم الكاثوليكي ودا للارثوذكس ولا سيما في السنوات الاخيرة غير ان هذا لم يؤتِ بترجمة سياسية.
التشرذم الطائفي لا تستطيع انت بجرة قلم ان تحل محله الوطنية اللبنانية وهي شعور لا يولد نظاما. لا بد ان تضرب النظام الطائفي وهو قائم بسيادة طوائف نافذة على طوائف مستضعفة. الى ان ينشأ عندك نظام مدني كيف تقيم عدلا خارجا عن العدد أو خارجا عن تسلط اعتباطي أو عشوائي لناس على ناس؟ تمتمة الجواب ان تحول السؤال الى هذا: انت عندك شعوب مؤمنة بأديان مختلفة وفي كل دين مذهب أو اكثر وأصحاب المذهب لهم ثقافة خاصة بهم. لنأخذ الطهو مثلا. هناك طهو سني لورق العنب رائع وهناك كبة شيعية أو جنوبية تختلف عما يطبخ في المناطق الشمالية والوسطى. وهناك لهجات بعضها مختلف كثيرا عن غيره وهناك مواقف حاسمة في الزواج وديمومته ودرجات قدسيته وكل الموضوع الجنسي. الى جانب ذلك ذاكرات جماعية متنوعة المضمون بحيث لا تستطيع ان ترى نموذجا إناسيا واحدا وبحيث يعسر جدا ان تتكلم عن طبائع لبنانية كثيرة التقارب الا في الخطايا الموحدة لما يسميه الدستور الامة اللبنانية وهو يريد التجمع السوسيولوجي لهذا الحلف الطوائفي الذي سماه الجنرال غورو في اول ايلول 1920 لبنان الكبير بقرار منه. هذا املاء فرنسي يجمع فوقيا مجموعة شعوب لتؤلف معا الشعب اللبناني وهي لم تستطع تأليفه. ولم تدفع هذه الشعوب ثمنا لوحدة اريدت لها وكل شيء في الوقت الحاضر يدل على ان بعض القيمين على البلد لا يريدون أي خير له أو يبذلون ادنى تضحية لتنصهر هذه الشعوب بعضها ببعض ولأية غاية تنصهر روحيا وثقافيا؟ ماذا نفعل بالنكهة الشيعية ذات الفرادة الساطعة؟ هل من محاولة جدية لاقتراب الكاثوليك والارثوذكس؟ هذه امور ليست بتفاصيل لدنو شعب من شعب آخر. توحيد المذاهب الاسلامية الذي ينادي به جامع الأزهر من عقود لم يبق له أثر. الانقباض هو الطابع الوحيد الذي يميز كل طائفة وأعجوبة الانفتاح الديني والمجتمعي لم تطل حتى اليوم. هل نقرر في سبيل حلم الوحدة اللبنانية اننا بتنا شعبا واحدا ونرضى في الواقع بتطويع شعب لشعب؟ متى تتم الوحدة اللبنانية وعلى أي أساس؟ هل ندعو كل شعب الى فقدان دسمه أو ملامحه أو نقوم بعمل توحيدي رمزي في هذه المناسبة أو تلك لنوهم انفسنا اننا ذاهبون الى الانصهار؟ هل تعرفون خارج لبنان بلدا يعزف النشيد الوطني في كل مناسبة؟ كل هذه الامة كما يحلو للدستور ان يسميها تذهب خلال 12 ساعة لتضع ورقة في صندوق اقتراع مكتوبة عليها اسماء مرشحين لتقنع نفسها بأنها صارت واحدة بهم وتعود في اليوم التالي الى انقسامها شعوبا مختلفة لا تعاون بينها الا في التجارة والقطاع الاقتصادي والتنافس المالي ونعت ذاتها باللبنانية لأن هناك علما واحدا وتركيبة دولة غير قادرة أو غير مريدة على بناء طريق لا حفرة فيها أو إقامة كهرباء لا تضيء أو جر مياه لا تروي أو ذبح لحم فاسد وإذاعة رعب في النفوس وتوهم انها تحكم وهي لا تحكم بانتظار دولة تكون غبيا اذا توقعتها بمعطيات اليوم. ان تكون في لبنان غير طائفي أمنية لا أساس لها سياسيا. ان تكون محبا شيء آخر لا علاقة له بالسياسة. يمكن المحبة ان تشفي الطوائف من حدتها، من كبريائها، من أناها المقيت. ولكن هذا لا يصلح النظام الطوائفي. وهو لا ينهدم منطقيا. يجب ان يتفجر كليا. ولن يتفجر ما لم تأتِ بنظام آخر كليا. حتى الآن لسنا نعرف النظام المدني الذي يتجاهل الطوائف كليا. وليس لبنان مؤهلا لاكتشاف نظام لنفسه لا يعرفه علماء الدستور. هل نصل، هل يمكننا ان نصل الى وضع كهذا؟ هذا يعني اننا قادرون ان نفصل بين شعورنا الديني وقيام طوائف لنا لا معنى سياسيا لها. هل اللبناني حر من السياسة الى هذا الحد؟ وهل هو متدين الى هذا الحد حتى يعتقد ان الإيمان اخروي كليا وليس له مردود سياسي؟ انا ليس عندي وصفة تحرير من الطائفية ولست اعرف مرحلية لوصولنا الى نظام علماني. انت لست مضطرا ان تؤمن بإمكانات هذه الشعوب لتصير شعبا واحدا. انت مضطر ان تحب جميع هذه الشعوب لكي تتحرر من الانقباض أو الانغلاق وتبني بالإخلاص دولة تعرف نفسها خادمة لكل هذه الجماعات وهذا يتطلب فهما كبيرا لخصائص هذه الشرائح وكيف تقربها بعضها من بعض. من المعيب ان تسود طائفة طائفة اخرى بأية صورة من صور السيادة. من المعيب الا تجعل كرامتك ككرامة الآخر وان تعليه فوق رأسك لتدخلوا بالمساواة الى ندوة برلمانية تسعون فيها الى بناء لبنان عظيم وتفتخرون بالبهاء الروحي الذي تجعله فيه اخلاقكم السامية.
|
Last Updated on Saturday, 05 May 2012 08:54 |