Saturday, 02 June 2012 00:00 |
Share الأب
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 06/02/2012
الوالد تدل على لحظة الحبل عند المرأة والأبوة استمرار وبهاؤها في انها على صورة الأبوّة الإلهيّة. اجل لا يخفى عني ان الخبرة في هذا الموضوع أصل الكلام ولكني سأحاوله بسبب من حاجتنا اليه.
ما أودّ قوله بدءًا على الصعيد السيكولوجي إن الزوجية شيء والأبوة شيء آخر فقد يكون ربّ البيت ضعيفا مع امرأته ويقول العامة، عند ذاك، انه ليس برجل لأن هذه الكلمة مرادفة للسلطان المعترف به للرجل وكثيرا ما كان هذا الزوج متسلطا وهو ضعف آخر.
الولد في حاجة الى سلطان والسلطان عنده يمثله والده. ولعلّ هذا ميزة الرجولة علما بأن الوالدة قد تكون شرسة حتى العنف. كيف يكون الانسان ذا سلطة بلا تسلط اي كيف يكون حازما للتربية ورقيقا في آن؟ هذه موهبة هذا الجنس البشري الذي يسمى الرجال لكن الموهبة في حاجة الى تنمية. تقويم السلطة الأبوية بالوداعة يعاش مع الأم بمواهبها الطبيعية ما لا يعني ان عاطفتها اقوى من عاطفة الزوج. انها لون آخر من الشعور يقوم بخاصة على رعاية الطفل ثم الحدث باستمرار وانتباه اي خدمة. هذا يختلف عن قيادة الأب. واذا جاء الأب كثير الحنان وقويا في آن لا يعوّض المرأة التي جعلتها الطبيعة دفوقة العطاء. الأب والأم معا في توافق المواهب وتمايزها هما مصدر التربية العظيمة والعافية النفسية عند الولد. صورة الأب في ذهن ولده حاسمة في مشاعر الولد. هي تنشأ من المعاملة وردة الفعل عليها. فإن كانت المعاملة سليمة، محبة، دائمة السلامة، هادئة، يشدّ الأب ابنه اليه ويصبح كائنا حاضنا في أعمق معاني الكلمة فيرى الطفل او الشاب ان الله أب وانه هو من عائلة الآب. هذا ما تعلّمته من اطروحة الدكتوراه التي قدّمها كوستي بندلي الى جامعة ليون. لقد أثبت ان ثمّة علاقة حميميّة بين الأبوة العظيمة والايمان. الأمومة تحضن والأبوّة تحضن. لم يبقَ من شكّ عند العلماء ان ثمّة سيكولوجية ذكورية وسيكولوجية انثوية وهما في وضع مشاركة في الحياة الزوجية. لذلك كان اليتم صعبا على الصغار غير ان الله يتمم في كل جنس ما كان في حاجة اليه بحيث يغدق احيانا كثيرة نعمته على التي توحّدت بوفاة قرينها.
***
ماذا نعني بقولنا إن السلطان يكمن اولا او كليا في الأب؟ قبل الاشراف على تربية الأولاد التي هي مسؤولية يبدو لي ان ماهيّة الأبوّة قائمة في رغبة الرجل في الاستمرار. في تأكيد ذاته. يولد ذكر يتماهى معه لأن الذكر حامل الاسم والاسم هو الشخصية في عقل الساميين وانتشر هذا الموقف في كل مكان. لما أراد موسى ان يعرف اسم الله كان يلتمس معرفة طبيعته. والله كشف لبني اسرائيل لا اسمه ولكن عمله اي استمراره في ما بينهم بقوله: «سأكون لكم الها وتكونون لي شعبا» اي عندما تعرفون اني راعيكم ومبدئ حياتكم من كل جوانبها. قال: سأكون ما سأكون اي تعرفون هويتي بالنسبة الى عملي في وسطكم. واذا رأيتم حركتي فيكم تعلنون أنفسكم شعبي. انتم اذاً ذرية الله. «به نحيا ونتحرك ونوجد كما قال بعض شعرائكم ايضا لأننا ايضا ذريته. فاذ نحن ذرية الله...» (أعمال الرسل 28: 17 و29). هذا هو معنى العبارة المسيحية التي تقول اننا ابناء الله. من هذا المنظار ساغ القول إن بين الرجل واولاده وحدة. من هنا كان اهتمام جميع الشعوب باسم العائلة وصحة النسب. ما عدا بعض الشعوب في حضارة اليوم الإنسان منسوب الى أبيه وهذا ما يفسّر امتياز الذكر في الإرث عند الكثير من الأمم. هذه صورة من صور الخلود على هذه الأرض. هذا ما يفسّر ايضا انكباب الوالد على الانتاج. الذين سيرثون اسمه ينبغي ان يتمتعوا بالحياة التي يتمتع هو بها. العاطفة الأبوية تجعل الوالد يساوي شعوريا بين كل اولاده او يفضل احيانا الإناث، لكن الإناث محفوظات معاشيا في الزواج واولادهنّ من رجل آخر ومن هويته في حين ان الأحفاد الذكور يلبثون في العائلة. ذرية الرجل التي يؤلفها الصبيان هي هو.
***
الأبوّة تمرّ بامتحان صعب احيانا. السلطوية تغريها واذ ذاك، يصبح الاولاد أدوات في يد الوالد. يستبدّ هذا بذريته فتقتله انانيته. انسان لا يخرج من نفسه كان لا ينبغي ان يتزوج ويبقى في الواقع الشعوري منبوذ ذريته وتنفك العائلة عاطفيا. لذلك كان على الوالد ان يعتبر نفسه خادما لأولاده، ساهرا عليهم لكي ينموا في ما عندهم من مواهب. عليه ان يفهم انه كان وسيلة حياة لآخرين وانه ليس رب واحد ولكن الله وحده هو الرب وشخصيّة الأولاد تبنى على الحرية وعلى الفضيلة والعائلة ليست ذاتاً انما هي مشاركة احرار والمشاركة هي التواضع من حيث انك به ترفع الآخرين الى أعلى درجات الرقي اذا أحبّ الانسان ان يترقى. الأبوة تعززها زوجية صالحة فلا يستأثر احد من الرجل والمرأة بكل شيء ولا يعطل فاعلية الآخر او دوره في التربية او استقلال شخصيته. بالتعاون الوثيق الصادق تسير الأبوة في منحاها والأمومة في منحاها. اي الغاء فريق للآخر يعطل أثر الوالد او الوالدة. الزوجية المعطاء عند الرجل تساعده على ان يبقى أباً صالحاً ودوداً. وبخاصة في تربية رائدة يقوي حبه الزوجي. الأبوّة تفويض إلهي من اجل حراسة العيلة. والتفويض يفرض عناية الرجل بفضائله وحسناته فلا يبدد الموهبة التي نزلت عليه. لذلك لا يخرج عن الإخلاص الزوجي ولا يبدّد أمواله في طريق الرذائل ويسلك على الدوام طريق العفة وملازمة اولاده خارج ساعات عمله وبهذا يقدس بيته ويتقدس اذا فهم ان عليه ان يتشبّه بأبوّة الله لنا.
|