للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
ما الدينونة؟ 10/22/2012 |
Saturday, 20 October 2012 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 10/22/2012 لما كنت أتتلمذ في فتوتي على رهبان فرنسيين كان يقال لنا ان ثمّة دينونة خاصة عند الموت ودينونة عامة في اليوم الأخير. في هذا الزمن المبكر كنت أواصل التعليم الأرثوذكسي وما عثرت على هذه الثنائية فيه وكنت أقول لنفسي حسبي الدينونة العامة ورهبتها.بعد هذا فهمت ان الكنيسة الشرقية تقول انك بعد الموت تدرك وضعك امام الله وانك في انتظار المكافأة ان لم تكن مثقلا بالمعاصي وان هذا بدء فرح وان لم يكن الغبطة الكاملة. والى هذا انت في انتظار القصاص الأخير ان كنت تحمل خطايا كثيرة فهذا بعض من عقاب.
ثم في شيخوختي اقتربت من فكرة الدينونة الخاصة وما تبنيت العبارة نفسها لأن كنيستي لا تستعملها. اقتنعت منذ وقت يسير ان ساعة الموت ساعة مواجهة مع الخالق والمواجهة رهيبة لأنك تبدو امامه في ثقل خطاياك وتاليا في تنافر وطبيعة الرب. وتحس ان هذا اللقاء هو ضمن مصيرك الأبدي ولو أعلن الله رحمته في المبدأ او في بدء التقائك به ومنتهاه.
لا يزين لي ان ثمة مقاضاة لك تحدد مصيرك الأبدي. وان يكون الله قاضيا فهذه صورة عن الحقوق ولو تكلمت عنها كتبنا المقدسة وهذه الكتب تحكي حكاية الانسان مع الله من حيث المبدأ ولكن الحكاية الكبرى هي في اللقاء فور فراقك هذه الأرض. الصورة التي استعملها هي ان المسيح يأتي الى جانبك في التابوت ويكلمك همسا وهو همسة توبيخ. ربما كان يسوع في هذا الاجتماع رقيقا ولكنه في طاعة أبيه لا تهون عنده المعصية لأنها تجرح رأفات ابيه بك. انت لم تقم بشيء لتضمد جراح الآب. انت تبقى عدوا بالخطيئة ويبقى الآب يضمك الى صدره او يجعلك الابن على صدره ويرى الآب ذلك ويتحنن دون ان يترك لومه اياك لأنه لو ترك اللوم يصبح متحيزا لك وليس متحيزا لشريعته.
***
وبشريعته وحدها تتقدم لأنك لا تستطيع ان تداعب الخطيئة وتبقى منه قريبا. قربك ببهائك الروحي لأن الرب ليس عنده زمرة يدنيها منه وزمرة يباعدها عنه. انت ان كنت له تصبح منه فيرى نفسه فيك لأنك ان صرت نقيا تصير مرآته والرب بطبيعته يحب نفسه فيك ويسألك دائما اذا قبلته وهو يعرف انك عنده او انك ظللت بعيدا عنه ساعيا الى نفسك لتستعلي بها وتقيم في كبريائها وتجعل كبرياءك منزلك كما تجعل الله في منزل بعيد.
كل قصتك مع الله ان تجعله اليك او الا تجعله اليك. واذا أقصيته - وهذا ما نفعله في الخطيئة - تلغي نفسك من الوجود الحق لتخلق لنفسك وجودا يغشك ويقيمك في اوهام الوجود. الخطيئة هي التي جعلتك تظن انك موجود بقوتك لا بقوة ربك اي انها تجعلك بعيدا عنه وساميا الى سراب يخدعك.
كل القصة ان تعرف انك انت نزيل الكيان الإلهي الذي فيك او نزيل الهيامات التي تصطنعها لنفسك في خوفك من الله. هل انت انسان الخوف ام انسان الثقة. هل انت مجتر لنفسك والخديعة المعششة فيك ام انت ملقى في حضن الآب ناسيا لذائذك وترفك لتشعر بأنك أمسيت ابنا اي ساكنا في هذه الأرض ملكوت الله النازل عليك بحنان الآب.
حنانه ان آمنت به يحول عينيك الى عينيه فتدرك انك موجود بنظرته اليك. وهذه النظرة ان التقطها تجعلك تفحص قلبك حسب العبارة الأرثوذكسية او تفحص ضميرك وفق العبارة الغربية. طوبى لك اذا رأيت الله في قلبك ورأيته يحرك نبضات الروح فيك وتبقى في نفسك بعد انطفاء الجسد.
***
ان أصرّ بعض ان يتحدّث عن دينونة خاصة أقول ان كل لحظة من حياتنا دينونة خاصة ان كنا يقظين بمعنى ان وعينا الروحي يجعلنا واقفين دائما في حضرة الله فنرى ان خطيئتنا تضربنا وان ابتعادنا عنه هو الموت. كل خطيئة موت ودون ان اتقرب من نيتشه الا تعبيرا اقول ان موت الخطيئة هو موت الله. ما أقبح وجود الذي يقتل الله في نفسه وهو غير عالم انه بذا يبيد نفسه من الوجود الحق ويجعل جهنم النار مقيمة في نفسه قبل ان تأخذها الشياطين ان لم يتب.
والتوبة تعني للخاطئ اكتشافه ان مسالكه كانت خاطئة وان كل رأيه في الله كان مغلوطًا لأنه كان يوهم نفسه ان المعصية ليست بمعصية وانها ضرورية للحياة وربما ما كان يسعى ان يحافظ في نفسه على الله او استعمل في ما كان أبعد من هذا ان يحسب نفسه قادرًا ان يستبقي له كيانا خارجا عن الكيان الإلهي.
قصتنا بمعايشة النفس للخطيئة رهيبة جدا لأنها قائمة على مغالطة كبرى انك قادر ان تعيش بلا إله وأقله انك قادر ان ترجئ لقاءك به وتاليا تعني ان ليس لك فكرة عن رهبة الموت وما يستتبعه هذا فيك.
الخاطئ ليس فقط منحرفًا سلوكيا. انه منحرف فكريا بمعنى انه ذو فكر مغلوط. التوبة ان تخلع عنك هذا الفكر ليكون لك الفكر الذي كان في المسيح يسوع كما قال بولس او ما يشبه هذا التعبير ان كنت على غير ديانة بولس.
ربِّ نجّنا من الخطيئة وقرّبنا من وجهك لنحيا.
|
Last Updated on Monday, 22 October 2012 12:22 |
|