للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
بين العقل والقلب ٠٥/٢٨/٢٠١٦ |
Saturday, 28 May 2016 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت ٢٨ أيار ٢٠١٦ الإنسان هو في نفسه، وأريد بذلك أنّ قواه فيه. بعضها أو كثيرها من الله، وأعني بذلك أنه يتحرّك بما جاء إلى ذاته فصار ذاته. وأحد خارج عنه يحرّكه، ولكن عندنا نحن المسيحيين أن هذا الواحد هو الله. في فهمي لهذا، أن الله لا يحرّكك إذا بقي خارجًا عنك. إنه يحرّكك إذا دخل إليك بالنعمة، وهذا صعب تصوره، إذ ينبغي أن تؤمن أنه فوقك. خارجًا منك بذاته، وأنه منك وفيك بالنعمة. والنعمة نعمته أي هو. كيف، عند ذاك، تكون أنت أنت؟ ليس عندي تصوّر عقلي لذلك. بتعبير أدقّ، كيف يكون فيَّ وليس مني ولست منه؟ هذا سرّ الحب الإلهي فينا. قلت فينا وما قلت منا. كيف يعرف الروحاني الكبير، أن الله فيه بكامله، وأنه مع ذلك ليس هو الله؟ هذه أشياء يحسّ بها الروحاني ولا يفهمها. من قال عن علاقته بالله «أنا من أهوى ومن أهوى أنا»، فهم بعمق النفس ما قال ولم يفهم بالعقل أي رأي، وآمن بمعنى أن إتّصل أي وصل. هذه رؤية القلب الذي يسكنه الله. مشكلتي مع أهل العقل، أي الذين لا يؤمنون إلاّ به، أن ليس لك معهم لغة. ناس لا يؤمنون إلاّ بعقولهم، وناس إلى جانب عقولهم يؤمنون بالقلب. هل من مخاطبة بينهم؟ التروّي الذي أواجه به أهل العقل المحض، أن الذي عندهم عقل وقلب معًا يفهمون من ادّعى العقلانية وحدها. زعمي أن بلادنا ليس عندها من كانت لهم عقلانية وحدها بلا شعور، ولعل أهل الغرب لا يختلفون عنّا عميقًا مهما ادّعو. ليس من إنسان يستطيع أن يرمي العقل، ولا من إنسان يستطيع أن يرمي القلب. هذان متعانقان مهما أردنا تنظيرًا أحاديًا. ناس عقلهم هو الأوّل والحاكم، وناس قلبهم هو الأوّل والحاكم، ولكن لست أعرف إنسانًا موزونًا انحصر بهذا وذاك. أنا لست فاحصًا كثيرًا من الناس، لكن المؤمنين الذين أعرفهم من كانوا على مقدار من الفهم كبير، عندهم توازن بين العقل والقلب. يحكم العقل وهو فيهم، ولا تتحكّم المشاعر غير المنضبطة. المؤمن العظيم لا المؤمن الانفعالي، أي من كان مثقفًا، قادر أن يجمع بين القلب والعقل جمعًا متوازنًا. لا شكّ أن بعضًا من المثقّفين لا يؤمنون، كما أن بعضًا من الجهّال لا يؤمنون. أنهم عند التضخّم العقليّ يمكن أن يكون مرضًا، كما تضخّم الجهالة يمكن أن يكون مرضًا. الإيمان لا يأتي من الجهل ولا يأتي من الثقافة. هو قوّة إلهية تفوق قوّة العقل وقوّة الجهل. الإيمان سرّ كامل، إذ ليس له في الطبيعة سبب. كلّه من الله. له شركة مع القلب يعسُر عليّ تبيانها عقليًا. أنا لا أعرف إنسانًا يقول تعلّقه الكبير بالعقل خاليًا من الشعور. الإنسان غريزة ومشاعر وعقل. لا أعرف أيًا من هذه الثلاثة قائمًا وحده. نحن مسعى بين قلب وعقل. |
|