Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2012 محبّة الله ومحبّتنا 24/11/2012
محبّة الله ومحبّتنا 24/11/2012 Print Email
Saturday, 24 November 2012 00:00
Share

محبّة الله ومحبّتنا   

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 11/24/2012

الدنيا خيبات ان كنت تتوقّع ان ترد لمحبّتك محبّات. ما طلب الله في كتابه ان تسعى إلى ان يحبّك أحد. أمرك أنت ان تحبّ كما أحبّ ابنه حتى الموت. أنت، زارعًا تزرع على الرجاء ولكن ما قال الرب في هذا المجال انك تزرع لنفسك. انه هو الحصاد للخير الذي أنت تعطيه. قد لا يرد أحد لك جميلا وليس عليك ان تنتظر ذلك. أنت تتعزّى بما تعطي لا بما تنتظر اذ قد يرد لطاعتك رفض.

أنت تعطي مجانا وترجو ان يرد المعطى له شكرًا لله. لا ينبغي ان يكون سعيك ان يرد لك أحد جميلا. أنت تعطي الآخر ليحسّن علاقته بالله. تعطيه لخلاصه وهذا يزيد نصيبك بالخلاص. أنت تنتظر من عطائك خلاصًا لك ولمن أعطيت وهذا يأتيك من مجانية الهبة الإلهيّة التي نزلت عليك وأوحت لك ان تحب.
أنت تفهم من كل هذا أنك فقير إلى الله وحده لأن أحدا لا يستطيع ان يعطيك الا ما عنده وقد لا يكون عنده الا القليل. ما قاله يسوع الناصري ان المحبّة فيها تبادل. هو تكلّم عن أجر لك في السماء بمعنى انه هو الذي أخذ ما ظننت انك تعطيه بشرا ورأى ربّك انه هو الآخذ.
ان لم تبقَ فقيرا إلى الله تغرق في الخيبات. الناس يعطون، حقيقة، في حالة واحدة اذا أحسّوا انهم معطون ربّهم في ما يعطونك. أنت لست غنيا بحد نفسك. أنت تستغني بالله فتبدد نعمته على الآخرين. مَن وهبك ولم يحسب انه يهب الله أو لم يحسب انه يوزع لك الثروة التي اقتناها من ربّه يصبح مستعبِدك. ليس لأحد شيء ليبدّده. انه مؤتمن على ما استودعه ربّه. الانسان يلتمس غنى ربّه فاذا جاءه يشرك الناس فيه وعلى من قدّم للناس عطايا ان يشعرهم بأنه وكيل الله لتوزيع هباته وان ينقلهم إلى شكر الله حتى اذا شكروه. مَن بذل من ماله أو فكره أو حبه مجرد جسر بين الله ومن افتقدهم. الشعور الوحيد الذي لنا الحق فيه ان نذهب بمن نسكب عليهم حنانا إلى ربّهم الذي يعاد إليه بالشكر ما نقدّمه للناس بسبب من محبّته لهم ولنا.

***

ما لم نبق فقراء إلى الله لا نستطيع ان نأخذ منه شيئا. لذلك كانت علاقاتنا بالآخرين ترجمة لعلاقتنا بالله.
غير ان ارتباطنا بالله لا نمتحن حقيقته أو صدقه الا اذا ارتبطنا بالبشر. انهم هم وجه الله الينا. فإن ارتضيناهم نكون قد ارتضيناه وان رفضناهم نكون قد رفضناه. لذلك أهل الطقوس ليسوا بالضرورة أهل الله. أجل كل حب الهيا كان أو بشريا يتطلّب تعابير وتعبيرنا لله عن محبّتنا له تلبس تعبيرنا عن محبتنا للناس. عندهم نلتقيه. انهم مذبح عبادتنا الحقيقيّة له. هذا المذبح يقول يوحنا الذهبي الفم أهمّ من المذبح الذي قدّمنا عليه القرابين. الحب هو القربان.

***

حب البشر للبشر يمكن ان ينعكس فيه حب الله لنا. فاذا ارتقيت أنت على معارج حبك لربّك أمكنك ان تحبّ الناس في صفاء تؤتاه من فوق وفي تجرّد عمّا يمكنك ان تكسبه منهم. اذا صارت مودّتك لهم صورة عن مودّة الله لخلائقه تكون مودّتك لهم غير مختلطة بمنافع لك أو استلذاذ بمشاعرك.
محبة البشر للبشر ان كانت إلهيّة يمكن ان يخامرها تأثّر عاطفي. ليس باطلا ان تطهّرت. والمحبة المبذولة منك إلهيا لإنسان دون ان ترجو منه ما يقابلها كثيرا ما خالطها لهب بشريّ. ليس هذا بمحرم. فاذا أحببنا الهيا يمتزج هذا بالبشرة ولا أذى من ذلك. ليس الحب الالهي النفحات فينا لبشر لحميّ الاندفاع فقط. ان التلاقي بين الألوهة فينا واللحم سرّ من أسرار الوجود. علينا ان نحاول ان نجعله على صورة التلاقي بين الألوهة والبشرية في المسيح. التلاحم بيننا وبين الربوبية الكامنة فينا يبقى سرا نتلقاه ولا نفسره. لكني أيقنت اني أستطيع ان استخدم لفظة التلاحم التي تشير، لغة، إلى لقاء اللحم واللحم. هكذا يكون تداخل الألوهية المتأنسنة فينا والبشرية في ارتقائها إلى هذه الإلهية القابعة فينا.
هذه هي خبرة القديسين التي حاولت في رؤيتي لها من بعيد ان أترجمها لنفسي وللقارئ بلغة البشر. يا ليت ربي يهب كلاّ منّا ان يتلقاها في نفسه كما تريد له النعمة ذلك. مَن حاول يذيقه، بمقدار صدقه، ربه شيئا من ذلك.
في هذا نستقر اذا أردنا أن نفهم. القديسون يستعملون لغة العقل بعد ان رأوا الرؤية. ان العقل الا مجرّد ترجمة لخبرة القديسين الا في المجالات التي تخصّه وحده.
من صار إلى هذه الرؤية لا تحجبها بالضرورة عن أبصاره خطيئاته ولكن ان تكشفت هذه تذهب عنه الرؤية ويعود بشرا من تراب والتراب لا يرى شيئا. والرؤية مسكوبة على من سعى وجاهد نفسه جهادا شرعيا طويلا حتى لا يبقى فيها الا الله أثرا.
هذا المسعى ليس الاعتزال قوته. أنت لا ترى الله الا اذا رأيت الإخوة وضممتهم إلى صدر المسيح ليسمعوا نبضات قلبه والكلمات التي لا يسوغ النطق بها. واذا انضمّ الناس إلى صدره يأخذون إخوتهم إليه حتى يبدأ الملكوت على الأرض ونفرح به معا. اذ ليس الملكوت مرجأ لأن الملكوت هو المَلك وقد جاء ليبشّرنا بأن الله محبّة وان المطلوب ان نقرأ محبّته لنا وان نستمدّها ليقرأ الناس ربّهم اذا انحنى عليهم وأذاقهم حنانه فإنه بهذا يظهر غناه وانحناؤه لنا.

 
Banner