Saturday, 12 May 2012 00:00 |
Share المرأة
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 05/12/2012
ماذا تقول كلمة الله عن المرأة قبل ان تقول الخبرة البشرية شيئاً. غير ان صعوبة الحديث عن الخبرة انها ليست واحدة عند جميع الناس وثانيا تكمن الصعوبة في كون الرجل اذا تكلّم على المرأة تعوزه الموضوعية لكونه متأثرا بنجاح علاقته بها أو إخفاقها. بدء الكلام على المرأة ما جاء في سفر التكوين: «فخلق الله الانسان على صورته». بعد هذا يقول: «ذكرًا وأنثى خلقهم». وكأنه يقول ان البشرية مجموعة بلا تفريق بين الجنسين هي على صورة الله. في رواية ثانية للخلق بعد ان استل الله من آدم حواء قال: «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي...» ويكشف الكتاب لنا ان الرجل يترك أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان كلاهما جسدًا واحدًا وفي الخلفية العبرية الجسد الواحد يعني الكيان الواحد. في هذه المرحلة من الوحي لا يرى الله اليهما الا من حيث انهما معا أي متحدان، متعاطفان. عبارة آدم عن حواء «عظم من عظامي ولحم من لحمي» تشير الى اولية الرجل بوضوح. لغة وجودية، عملانية ولعل الحياة لا تطلب اكثر من هذا.
غير ان سفر التكوين بعد ان اهتم كثيراً بمن انحدر من ابراهيم من طريق الزواج قال عن ابنه اسحق انه احب رفقة زوجته. هذا أفهوم جديد. نحن مع حضارة مشرقية تعرف الحب منذ القرن الثاني قبل الميلاد وهو تاريخ تدوين سفر التكوين على ما اصطلح عليه علماء عصرنا. ويذهب سفر التكوين الى ابعد من هذا اذ يقول عن احد الناس ان «نفسه تعلقت بدينة ابنة يعقوب وأحب الفتاة ولاطف الفتاة» (34: 3). نحن هنا مع أفهوم العشق وهو Eros في اليونانية. قمة الشعور العشقي تجده منذ مطلع نشيد الأنشاد. «ها انت جميلة يا حبيبتي ها انت جميلة» (1: 25)، «اني مريضة حبا»، «احلفكن يا بنات اورشليم بالظباء وبأيائل الحقول الا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء». والى هذا حب الله لشعبه بتسميته عروسا مستعار من لغة الحب البشري وهذا عند انبياء العهد القديم. في كل ما ذكرنا عندنا بين الرجل والمرأة خطاب حب. موضوع الزواج شيء آخر.
***
اذا انتقلنا الآن الى العهد الجديد لا نجد اثرا لمقولة الحب بين الرجل والمرأة. هناك حديث عن الزواج فقط أو عن عرس ولكن لا ذكر لعلاقة عاطفية مرتبطة بالجنس أو تقود الى الزواج. ما يتعلق بالرقة غير مذكور. هناك فقط دعوة الى المحبة بمعناها الروحي كما في قوله: «أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم». طبعا لا حديث هنا اطلاقا عن تلاقي الجنسين. هناك فقط حديث عن التضحية بالنفس حتى الموت. المحبة عند الرجل للمرأة في تعليم بولس هي حصرا تضحية حتى الموت بلا اشارة الى أي انفعال مرتبط بالجسد. ينفرد العهد الجديد في اعتبار المرأة وحدها في قضية مريم. فتاة تحبل بلا مشاركة رجل وتصير قطبا اساسيا في الحياة المسيحية بلا تماس مع مقولة الحب. علاقتها بالمخلص ترتكز على مقولة العطاء وحده. شفى يسوع نساء كثيرات لا ذكر لرجال لهنّ. نساء خاطئات يطيّبن قدميه وواحدة تبلّ قدميه بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها. ونساء كثيرات كنّ يخدمنه من اموالهنّ منهن مريم التي تدعى المجدلية وهي الاولى التي بشرت بالقيامة. رجال اسرائيل كانوا يكرهون المرأة ويعبرون عن هذا في صلواتهم. وحده في تاريخ هذا الشعب رفع من شأن المرأة. هو القائل عن الزانية: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها اولا بحجر» وبعد ان تركوه قال للخاطئة: «يا امرأة اين هم اولئك المشتكون عليك. اما دانك احد. فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك. اذهبي ولا تخطئي بعد». بعد هذا كانت واقفة عند صليبه أمه والتلميذ الذي كان يسوع يحبّه. فقال لهذا عن مريم: هذه امك». هل يعني ان لنا في العمق الذي لا يدرك اما واحدة واننا ان صرنا الى النعمة لنا والد واحد وهو الآب. في هذه الوالدية السامية ليس من أب ولا أم. فاذا نظر الله الينا لا يرى الا أبوّته وكأننا بتنا مثل ملكي صادق «بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة ايام لنا ولا نهاية حياة» (عبرانيين 3: 7).
***
في الرسالة الى أهل غلاطية «ليس ذكر وأنثى» (28: 3) واو العطف الواردة بعد ليس بين لفظة ذكر ولفظة أنثى هي لتنفي جمعهما ولإقرار استقلال الأنوثة عن الذكورة. في ما يختص بما نعالجه المرأة قائمة بنفسها وهي على صورة الله بنفسها. في الأصل هما كائنان منفصلان وليس أحدهما مخلوقا للآخر كأنه ناقص بلا زواج. المرأة لإمكانها ابتغاء الكمال الروحي لا تكتمل قداستها بالرجل ولا هو تكتمل قداسته بها وأعلى درجات القداسة هي لامرأة وعنيت بها مريم. مستوى الطبيعة شيء آخر. هناك اختلاف في النفسانية حسب قول العلماء وهم يؤكدون سيكولوجيا ذكورية وسيكولوجيا أنثوية غير انهم يؤكدون ايضا ان قوة العقل واحدة وان ليس من علم لا تستطيع المرأة ان تحصله. ظروف الحياة والتربية والمجتمعات تجعل بينهما اختلافا غير ان قوة الإدراك تؤهلهما للمعرفة الواحدة. ربما اختلف الانفعال أو حدّة الانفعال لكن استيعاب القوة العاقلة واحدة فتستوي بها المرأة والرجل. في الأمور الجوهرية كل منهما وحده كامل الكيان وقد تجاوزنا علميا النقاش حول المساواة بين الرجل والمرأة. لا أحب كلمة تكامل لأنها تتضمّن دونية ما ولكني اؤثر كلمة انسجام بين الجنسين بسبب التباين النفساني. ولكن من المؤسف ان الأوروبيين في دنيا العمل الراقي يفرقون في المعاش بين الرجل والمرأة ولو كانا على مستوى علمي واحد. برهنت المرأة على علوّ مستواها وانتصرت. مع ذلك في بلدان عديدة في الحياة الزوجية تبقى مقموعة ومذَلّة والذلّ ان الرجل يمارس شدّة بسبب من أمواله. هذه هي حقارته الى ان يرى زوجته كما يرى أمه أو اخته في البهاء الإلهي الذي خُلقت عليه.
|
Last Updated on Saturday, 19 May 2012 20:11 |