Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2010 المريــــــــض 08/21/2010
المريــــــــض 08/21/2010 Print Email
Saturday, 21 August 2010 00:00
Share

المريــــــــض  

المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 08/21/2010

كل مولود يولد مهيأ للعطَب. آجلا أَم عاجلا لا يبقى الإنسان سليمًا. وكلما كبر يوما يدنو من الموت. يحلم أن يعمر وقد لا يصحّ الحلم. ويحسّ في وقت مبكر نسبيًا أن هذه المنطقة او تلك من جسمه فيها هوان او خلل. هذا ضعيف الصدر وذاك ضعيف الجهاز الهضمي. ويكافح لأن هاجسه ألا يتألّم، والهاجس الكبير الموت الذي خشيه يسوع الناصريّ نفسه.

وتبقى النفس تحت وطأة هذا الهبوط. وقد يتمرّن كالرواقيين على الجبه وقد لا يستطيع. يحسّ بانهيار ما فيه. وما الدواء سوى دفع للنهاية، لنهاية هذا المركّب البيولوجي او هذا المختبر الخيمائي الذي هو الإنسان. "ما الإنسان حتى تذْكُره او ابنُ الانسان حتى تفتقده" (الرسالة الى العبرانيين 2: 6). الى الوجع، صعوبة المرض الحزن الذي هو انكفاء وجود. لا يصيب الحزن مَن مات فجأة، ولكن غير صحيح أن الإنسان يرضى بهذه المفاجأة اذا كان مُطلاً على آفاق واسعة، على مشاريع يظن انه يحقّق بها نفسه. الإنسان مشدود الى المستقبلات. يظن أن له غدا وأن هذا الغد يأتيه بما يشتهيه من عمره.


تأتيه دائماً نفحات وسلوة من الأصدقاء اذا أتوه وعادوه. هؤلاء إن عرفوا أن يكلّموه يجعلونه في هذه الشركة التي تسمّى المودّة. النفس المعزّاة كثيرا ما شفت الجسد اذا أُصيب. هناك تشابُك عظيم ودقيق بين وظائف النفس ووضع الجسد حتى يُقال مثلا ان آلام الظهر نتيجة لتفاعلات نفسية بحيث إنك اذا لازمت نفسًا متوترة لا شفاء لعظمك، واذا عمق حزنك ولم تفرح تعشش آفات كثيرة فيك فيبدو جسمك تسجيلا لما في داخل أعماق الذات فيك. كل شيء يدلّ على أن النفس والجسد لا ينفصلان أبدا. ربما لذلك آثر المسيح مرة أن يقول لمشلول أُتي به اليه: "مغفورة لك خطاياك" قبل أن يخاطب جسده، ولم يقل الكتاب ان الشلل كان نتيجة لخطيئة في هذا المريض إنما قال بوضوح ان تنقية المسيح لروح المريض كانت أهم من تقويم صحته واستعادة عافيته.
لماذا يصاب هذا هكذا وذاك بصورة أخرى؟ يقول لنا الأطباء ان الكثير الكثير من تدهور الجسم موروث. لذلك قبل أن يعالجوك للسكري يسألونك إن كان انتقل اليك من أحد والديك.
ومعروف اليوم أنّ العلماء يستطيعون أن يعرفوا عند فحص الجنين أنه مهيأ لهذه العلّة او تلك ما يطرح أسئلة معقّدة في نطاق أخلاقيات الحياة عن شرعيّة التدخّل في الجنين. مهما يكن من أمر هذه الشريعة في هذا البلد او ذاك يبدو أن النوع البشري موصول بين جيل وجيل أي ان الإنسانية واحدة صعودا ونزولا وينصح بعدم الزيجات بين الأقرباء خوفا من توارث مؤذٍ.

• • •
كانت العناية بالصحة اذًا واجبا خلقيا لأنه إن كان الانتحار جريمة وفق قول الله: «لا تقتل» يكون إهمال العافية قتلا بطيئا للذات ولا يسوغ إهمالها بدعوى تركها للرعاية الإلهية. وقد كتب لهذا القديس باسيليوس الكبير للرهبان أنه لا يحقّ لهم أن يهملوا دعوة الأطباء فالجسم شبيه بنبتة اذا زرعتها تسقيها ولا تكلّف ربك فيها تكليفا. هذا لا يستتبع أن تصرّ على العلاج في الحالات المستعصية جدا. دلّتني خبرة تفرّدي بالعلاج مرة أنه لأبسط وعكة عليك باستدعاء طبيبك وهو يشير عليك بالاختصاصيين.
هذا لا يمنع - إن كنت مؤمنا- أن تلتمس رعاية الله لك. وهو وحده يتدبّر أمرك بلا معالج. ولكنك لست بديل ربك لتقرير ذلك. الجسم مجموعة أسرار ليس لك أن تسبر غورها، فالعلم شيء رتّبه الله في خلقه. "إن الطب آتٍ من عند العليّ وقد أُفرغت عليه جوائز الملوك... الرب خلق الأدوية من الأرض... إن العليّ ألهم الناس العلم لكي يمجَّد في عجائبه... اجعل موضعا للطبيب فإن الرب خلقه ولا يفارقك فانك تحتاج اليه. إن للأطباء وقتا فيه النجح على أيديهم" (يشوع بن سيراخ 38: 2-13).
• • •
المريض المؤمن يصلّي ويدعو لأن الرغبة في الحياة أمر إلهيّ والكنيسة عندنا تصلّي من أجله. "أمريض أحد منكم فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب. وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يُقيمه وإن كان قد فعل خطيئة تُغفر له" (يعقوب 5: 14-15). وهذه الصلاة لها رتبة في التراث الشرقي والتراث الغربي تُدعى مسحة الزيت ونمارسها نحن في وسط الجماعة في الأسبوع العظيم. هذا لا يمنع أيّ علماني إن عاد مريضًا أن يصليّ من أجله ويضمّه هكذا الى رحمة الرب. كذلك في القداس الإلهي يذكر الكاهن المرضى دائمًا. الضعيف البنية إن كنت اليه وصلّيت كثيرا ما تشدّه الى التوبة. ولا تقل في نفسك داؤه مستعصٍ. ليس يعصى على الله مرض.
لا تُرجئ عيادة مريض من معارفك لأنك قد لا تجده حيّا بعد ذلك. تشدّه التعزية دائما. عندما قال يسوع: "كنتُ مريضا فعُدتموني" وحّد نفسه بالضعيف. جعل نفسه كأنه هذا المريض.
اذكر مريضك كلّ ليلة تكن حامله في حضرة الرب ولا تقل في نفسك هذا ينتهي. هذا أمر تجهله إذ ليس من طبيب جدّي يؤكّد أبدا أن هذا الإنسان يبقى له أيام معدودات ليموت. هذا سرّ الله فيه. لا يكفيه أن تزوره مرة لتُبيّن له قرباك. زره مرات إن استطعت. هذا يشدّده. هو في حاجة اليك. "ليس من مرض، هناك مرضى". لا تكذب على صديق مريض ملاطفًا إيّاه بتعزيات غير صحيحة كقولك: "ليس معك شيء". لا تجعل نفسك طبيبًا. طبّب خاطره فقط بكلمات الإيمان. قد يقتنع بها ولو بدا لك في الماضي ضعيف الايمان. فالمرض حالة يعطي فيها الرب نفحات إيمان، وهذا يشفي نفسه، إن لم يشفِ جسده. لازمه إن تيسّر لك الوقت او ابعثْ برفقائك المؤمنين إن كانوا يعرفونه. هذا خير له ولهم. هذا يجعل في نفوسهم حنانًا، وربما أَدخل الرجاء الى قلب العليل فيفارق ونفسه أَضحت سليمة.
المرضى إخوتنا الأوّلون وأهمّهم المرضى الفقراء. إن كانوا في حاجة الى دفع أتعاب الطبيب، ابذلْ ما استطعت في سبيلهم من دون أن يعلموا لأن الرب يكون قد استخدمك لتقوية سلامتهم. من المرضى الذين تعينهم تأتي سلامتك انت وينزل عليك الغفران ويرضى ربك عنك.

Last Updated on Saturday, 21 August 2010 07:53
 
Banner