Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

الغفران 08/07/2010 Print Email
Saturday, 07 August 2010 00:00
Share

الغفـــــــران   
المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 08/07/2010

فعل غفر، يغفر يملأ القرآن. الله هو الغفور أو الغفّار. والانسان يستغفر. إذ ذاك، ينال المغفرة. وفي مواضع كثيرة الله غفور رحيم. استعمال الكلمتين معًا يدلّني على أنّ المغفرة الإلهية ثمرة الرحمة عند الرب. المسلم منجذب بشدّة الى كلمة الرحيم الواردة في البسملة.
في الآية 17 من سورة التغابن يقيم الكتاب رباطًا بين مغفرة الله للانسان وغفران الانسان للآخر بقوله: "وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم». هذا قريب جدا من انجيل لوقا: «كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم" (6: 16).
غير أن إله القرآن يبقى على حريته الكاملة «فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء» (البقرة، 384). وهناك معصية لا مغفرة بعدها وهي الشرك وفق قوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به" (النساء، 48).

"فيغفر لمن يشاء" يقول محمد جواد مغنية صاحب التفسير المبين ان ليس لأحد ان ييأس من عفو الله فلعلّه مغفور له. "ويعذب من يشاء" ولا يأس من غضب الله، فلعلّه مغضوب عليه. أما مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي في قول (يغفر لمن يشاء) يعني أنه يغفر لمن يشاء منهم رحمة وفضلا وفي (يعذّب من يشاء) يقول: ممن يستحق العقاب إذا صار الإثم من أفعال القلب. عند الطبرسي (يغفر لمن يشاء) تعود المشيئة فيه الى الانسان لا الى الله ليرفع عن الله فكرة التعسف كما أظن ذلك "إن المحاسبة إنما تقع على ما كسبته القلوب إما في نفسها وإما عن طريق الجوارح" كما يؤكد السيد محمد حسين الطباطبائي. الغفران الإلهي أو عدمه مرتبط اذًا بموقف الانسان من الله.

لا بد من العودة الى لسان العرب لنعرف تحديد المغفرة أو الغفران. فالغفور (أي الله) هو الساتر لذنوب عبيده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم. وفي هذا يقول داود النبي: "طوبى لمن غفرت ذنوبه وسترت خطاياه" (مزمور 32: 1). يعني ذلك انه تغاضى عن اقتراف الذنب لأنك صرت قريبا إليه بالتوبة، لأنك عدت إليه. فإذا كنت لديه لا يحسب ربك عليك خطيئة. هل يحفظها الله في ذاكرته؟ الله يعلم ما ارتكبت ولا يقع عليه النسيان ولكنه - إذا صح التعبير - يحفظك في قلبه نقيًا وكأن شيئًا لم يكن.
• • •
في الكتاب المقدس في عهديه الله هو الغافر. غير أن العهد الجديد بسبب من وحدة المسيح والله ينسب المغفرة الى المسيح أيضاً (راجع كولوسي 3: 13). مثلها قول يسوع لمريض أُتي به إليه طلباً للشفاء: "مغفورة لك خطاياك" (متى 9: 2) في حين أنه لم يسبق لنبي في اسرائيل أنه غفر خطايا. هذا كلام لا لبس فيه إذ فهم الكتبة أنه ينسب الى نفسه القدرة على الغفران وأكد هو ظنّهم إذ قال: "إن لابن الإنسان سلطانّا على الأرض أن يغفر الخطايا" (متى 9: 6). قول المسيح هذا يجعل قدرته من قدرة الله نفسه ويبقى مضمون الغفران واحدًا وهو تجاوز الله للخطيئة أو الإثم.
في العهد القديم فكرة خاصة لا نجد لها أثرًا في العهد الجديد واضحًا وهو أن الله يغفر إثم شعبه (مثلا في المزمور 85: 2). هذا ناتج في تصوّري عن فكرة «شعب الله» الذي يقابله الله شعبًا وهو يقابل الله ويتكوّن شعبًا باختيار الله إيّاه في حين أنّ العهد الجديد لا يقول إنّ الله يغفر للكنيسة. ربما لأن الكنيسة قيل عنها إنها عروس المسيح ورآها الوحي بامتدادها الأخروي. ربما كان هذا أيضًا ناتجًا عن رؤية الرب للإنسان في شخصيته المستقلة المسؤولة.
أجل سبق لحزقيال أنّه تكّلم على المسؤولية الأخلاقيّة للإنسان الفرد مستقلاً عن القبيلة أو الشعب ولكن ما من شك أنّ المسيحيّة كشفت أهميّة الشخص بصورة لم يسبق لها مثيل لا في اسرائيل ولا في الحضارة اليونانية.
على هذا الغفران العميم الذي هو من صفات الله يقول الكتاب في سفر الملوك الثاني (24: 40) إن الرب لم يشأ أن يغفر لمنسى "لأجل الدم البريء الذي سفكه لأنه ملأ أورشليم دماً بريئاً". هذا الحديث عن جسامة القتل وليس حديثًا مطلقًا، نهائياً عن غضب الله.
الى هذا يتحدّث الإنجيل عن غفران الإنسان للإنسان. في الصلاة الربيّة في الترجمة الأرثوذكسيّة: "واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه" (متى 6: 12). توضحها آية لاحقة: "إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي". غفران الله لكم مشروط بمحبّتكم لمَن أساء إليكم. هذا لا يعني أنّ للإنسان قدرة على الغفران بمعنى محو خطيئة الآخر. الخطيئة في أنّه لم يسامح وإذ ذاك، لا يستطيع قلبه تقبّل الغفران الإلهي لأنّ من أغلق قلبه عن الإنسان يغلقه بالضرورة عن الله.
• • •
إنها طمأنينة للإنسان أن يعرف محبّة الله له ولا سيما في الغفران. ماذا يحرّك الله الى هذا؟ أبوّته. المسيحيّون واعون أنّهم أبناء الله وأنّ الآخرين هم كذلك وإن لم يعرفوا البنوّة لله لفظاً أو تعليماً.
كل هذا لا يعني أنّنا نصرّ على الخطيئة متّكلين على رحمة الله. رحمة الله شأنه وشأننا نحن التوبة. الخطيئة المتكرّرة تقسي القلب وقد تجعلنا بعيدين عن استرحام الله. الاسترحام يعني حوارًا والتجاءً الى الله. والرحمة من طول أناته. أنت لا يحق لك أن ترمي نفسك على طول الأناة هذه. تقيم نفسك في التوبة ثم تأتي المغفرة وتنشأ بينك وبين ربّك مودّة وتستطيب بعد هذا حلاوة الرب.
"ليس أحد يحيا ولا يخطئ". هذا تعليم الكتاب ونستعمل هذا القول في الجنازة الأرثوذكسيّة. هذا وضع وجد القديسون أنفسهم فيه. ولكنهم عرفوا أنفسهم في مقام المغفرة واللطف الإلهيّ. عرفوا أنفسهم محضونين في الروح القدس الذي يطهّرنا من كل دنس وينقلنا الى ملكوت المحبة الذي يرى بولس أنه ملكوت المسيح.
هذا هو العشق الإلهي الذي جاء الكلام كثيرًا عنه في تراثنا وعلى لسان المتصوّفين المسلمين. لعلّ صفة المغفرة في الله من أهم الرؤى التي تجمع المسيحيين والمسلمين وتقيمهم في مرتبة المحبوبيّة معاً.

Last Updated on Saturday, 07 August 2010 14:27
 
Banner