قداسة أم قدّيسون؟ 12/08/2012 |
|
|
Saturday, 08 December 2012 00:00 |
Share قداسة أم قدّيسون؟
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 12/08/2012
"قدوس واحد، رب واحد، يسوع المسيح". نأخذ من هذا ان القداسة اذا نُسبت الى انسان نسبية قليلا أو كثيراً ولا يمكن ان تكون كاملة في مخلوق. القديسون المطوبون أنفسهم رأينا عندهم إشعاعات إلهية ومواهب وإطلالات على البر أو برّا كبيرا ولكن لم نر فيهم برا مطلقا. كان لهم في دنياهم مقدار من القربى الى الله كبير. فإذا خاطبناهم في صلاتنا كما ترى الكنائس القديمة فهذا لشعورنا انهم يشاركوننا في توجهنا الى الله وتوبتنا اليه. ولكن اذا سمينا عظماءنا مسحاء فهذا على سبيل رؤيتنا اليهم مقربين ومجالسين إياه بقدر ما فيهم من النعمة والحق.
فإذا سميناهم وسطاء لا ننسى ان "الوسيط الوحيد بين الله والناس" (1تيموثاوس2: 5) هو السيد المبارك الذي جعل في نفسه اللاهوت والناسوت وان من سميناهم قديسين يتوسطون ضمن الوساطة الوحيدة التي ليسوع المسيح.
لذلك لا مكانة إطلاقا لهذا القول الشعبي المغلوط اننا نتوسط القديسين لكونهم بشرا أقرب الينا من السيد فمن رأى الى المسيح وجد عنده الطبيعة البشرية الكاملة في طهارتها. الى هذا يدلك الباحثون على الضعف الذي كان عليه على الأرض هذا أو ذاك من الذين نستشفعهم. وحدهم الشهداء مقبولون في المجد الكامل. هم لا يقيمون في الغبطة الكاملة قبل القيامة العامة والدينونة وان سطع فيهم نور فهذا نور الثالوث. ليس لمخلوق نور من ذاته وانت لا تطلب من انسان سماوي نعمة من عنده. كل نعمة تحل في انسان أبقي في حدود جسده أم انتقل نزلت عليه. انه اقتبسها من إلهه اذا كان ربه قد استبقاه على الأرض أم نقله اليه. لذلك لما اختلف بعض من المسيحين في أمر بعض من القديسين المحبوبين اليهم وفاضلوا بين باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. أقامت الكنيسة عيد الثلاثة الأقمار في يوم واحد لتوحي إليهم ان تقييم القديسين امر احتفظ به الله لنفسه وان هذا يظهر فقط في اليوم الأخير.
***
هذا لا يمنع الباحثين ان يتبينوا جوانب البر المختلفة عند السماويين كما لا ينفع أحدا ان يقترب بالمعرفة من هذا أكثر من اقترابه من ذاك. هذه أذواق روحية مسموح بها. اما قول بعض الناس ان من اهل السماء من اختص بهذا النوع من العطف أو ذاك أو يلجأ اليه في هذا الظرف أو ذاك فهذا لم يكشفه الله لأحد. لا ينفعك في شيء ان تقارن بين القديسين. ما ينفعك كثيراً ان تتشبه بهم وان تعرفهم. المصيبة اننا نعرف القليل أو لا نسعى الى المعرفة. في هذا الباب لفتني ان الكثيرين عندنا قريبون عاطفيا من ايليا النبي. يستشفعونه كثيراً ويبنون الكنائس على اسمه ويخاطبونه بالأدعية اذا مرض اولادهم. ويقيني انهم لا يعرفون غير وجاهته عند الرب. ولكن مَن مِن المؤمنين العاديين يعرف انه من العهد القديم؟ من يعرف شيئا يسيرا عن سيرته وعن مخاصمته للملك آخاب وللملكة إيزابيل؟ من يتقدس بهذه المعرفة؟ تصدمني هذه الديانة الشعبية الفارغة من المضمون. لست أدين ديانة أحد ضمن استقامة الرأي التي ينتمي اليها نظريا هذا المؤمن أو ذاك ولكن يصدمني ان موقف الكثيرين من القديسين لا علاقة له أحيانًا باستقامة الفكر والعقيدة مما يوحي ان هناك كنيسة شعبية قائمة على خيال الناس ولا علاقة لها بالكنيسة الحقيقية التي أسسها يسوع المسيح. ويحزنني على صعيد الرعاية اننا نعرف هذه الانحرافات في شعبنا ويقول بعض الأعلين: "اتركوا الشعب على إيمانه". هذا كلام مرفوض كلياً لأن ما وصفناه إيمانًا ليس بإيمان. انه الخرافة عينها ونحن علينا ان نضرب الخرافات كما ضرب الأقدمون الأصنام. الصنم كثيراً ما كان في العقل والنفس وانت لا يحق لك ان تحافظ في الكنيسة على عبدة الأصنام.
***
ليست الكنيسة طائفة البشر الذين يسمون أنفسهم مسيحيين. انها مجموعة الذين استقام رأيهم فقالوا بكلام الله كما صدر عنه وكما فسره أكابر الإيمان واللاهوت عندنا. أنت تؤمن بالوحي فقط واذا آمنت ترجو وتحب. انت تتوق الى القداسة التي هي صفة الله الكاملة وانت وصحبك سماكم الله آلهة وقال: "كونوا قديسين كما أنا قدوس". أنت وان وطئت قدماك هذه الأرض جالس في السماويات اذا صار عقلك سماوياً. الله يصفك في سجل الحياة انسانا مألوها وانسانا ساعيا. لعل القداسة سعي الى القداسة. انت تبتغي ان تكون رفيق المسيح في كمال انسانيته. لا ترتضي ان تصبو الى ما كان أقل من المسيح لأن ما كان اقل منه هو من العالم وأنت تجاوزت العالم لتسكن السماء. انه هو ردم الهوة التي أقامتها الخطيئة بين هذا العالم والعالم الآخر. يدفعك هذا الى ان تنتمي منذ الآن بالرجاء الى العالم الآتي فالمسيح أتى ويأتي الآن وسوف يأتي. انت في كل تحركاته لأنك له. الخطيئة هي ان ترتضي ان تلبس ضعفك بعد ان قال الرسول: "يا جميع الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم". هذه هي القداسة الا يفرق شيء بين كيانك وثوبك الذي هو المسيح. المسيح يرتضي ان يجعلك أنت ثوبه بعد ان قبلت ان يصير هو ثوبك. القداسة ان ترفض ان تجعل لنفسك حيزا غير المسيح. ان تقيم فيه هو ان يجعلك اياه. اذ ذاك وجهك وجهه وجسمك جسمه وعيناك عيناه وتبصر بعينيه كل الوجود. |
Last Updated on Saturday, 08 December 2012 19:19 |