Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2012 الأرثوذكسيّون 04/14/2012
الأرثوذكسيّون 04/14/2012 Print Email
Saturday, 14 April 2012 00:00
Share

الأرثوذكسيّون

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 04/14/2012

لم أكن لأخصص لهم مقالا لو لم تكن لهم فرادة. الفرادة لا تجعلهم أفضل من سواهم أو أسوأ. سأحكي عنهم بما تيسر لأنهم مجهولون إلى حد انهم لا يستطيعون لقلة عددهم ان تكون لهم مطامع في الأرض. ولكنهم هنا يعايشون سواهم بلا نتوء، بقليل من الصراخ.
مرة كنت ضيفًا على المثلث الرحمة مطران بيروت الماروني السيد إغناطيوس زياده. فلما استطعنا ان نختلي قال لي: ما الفرق بين قداسنا وقداسكم. أجبته: سيدنا، هذا سؤال عارف، زودني أنت الجواب. فبعد أن شرح لي خلفية القداس الماروني قال لي: أنتم تستهلون قداسكم بقولكم: «مباركة مملكة الآب والابن والروح القدس». هذا الكلام الملوكي أتاكم من معاشرتكم أباطرة الروم. لم أعارضه، مع علمي أنه غالى في تبجيلنا ولكني كنت أدرك عمق ما قال، رحمه الله. في هذا الخط وفي ما كان أدنى إلى التواضع أذكر إني قلت غير مرة لغسان تويني: nous sommes d’empire وعنيت بهذه القولة إننا نندمج بالامبراطورية القائمة من حيث هي دولة وعبرنا الامبراطورية الرومانية ثم العربية والمملوكية والعثمانية ودولة الانتداب وانطوينا طبعاً في ما نحلم أنها دولة لبنان.


في رؤيتي الشخصية أن السنّة كانوا على حق بما جاهروا، بطريقة أو بأخرى، أنهم لا يقبلون التصنيف الطوائفي. ولعل ما جمعنا إليهم أننا مثلهم لم نقل بالطائفية لإيماننا أننا الكنيسة الجامعة أو من الكنيسة الجامعة وأننا لا نرضى هذا الحبس الطائفي الذي أراده لنا دستور 1926. ولكن هنا يُسمع صوتك إذا سُمح لك ببوق. ربما آذانًا دنيويًا قداسنا الذي يجعلنا في السماء حيث نرى الناس كلهم سماويين وهم يريدون أنفسهم أيضًا من الأرض. المشكلة أنه ممنوع عليك في لبنان أن تحلم ببلد لم تنزل بعد صورته من فوق وشفافيتك لا تُرى.
وإذا رتّلنا الأحد «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت» نحس أنه يتكلم على دوسه لموته وأن عيوننا مأخوذة إلى ترتيلنا بالقوة التي لا تجعلنا نرى مواتية لبنان وألاعيبه. ولكنا نصرّ على سعينا إلى الملكوت ونهمل ما كان على جنباتنا من تراب هذه الدنيا.
هناك من يقول منا نحن مع الآخرين. هذا كلام حسن. ولكن أليس من العدل أن ننتظر أن يكونوا هم أيضًا معنا وأن يكون في الأرض شيء من السماء حتى نقبل نحن القول إننا نرتضي أن ندخل إلينا شيئًا من الأرض لنلتقي في مكان ما من الوجود؟

***

أما ضاقت الأرض بأنطون سعاده وميشال عفلق وقسطنطين زريق وأسد رستم وجورج حبش وبعض آخرين والإنجيليين الذين رئسوا في الحركة الفلسطينية وآباؤهم أو أجدادهم جاؤوا من صفوفنا. أعرف أن الاحتجاج لا ينشئ دائمًا أطروحة، ولكن هل كان احتجاج هؤلاء غير ناتج من ضيق ما كشفته هويتهم الدينية؟ هناك خطأ ما في التركيبة اللبنانية إذ تجعل بعضًا أبناء الست وبعضًا أبناء الجارية. ولكن يمكن أن تكون أميرًا وأصرّ بعض على أن يجعلوا أمك جارية.
لكني ما نويت أن اتأفّف ولكن إن شئت أن تكتب يُسمح لك بالوجع. غير أن آباءنا الكبار منعونا من الصراخ وسمحوا بأن تتكلم بهدوء لمن له أذنان ليسمع أصواتًا هادئة. في هذه الحالة تهمّك وحدتك مع الإخوة، الطقوسيين منهم وغير الطقوسيين. مع ذلك غير الممارسين منا يقولون الأحد: المسيح قام مدة أربعين يومًا ويقبّلون بعضهم بعضًا بقبلة مقدسة، كما يقول بولس. وتساءلت طوال سنوات ما تعني صفة المقدسة حتى اهتديت الى أن من أنشد هذا النشيد أو أنشدته له أمه يعرف أن المؤمن الآخر بهذه العبارة أخ له صلّى في كل أحد وعيد أم أهمل صلاته ولكنه يذكر بين الفصح وخميس الصعود أن المسيح صعد بجسده إلى السماء وجلس عن يمين الآب أي أعطى ناسوتنا الممجّد بالمسيح الكرامة نفسها التي للاهوت. ونحن إذا بالطاقة، كما يقول الفلاسفة عن يمين العظمة في السماويات في رفقة الأبرار الذين سبقونا إلى وجه الآب.
هذا ما يُسمّى عند آبائنا السكر الصاحي. من رآنا صباح العيد بعد استهلالنا صلاة السحر بالمسيح قام، نحمل الشموع مضاءة ونقبّل بعضنا بعضًا لا بد أن يقول: من أين جاء هؤلاء القوم. لماذا كل هذه المحبة؟ هذا ليس فقط حبًا. هذا عشق. تعليقي على كلام هذا الغريب: ما ضرر العشق؟ تعال إلينا.
نحن لم نعمل شيئًا صالحًا على الأرض كما كان باسيليوس يقول لنا كل أحد في قداديس الصوم. ولكن فخرنا - وهذا ليس منا بل من الله - أننا في حضرة الله دائمًا في حالة غناء إلى أن يأتي المخلّص إلى هذا العالم ثانية. غير أني لست أريد أن أترك للأعزة انطباعًا أن هذه الدنيا ليست للرب ونحن بكلمة الرب لا بدغدغات السياسة نشدها إليه. نحن لم نقبل يومًا أن نُسمى طائفة. ربما كان هذا في الجريدة الرسمية وما يشبهها من قرطاسية هذه الدولة. فعند الناس أنت مصنّف في مكان ما. ولكنا نحن نعرف مكانة الصالحين منا ومكانة الخطأة. ولكن بعد السكر الصاحي تنتقل من الخطيئة إلى البر فيعلّمك «المسيح قام» في كامل إنشادها.

***

يقول باسيليوس في قداسه نقلاً عن بطرس إننا «شعب خاص، كهنوت ملوكي، أمة مقدسة». هذا فقط بسبب من الكأس المقدسة التي نرتشف. الخطأة شعب خاص لا لامتياز لهم ولكن لكون الرب يخصهم برحمته والحنان. كذلك الأمة مقدسة لكونها خاطئة والله يقدسها بدم ابنه. إن المخلص يرانا في هشاشتنا وإذا ارتفع يرفعنا معه حتى نستوي على العرش ونحن جسده.

كل اعتراف أن تعترف أنك آخر الناس من حيث البشرة، وأنك تصير أولهم بالدعوة. نحن فتات الأرض وبهذه الصفة لا يمكننا أن نستكبر لئلا يُلغى الاعتراف. «اللحم والدم لا يرثان ملكوت الله». والله يعرف من يكسر ليجعله متواضعًا ولكن إذا قرأت تواضع المسيح معلّقًا على الخشبة تبكي وتجثو. وهذا ما حاولنا أن نصنعه في الصوم وبعد هذا نتهلل بترنيمنا: «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت» إلى ان تقوم الإنسانية جمعاء من كبوتها ويستقيم كل رأي فيها وتصبح واحدة مع الحق.

 

 
Banner