هل من إسلام سياسي؟ 04/07/2012 |
|
|
Saturday, 07 April 2012 00:00 |
Share هل من إسلام سياسي؟
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 04/07/2012
الاسلام كامل لا يوصف بغيره. «ان هو إلا وحي يوحى» بحسب ما يعرفه كتابه (النجم 4) ولا يزاد على الوحي شيء ليس من طبيعته. والسياسة تعني الحكم ولفظة حكم لم تأتِ في التنزيل بمعنى دولة أو هيكلية إدارية. أصول الحكم ليست مضمونة في الدين كما بيّن ذلك بصراحة وقوة الشيخ علي عبد الرازق وعندي ان كل الانتفاضة عليه ان كتابه صدر السنة الـ1925. أي عاما بعد الغاء مصطفى كمال للخلافة وكأن العلامة عبد الرازق جاء ليدعم أتاتورك ويثبّت الغاء الخلافة التي كان المسلمون متعلّقين بها، كأن شيخا أزهريا مثل عبد الرازق ظهر ليقضي على مسرة المسلمين بنظام ظهر توا من بعد وفاة الرسول.
لا شيء يدلّ على ان مسلك الرسول كان يتضمّن حكما بالمعنى السياسي. أهل المدينة ما كانوا وحدهم الأمة. المسلمون في معيتهم في يثرب وخارج يثرب كانوا أمة الله. ولم تكن هنا دوائر أو شبه دوائر لشكل هيكلية إدارية. كان محمد في شخصه مرجعية كل شيء في الأمة. أمة المسلمين كانت مجتمعا ولم تكن محكومة دولة. فليس من معنى لقول الدارسين ان الاسلام دين ودنيا. هو دين بمعناه الإلهي وبمعناه المسلكي. بوفاة الرسول كان لا بدّ من تنظيم فبويع أبو بكر ثم بقيّة الراشدين الى ان جاء بنو أمية فقوي التنظيم وظهرت أمة العرب والإسلام في وقت واحد لأن العرب قبل محمد ما كانوا أمة واشتدّت صفة العروبة برؤيتها امبراطورية الفرس وامبراطورية الروم. هذا زاد في إحساس المسلمين انهم دولة وقويت جدا فكرة الدولة بالفتوحات. الا ان إسلام محمد لم يكن شيئا من هذا لأن محمدًا لم ينقل الا كلام الله والله لم يتكلّم عن سياسة المسلمين.
*** اذا جئنا الى العصر الحديث نرى ان الطابع الدنيوي الذي اتخذه المسلمون العرب كان العروبة فقامت الأسرة الهاشمية في الحجاز على خليفة المسلمين العثماني أي اعتبرت ان ليس للمسلمين وحدة سياسية يؤمنها الخليفة وقضى أتاتورك رسميا على الخلافة أي اعتبر ان الأتراك بقوا مسلمين بلا نظام سياسي عالمي وآمنوا ان النظام المدني الذي تبنوه لا يناقض الإسلام وألغى الأتراك اباحة الشريعة الزواج بغير امرأة واحدة غير ناسين ان المسلمين يستوحون مصلحة الأمة. ثم ماذا يعني الاسلام السياسي والبلدان الإسلامية تعرف كل الأنظمة فهناك نظام الأسرة الواحدة وهناك النظام الملكي والنظام الجمهوري الرئاسي والنظام البرلماني وهناك جمهورية لا تقول في دستورها ان دينها الإسلام ولا شيء يدلّ على ان المسلمين يريدون ان يتماثلوا في أنظمة الحكم. حصيلة كل هذا ان القاعدة في السياسة عند المسلمين كما في غير السياسة احيانا تبقى مصلحة الأمة. وأمة المسلمين في إبداعها ونموها وازدهارها الثقافي والاقتصادي والتماع حضارتها وسلامها وسلامتها والتحامها بالأمم الأخرى أو الشرائح الأخرى بلا تسلّط منها ولا تسلّط عليها، بلا قوقعة ولا انفلاش ولكن في السعي في كل مجتمع الى ظهور الأكفياء منها أو من غيرها لأن في الأكفياء من كل جماعة منفعة للمسلمين. ويحصل هذا اذا اعترف المسلمون بمفهوم الوحدة القائمة على التعدد. ملآن القرآن بالحديث عن الانسان والناس لعلم ربّ العالمين بوجود عالمين متعايشين ومنتجين في كل الحقول لمنفعتهم ومنفعة المسلمين. يعني هذا قبول المسلمين بالعيش الحقيقي مع كل أطياف البشر. في الإسلام مرونة تفسيرية كبرى جعل أحد علماء العراق يتلو علي آياتٍ كريمات تدلّ على ان المسيحيين ليسوا بكفّار. انا أعرف ديانات الهند في العصر الحديث هي تقول انها موحدة. وتالياً ان ليس فيها شريك. اذاً انتقلنا الى طور تفسيري يجعل التوحيد عنصرا اساسيا في معظم ديانات العالم ما ييسر على رؤية المسلمين أنفسهم عائشين في مجتمعات تقبلهم وتريد لهم الخير وترى بين كل الناس نوعا من التجانس الروحي. تبقى الدعوة قائمة على أساس الحرية. والسلام. «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (الكهف 29).
*** ويسعى الناس على اختلاف أديانهم ان يروا أنفسهم مواطنين يرحبون بوحدتهم وبالانسان الكفي في كل مجالات الحياة. غير ان ثمة مبادئ يمسك فيها الانسان الحديث وهو ان الله لم يعين دينا ليتحكم بأهل الأرض جميعا شاؤوا ام أبوا ولم يجعل احدا في ذمة احد ولكن جعل كل مواطن في ذمة المواطن الآخر بحيث ندافع بعضنا عن بعض ونرعى بعضنا بعضا ونراعي الجميع. الناس موجودون كائنا ما كان فكرهم وحياتهم غالية ومفيدة لمن لا يؤمن مثلهم. هذه الخطوط في الفكر المجتمعي هي حياة المدنية وفي السياسة تعبيرها الحكم المدني. ولنا ان نختلف لأن هذا شأن البشر واختلفنا في الدين الواحد ولكن الانسان طبيعته الحرية ولو استأنس بالرأي الآخر. سميناه المجتمع القائم على الخلاف، ديموقراطية وليس من بديل منها الا النظام البوليسي أو الاستبدادي. اخذت الحرية ثمانمئة سنة لتصير قاعدة الحياة الجماعية في بريطانيا العظمى وهي قائمة في فرنسا منذ مئتي سنة فقط وكذلك في أميركا. ان العرب اذا اندرجوا في التفكير الذي ساد اداريا وسياسيا البلدان التي ذكرت يفهمون المجتمع المدني. يأخذ العلماء والمناضلون السياسيون المسلمون دينهم بالفهم الكبير وروح المحبة للآخرين ويبنون في روحانية عالية الاوطان مع الآخرين ويكون لكل واحد منا طمأنينة كاملة للآخر على حريته. الإسلام السياسي اختراع الناس، تعبئة لعاشقي السلطة وواضح ان المسلمين اذا ادركوا أعلى مقامات الحضارة تصبح لغتهم السياسية مدنية كعظماء الأرض. لكوني اريد ان أعيش جعلني ربي واحدا على الأرض مع المسلمين اريد لهم أعلى درجات الرقيّ. هذا ليساعدني على أن أبقى في حياة كريمة.
|