للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
العروبة والإسلام 09/20/2014 |
Saturday, 20 September 2014 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 09/20/2014 أنا بما أنا أحسّ بنفسي من هذا المشرق السابق للعرب والممتدّ إليهم. تعرّب المشرق بالفتح ولكن جزئيًا. كان مشرق المسيح قبل الفتح العربي وبقي كذلك إلى حدّ كبير لأن المسلمين هم أيضًا مشارقة بالمعنى الواسع. لم يأتوا من الجزيرة. الجزيرة رافد من روافدنا ونحن قبلها من بلاد الشام بما فيها جبال لبنان. وبلا تعقيد نحن من الشام أصلاً ومن العرب تَبنِّينَا. والتّبني في شرع من هم أهل هذه البلاد كالبنوّة. هذا كلام يمتّ إلى الحضارة أو إلى الذوق وليس إلى السياسة. هذا كلام لا ينبغي أن يكون حوله انقسام إذ ليس فيه خيار سياسيّ. هذا ما نحن منه. ولكن هذا لا يأخذ معناه الحقيقيّ إلا إذا اعتبرتَ نفسكَ روحيًا وذوقًا إلى الفتح. أنت تتكلّم العربية ولا معنى للبحث عن جوهر العروبة. هي جنس وليس للجنس جوهر. هذا الجدل الذي طال حول عروبتنا أو مدى عروبتنا كان عندي جدلاً عقيمًا ما دمنا هنا روّاد اللغة العربية وآدابها ومحبّين كل أقوامها. هل تريدون شيئًا أقوى من الحب لنصير عربًا؟ كلّ نقاش حول عروبتنا ومداها نقاش عقيم ونحن فيها. هل يحدّد الإنسان مكانه؟ طبعًا نحن عرب إذا اعتبرنا أنفسنا ساهرين على مصير هذه الأمة الثقافي ومتعاطفين والعرب جميعًا في تقرير هذا المصير. والعروبة بمعناها الثقافي والتعامليّ هي بالدرجة الأولى خيار اليوم وليست بحثًا في العصور الغابرة. أنا واحد مع الشعوب العربية التي حولي لأني مثلها طالب لحرية العرب وإقرارهم في المصير الدولي. أنا واحد معها في فرادتي اللبنانية أو السورية أو الفلسطينية. أنا لست عربيًا بمعنى أني أساوي نفسي بالعراقي أو الحجازي. أنا مع هؤلاء عربي لأنهم معي وأريدهم معي في تثبيت حقّ العرب جميعًا في الكرامة. لم تبق عروبتنا تفنّنًا بالقوميّة الشاعريّة بمقدار التزام شعوبنا حقّها في الحياة والعطاء الحضاري. من هذا المنظار لم تبق العروبة ذوبان أجزائها في حلم. هي تحقيق كل أجزائها في العطاء الحضاري. من هذا المنظار لا تفترق العروبة عن الوجدان اللبناني وهذا لا يجوز له رؤية نفسه منفردًا عنها كما لا يجوز له إلغاء نفسه لتثبيتها. العروبة جزء من حضارة العالم. بهذا المعنى الدقيق تسمى ثقافة أي انتماء وهذا أساسي لتثبيت شخصيّة الإنسان، هي شيء كامل إن فهِمتَها مرتبطة بالكامل الحضاري. ليس في الدنيا من كامل إلاَّ إن كان مرتبطًا بالآخرين ارتباطًا عضويًا. ولكن الارتباط ليس الذوبان. لذلك لم يبق من مجال للشكّ في أننا نقوم بذواتنا من جهة وبمشاركتنا من جهة. إذًا ليس من ذوبان في عروبة ليس عندها قيمة للثقافات المحلية فيها وليس من عروبة ليس عندها رؤية وحدتها أي وحدة مصيرها. الدنيا غناها في التنوّع أي في التقابل والتقابل تعاون وليس صدامًا. أنا حرّ أن أُضمِّن عروبتي أحاسيس أو مشاعر لا يعرفها العرب خارج بلاد الشام فإن بلاد الشام أعطت العروبة ما لم يُعطه سواها وربما كان ذلك لأنها أقدم من حضارة العرب التي أتتها بالفتح. دائمًا كنت أشعر أننا أعطينا بلاد العرب ما لم يأخذوه من عرب الجزيرة. والعروبة ليست التي قبعت في الجزيرة من بعد الإسلام ولكنها التي امتدت به إلى العالم. لذلك إذا تكلمنا عن الحضارة العربية بشمولها نريد هذه التي عظمت في بلاد الشام واغتذى منها الآخرون. الإسلام نفسه لم يتّخذ مداه الحضاري إلا عندما خرج من الجزيرة. والعروبة في طبيعتها هي ما امتدّ مثل البدو. لم تُعرف العروبة إلا بالإسلام في خروجها من الجزيرة. ولم تُعرف بكلّ أذواقها إلا كما اعتنقها أهل بلادي الذين أعطوها الذوق البيزنطي. العروبة تمدّنت أي صارت المدن منها في سوريا. لما كانت في الصحراء ما كانت حضرًا. وما سُمي الفتح العربي في توسّع اللغة كان فتحًا سوريًا ثم عراقيًا. العروبة إلهيًا ظهرت في الجزيرة ونمت في بلاد الشام وكلّ شيء آخر استعارة من الشام. حزِنتُ لمَّا قرأتُ أنّ المسلمين العرب هم فقط سدس المسلمين ولكن مسلمي بلادنا هم فكريًا قلب الإسلام. ولكن هناك تلاق وتفاعل بين الإسلام والعروبة واضح في حياة الفكر وكان هذا طريقنا التاريخي إلى أن فتح الله علينا أبوابًا أخرى. العروبة مفهوم إسلاميّ حضاريًا يمكن أن تُعَلْمِنَه. هذا ليس مسعاي. أنا مسرور أن تكون حقيقة العروبة وحقيقة الإسلام متماسكتين. تاريخيًا هذا واضح وأنا المسيحي الملتزم أرسم خطي على هذه الطريق بحريّة ومحبّة. أنا المسيحي أدخل كل الأزقّة وأبقى مؤمنًا بما نشأتُ عليه. الدين يتحرّك، يتسرّب. لماذا نريد حصره في قالب حضاري؟ نحن في هذه البلاد نعرف كلّ أزقّة التاريخ الشرقي ونتحرّك فيها ويبقى كلّ منّا مرتهنًا لخياره الديني إن شئنا الاَّ نكذب. ولكن الخيار الديني لا يمنع التعدّد الثقافي وذلك ضمن العروبة. أنت فيها يمكن أن تكون مسيحيًا شديد العقيدة على أن تكون مُحبًا للمسلمين وأنك إن لم تكن كذلك بَطُلَتْ مسيحيَّتَك. هذه أشياء نعرفها كثيرًا نحن الملتزمين الإيمان المسيحي في جانبه الشرقي لأننا زاملنا الإسلام والمسلمين وفي الأقل عرفنا أنهم قَدَرُنا وأنّنا قدَرُهُم وفي الأحسن رأينا أننا نُحبّهم وأنهم يُحبّوننا ونحن أتباع الناصري فهمنا أنّ المحبّة هي كل الوجود. أنت المسيحي العميق المسيحية تحبّ المسلمين لأنك تراهم معك في المدينة، في الشارع، في اللغة. وفي درجة أعلى لأنك عرفت الإسلام وأنّ فيه ما يُحَبّ. |
Last Updated on Friday, 19 September 2014 16:24 |
|