Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

الهوية 07/17/2010 Print Email
Saturday, 17 July 2010 06:42
Share

الهويّـة

جريدة النهار السبت 07/17/2010
المطران جورج خضر

في لغة الناس انت معروف بالنسَب لأن حياة الإنسان علاقة او علاقات. انت دائمًا الى الآخر او تكون دفين قوقعتك، فردًا معزولا اي غير قابل للكسر، للفتح، للانفتاح. اما اذا انكسرت شوقا يدخل اليك آخر. تصير واحدا به. الدنيا انتساب ليس الى أبيك وأمك ولكن الى من أدخلتهم النعمة اليك.

ولو تداخلت وانسانًا آخر لن تكونا واحدًا حقا او نهائيًا لأن كلا منكما يعوزه شيء. والناقص لا يكمل الناقص. اما اذا رأينا الى الله فيقول الفلاسفة او اللاهوتيون انه غير منسوب بمعنى ان كماله في نفسه ولكن ان نظر هؤلاءالى تجسد الابن أمكنهم القول ان غير المنسوب بطبيعته اختار ان ينتسب فصار الإنسان اليه وصار هو الى الإنسان. صلتك به باتت الهوية وعندي ان الهوية - وهي لفظة مستحدثة- مشتقة من "هو" بحيث تعرف عن نفسك بالآخر الوحيد الذي هو الله. تصبح ذا هوية اذا عرفك فتكون آتيا منه ومتكونا به.

بصورة مطلقة يصير الإنسان بكون الله يحبه. وما عدا ذلك مصطلحات دنيوية. يقال هوية لبنانية مثلا لتمييزك في الدنيا عن انتسابات اخرى. لكنك لا تجيء من بحر بلدنا او جباله وان جاء بعض من طبائعك من تاريخه او مكوناته المجتمعية. ولكن هذا كله نسبي لأنك واحد مع البشر جميعًا وكلكم ينتمي الى لحم البشر وعظامهم وعقلهم وما فيهم من مخلوقيّة.

اما اذا عرفت نفسك محبوبا الهيا تكون واحدا مع المحبوب الآخر لأنه لم يأخذ محبوبيّته من لحم وعظام وعقل وما فيه من مخلوقية. حقيقة ما فيه او حقيقة ما هو (هوية) نزلت عليه من فوق.
ما قلته لكم الآن مؤسّس على ما نزل من فوق. على جبل سيناء يقول الرب لموسى: "رضيت عنك وعرفتك باسمك" (خروج 33: 17). اسمه النازل عليه هويته. ولما أراد النبي ان يرى مجد الله اي ان يعرف جوهره قال له الله: "واما وجهي، فلا تراه" اي لم يكشف له اسمه ولكنه قال: "واتخذكم لي شعبًا وأكون لكم إلهًا" (خروج 6: 7). يعرف الله عن نفسه بالحركة الى شعبه. هكذا تبدأ الجملة العربية بالفعل، بالحركة. في الصحراء، لا يكشف الله عن هوية له قائمة بذاتها ولكن عن رؤيته للشعب.
●●●
هذا يؤيد مشهد العليقى الملتهبة حين قال موسى لله: "اذا ذهبت الى بني اسرائيل وقلت لهم: إله آبائكم أرسلني اليكم، فان سألوني ما اسمه: فبماذا اجيبهم؟ فقال له موسى: أكون ما أكون" (خروج 3: 13 و14). هذا ليس اسمًا، هذا فعل. الله يعرف نفسه بأنه يقوم بعمل رحمة لشعبه.
يأتي ارمياء بعد هذا ليقول الله له: "أكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا" (7: 23) ويتكرر هذا القول عند ارمياء وغير نبي ويوضح بطرس في رسالته الأولى ان الشعب هو من ينال رحمة (1بطرس 2: 10). الشعب ليس اذا عرقا او كتلة مجتمعية. انه تلك الجماعة التي خصصها الله لنفسه وارتضت ان تطيعه ليكون اليها وتكون اليه وتاليا له. فاذا قلنا "شعب الله" نعني ان المضاف اليه الله هو بمعنى الفاعلية اي هو الذي يجعل تجمعا بشريا جماعة إلهية، اي مملكة كهنة حسب تعبير العهد القديم او كهنوتا ملوكيا وفق تعبير العهد الجديد. الله والشعب حركتان احداهما الى الأخرى.
انت، شخصًا مؤمنًا، يهبك الله هوية. ولو كنت ضعيف الإيمان يهديك هويتك لأنه راحمك ويعرف انك لن تستجيب. لقد جعلك الآب ابنا له وهذه هي هويّتك. انت مسمّى كذلك منذ الأزل وقد تمّمت هذه الهوية نفسها فيك لمّا خلقك ربّك على صورته ومثاله. في بنّوة المسيح لله الآب يرفعك الرب من رتبة المخلوقية المحدودة الى المخلوقية المتحركة بالروح.
الـ "هو" يجعلك الـ "أنا" واذا انتسب اليك تنتسب اليه وتحيا حياته - غير هذا انتماء أرضي له منافعه في الأرض - بهذا المعنى وضع امين معلوف كتابه: "الهويات القاتلة". هو عرف محدودية ان يكون من عين القبو ومن طائفة من طوائف لبنان وصفات أخرى كل واحدة منعزلة تقتل واذا اجتمعت حسنة الى حسنة تنتج، مجتمعة، انسانا حضاريا "آدميا". في اجمل حال تبقى الحسنات لدنية ولا بد من رصفها في مكان، في مديرية احوال شخصية مثلا او في نادٍ او في نقابة او في عائلة او انتخابات. وهذه كلها آتية بعضها من بعض وليست منحدرة من الـ "هو" اي من الذي يتحرك اليك بحبه ويجعل فيك حبا يحركك اليه والى أحبائه.
وهنا تبدو محدودية الأوطان والمؤسسات والعائلات واصطفافها وقرباها وتباعدها الواحدة عن الأخرى. كل ما في الأرض حيز له كلماته ومصطلحاته وعلوه وهبوطه. كل ما في الدنيا عبور من مجد الى هوان او من هوان الى مجد. لكن مجد الدنيا باطل وهوانها باطل حتى تأخذ قوامك الداخلي من الذي يراه وتؤتى اسمك عنده من برّك. وقد لا يكون لك اي اسم هنا الا ذاك المصطلح عليه اي يحشرونك في صنف اجتماعي.
اذا كانت هويتنا تصنعها المحبة الإلهية لنا لا يبقى من فارق عنا بين الناس ما دامت المحبة توجدهم دائما من ذاتها. انت تراهم على درجات ولكن المحبة التي تشملهم تجعلهم جميعا ابناء الله أَآمنوا بهذه البنوة ام لم يؤمنوا.
هذا يؤدبه ربه ويلاطفه لأنهم جميعا واحد في عينيه. كيف تكون مكافأته عند ذاك، هذا امر لا ندرك كنهه. الله دائما يغفر ودائما يرحم حتى ننوجد امامه في نصوع كبير وهو انعكاس نصوعه.
نقاوتنا ميراث منه. النقاوة النازلة منه تصنع الهوية.
المطران جورج خضر

Last Updated on Saturday, 24 July 2010 07:50
 
Banner