Saturday, 24 March 2012 00:00 |
Share الأقباط
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 03/24/2012
بعد رحيل الأنبا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إن أفضل ما أقدمه له ان أكلّم قراء "النهار" عن كنيسته بعد ان عرفوا في صحافتنا الكثير عنه. لفظة قبطي مشتقة من اليونانية القديمة التي تدلّ على الانسان المصري بما صار في الفرنسية Egyptien وما يقاربها في لغات الغرب. القبطي هو اذًا المصري. واستعمل العرب عند فتحهم للبلد لفظة قبط أو فقط. ولكون العرب عنصرا يختلف دينيا عن مسيحيي البلد سموا هؤلاء اقباطا. الترادف الكامل بين قبطي ومسيحي يسقط عندما نعرف ان الكنيسة القبطية هي فقط غالبة عددا وان ثمة من نسميهم الروم الارثوذكس الذين هم على عقيدة اخرى والكاثوليك على اختلاف طوائفهم والانجيليين. من هؤلاء من انشقّ عن الكنيسة القبطية وهم القبطيون الكاثوليك والانجيليون ومنهم من هاجر الى مصر من اليونان ومن منطقتنا. يبقى ان الأقباط الارثوذكس هم الأكثرية الكبرى.
يفترقون عن الآخرين الذين ذكرت اننا كنا ندعوهم أصحاب الطبيعة الواحدة ونسمي كل الآخرين أصحاب الطبيعتين. مشكلة الطبيعة والطبيعتين في المسيح ظهرت في المجمع الخلقيدوني وهو الرابع المسكوني المنعقد السنة الـ451 والقائل بأن للمسيح طبيعة إلهية وطبيعة انسانية. هذا لم يعترف به من صاروا الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في مصر وعلى عقيدتهم الأحباش والأرمن والسريان وهم القائلون بأن للمسيح طبيعة إلهية واحدة متجسدة. وبسبب قولهم بالطبيعة الواحدة حرمهم المجمع الرابع. ولكن غدا في القرون الوسطى ومن المعاصرين من قال ان الاختلاف بين أصحاب الطبيعة وأصحاب الطبيعتين ليس خلافا اذ ان الاختلاف فقط لفظي فكل المسيحيين يذهبون الى ان المسيح إله كامل وإنسان كامل وهذا ما أكّده دائما الأنبا شنودة وتاليا مضمون الايمان واحد وليس من هرطقة في أي فريق. يبقى ان تتصالح القيادات وان تعكس الوحدة وصورة الاتحاد.
***
لا يبدو ان هناك احصاء للأقباط دقيقا خصوصا ان مصر ليس عندها نظام طوائفي. غير ان الأقباط يعتبرون انفسهم عشر الأمة أي ما يقارب ثمانية ملايين نسمة. هم والمسلمون يتنافسون في الوطنية المصرية. كل فريق ديني يعتبر الآخر مصريا كاملا وكل مواطن عندهم يذكر ان المواطن الآخر حمل القضية الوطنية عاليا بحيث لا يتهم المسلم القبطي انه كان قريبا من الانكليز. ما هو السبب العاطفي اذًا لقتل مسيحي هنا ومسيحي هناك؟ مسألة لم أحلّها بعد. غير ان الواضح ان البابا شنودة لم يضع الأقباط ازاء المسلمين ولم يتهم احدا بقتل شعبه وما كان يلجأ الا للدولة ولما كان بعض من اهل الغرب ولا سيما الاميركان يحاولون البحث عن حرية الدين ما كان شنودة يأخذ بموقفهم ورفض كل مرة اللجوء الى فكرة حرية الدين لئلا يلقي مسؤولية على المسلمين. بقي شنودة ساهرا على التقوى الشعبية وهي عظيمة جدا. المصلّون والصوّامون كثر والايمان يبدو قويا على بساطته وذلك عند المثقفين ايضا. ولما كان شنودة يحاضر كل يوم اربعاء في الكنيسة المرقسية كان يحضره ما لا يقل عن خمسة آلاف انسان من كل الطبقات الفكرية وكنت أراهم خارجين من المحاضرة جمهورا تلو جمهور. وعظت في كنائسهم بعض المرات وعند خروجي كانوا يتلمسون جبتي للتبرك مع علمهم اني لست قبطيا. عرفت من نال شهادات في اللاهوت عالية وصادقتهم. عندهم جميعاً المسيحية واحدة. في التأزم الاجتماعي هكذا تبدو ويظلّون على قوة الشهادة. غير القادر على التعبير الكلامي عندهم كان يبدو لي ان قلبه يعرف. بهؤلاء كنت أحسّ ان المسيح يمشي على ضفتي نهر النيل. في حالات الضعف السياسي لا بد لهم ان يتحلّقوا حول الإكليروس وهم يقدمون لمصر ما استطاعوا من المعرفة. علوا في العلم. كفاني هنا ان أذكر في الفنون عوض كامل ورمسيس ويصا واصف وسامي جبرا وحبيب جرجس ومراد كامل. في الحياة الكنسية يقود الأقباط مجمع مقدس مؤلّف من أساقفة ومطارنة ورؤساء أديرة ومجلس اكليريكي لدى البطريرك. انتخاب البطريرك يتمّ على درجتين. يشترك المؤمنون في الترشيح ويختار ثلاثة يأتي الناجح بالقرعة. البطريرك يعيّن المطارنة بعد استشارة غير ملزمة للعلمانيين. عندهم مجلس ملّي يهتمّ بادارة الأوقاف والعلاقات الاجتماعية. الإصلاح الذي تمّ السنة الـ1955 جعل الأحوال الشخصية تحت سلطة الحكومة التي تفحص الخلافات الزوجية. على رغم الحدود الموضوعة تبقى الكنيسة القبطية على حيويتها في الوعظ والنشر والحياة الرهبانية التي تجددت في العقود الأخيرة وانضمّ اليها مثقّفون كثيرون يزاولون كل ما استلموه من التراث القديم. مع هذا لا يزال الأقباط منخرطين في الحياة العامة. لهم صحافتهم المنتظمة في جريدتي "مصر" و"وطني". لهم حضورهم في القيادة السياسية وان كان لا يصل احدهم الى المسؤولية انتخابا. كان بعضهم مقربا من سعد زغلول عند تأسيس الوفد. كنت اتابع في مطلع شبابي نشاط القبطي العظيم مكرم عبيد. كان لواصف بطرس غالي دور حاسم في إعداد معاهدة السنة الـ1936 التي كرست استقلال مصر. حافظ جمال عبد الناصر على كرامة الأقباط. رأيته السنة الـ1965، يضع حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. هنا اسماء في الأدب والفن لا تنسى. كيف تنسى جورج حنين والبروفسور عزيز سريال عطية واضع الموسوعة القبطية؟ لا يسعني ان اسمي كل من ساهم في خدمة الفن القبطي في الرسم والعمارة. كيف نهمل ذكر الأطباء والأساتذة والمعماريين والمهندسن والصاغة وعدة صناعات أخرى. سيبقى الأقباط بالرضاء الإلهي أولاً وبإخلاص المسلمين لبلدهم الذي له عظمة الا يتكلّم على الأكثرية والأقليّة لتعود مصر الى عمق حضارتها وذوقها وجمالها وعلى ريادتها للعالم العربي.
|
Last Updated on Saturday, 24 March 2012 14:27 |