Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2010 الله والألم 08/28/2010
الله والألم 08/28/2010 Print Email
Saturday, 28 August 2010 00:00
Share

اللــــــــــه والألـــــــــــــم  

المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 8/28/2010

الإنسان موجع نفسه ويرمي على الله مسؤولية ذلك لأنه يعتبره مصدر الخير والشر ويراه معاقباً لخطاياه. سأنظر الى ذلك من زاوية مسيحية. في الحقيقة ان المسيحية الغربية روّجت هذا الطرح منذ أوغسطين والقائلة ان ثمة خطيئة قائمة في طبيعة البشر من جراء ما سمي الخطيئة الأصلية وهي عبارة لا يستعملها الشرق وينتج منها أن كل البشر مذنبون منذ تكوينهم في أحشاء أمهاتهم. ولهذا كان هذا التأكيد المفرط لآلام المسيح. بخلاف ذلك تأكيد الكنيسة الشرقية على قيامة المخلص وليس فيها فكرة "الفداء" على انه فدية دفعها المسيح عن آلام البشر بمعنى انه احتمل الألم بدلا عنهم ويبدو الفارق بين اللاهوت الغربي واللاهوت الشرقي على ان الفن الشرقي مأسوي والفن الشرقي انتصار على الموت.


في التقوى الغربية سعي الى الألم باعتباره تحرراً من الخطيئة مثلاً من طريق جلد الإنسان لذاته او ارتداء ما يوجع.
الواضح في الفكر المسيحي الأصيل ان الله لم يخلق الألم. "ورأى الله ان كل ما صنعه حسن جدا" (تكوين 1: 31). عند الاباء الشر الأدبي (الخطيئة) والمرض والفساد والموت ليست من عمل الله. على ضوء هذا كفّرت المسيحية المانوية القائلة بأن للوجود مبدأين الخير والشر. الله عندنا صلاح كلّه واعتباره مصدرا للشر هو نفي صلاحه اذ يرى آباؤنا الشر واقعًا نافيًا للطبيعة الأصلية التي ولدنا عليها ورأوا انه نقص في الخير او غيابه. الشر من هذا المنظار طارئ وليس مبدأ في ذاته ويذهب الآباء الى التأكيد ان الإنسان في حالته الفردوسية لم يكن يعرف الآلام النفسية ولا الآلام الجسدية وان حياته كانت خالية من الحزن والخوف وما كان جسده خاضعا للفساد.
• • •
الأصل ان الانسان خلق حرا ومالت حريته الى الشر. الحرية هبة من الرب عظيمة ويرى بعض آبائنا انها صورة الله فينا. اشعر ان بعض الناس الذين يتحدثون اليّ يقولون: "لماذا أتانا الله بالحرية". جوابي انها انتماؤنا الى النوع البشري ولولاها لانتمينا الى النوع الحيواني او الجماد. بلا حرية لسنا بمبدعين ولا مسؤولين ولا نحب ولا نسمو اي لا جمال روحيا فينا. انت تتبنى حالة الوجع لكونك تتبنى حريتك اي تتبنى ذاتك الإنسانية وفرادتك في المخلوقات وتعترف ببهاء عقلك وجمال العاطفة فيك.
الحرية لها ثمن وهو إمكان الخطأ والعثرات الى جانب العطاء المحب. نقبل الألم كما يصل الينا ولا نجعل الخالق باعثا الينا به. نقبله لنعرف كيف نتدبّره بالنعمة الإلهية النازلة لتشفيه لأن مشيئة الله نجاتنا منه. غير انه اساسي لخلاصنا ان نؤمن ان ورود الألم - خطيئة كان ام مرضاً - ليس عقابا على معصية. "اجتاز الموت الى جميع الناس اذ أخطأ الجميع" (رومية 5: 12). لقد ورثنا الضعف البشري ولم نرث خطيئة.
نحن نرث ضعف آدم ولا نرث معصيته. لهذا لا نستطيع ان نقول ان كل ألم ثمرة خطيئة شخصية. "لا هذا أخطأ ولا أبواه" (يوحنا 9: 3).
الشر الشامل الذي صرنا اليه هو حب الذات الذي يدفعنا الى التماس اللذة على أنواعها. كل خطيئة هي شغف بالذات، هي ان نجعل أنفسنا مركزا للوجود بدل الإيمان بأن الله مركز الوجود. حب الذات هو انقلاب القيم فينا. واذا استغرقنا هذا نعدم رؤية النور فنهيم على وجوهنا ونلتطم بالوجود ونحزن ونقلق ونتشنج ونذوق بدايات الموت الروحي وقد نصل الى كامل الموت الروحي في الجهالة وهذا هو العذاب الأكبر. ليس وجع الجسد شيئا اذا قيس بأوجاع الروح التي تعذبها المعصية لأن المعصية في جوهرها إلحاد اذ الإلحاد هو انفصال قرارنا عن القرار الإلهي.
• • •
عند هذا السقوط ليس من خلاص. ان السقطة الروحية هي الدمار عينه للكيان. والدمار أمامه بناء جديد اذ ليس من شيء يسمى الترميم الروحي. ليس للنفس من ترقيع. امامها القيامة فقط والقيامة بدؤها اقتناع ان الموت لا تزيله الا حياة جديدة مع الاقتناع ان الذنوب عتمات تفضي الى ارتطامات لا نهاية لها وكسر للنفس لتصبح كلها شظايا نفس. وهذا ليس فقط يلغيها معناها ولكنه يدخلها في فراغ رهيب.
اما اذا أصاب الإنسان ألم جسدي وهو في حالة انهيار روحي كبير فلا مهرب له ممكناً من الوجع الا توبة كبرى. هي ليست ضمانة للشفاء أكيدة ولكنها على الأقل سلام في الوجع. السلام ممكن في الشدة الكبرى والسلام ذروة الوجود وهو اسم من اسماء الله اي انك مؤهل به لتصبح مسكناً لله ولا يؤلمك الألم، عند ذاك، في العمق. وهذا اختبار إلهي اي افتقاد من فوق.
اذا كنت طريح الفراش او على مرض مرير، طويل الأمد لا تسعَ اولا الى شيء ولكن الى البر. كل ما كان غير البرّ لهو. ومن ابتغى البر كان لا يقلقه الألم مهما اشتد لأنه أمسى مقيما في كمال البرارة ويعرف ان أوجاعه من هذا الجسد الضعيف وان بره ليس له فيه فضل اذ سينزل عليه من فوق. ويحس بأنه قد انخطف اذ يسمع من ربه كلمات لا يسوغ النطق بها.
اذا نزل البرّ علينا ينزل معه المجد. مجد مع ألم جسدي أمر حاصل عند المتقين الرب، الخائفين فقط من الخطيئة لكونها المصاب الكبير. المجد يحلّ على المنهوكة أعضاؤهم اذا كانوا في حالة الصلاة الدائمة اي اذا أدركوا مع الرب الوصال. ولا شيء بعد الوصال.
الفردوس دخلوه في هذا الوجود الحسي. ماذا بعد الفردوس للسليم وللمريض؟ المرض، اذ ذاك، ليس بشيء. في أفتك أتعابك تستطيع ان تلقى وجه ربك وتدشن بهذه الرؤية في نفسك الملكوت.

Last Updated on Saturday, 04 September 2010 14:18
 
Banner