علــــــم الديـــــــن 09/18/2010 |
|
|
Saturday, 18 September 2010 00:00 |
Share علــــــم الديـــــــن
المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 09/18/2010
في النهاية كل دين كتاب والمعابد هي لمعرفة هذا الكتاب وتنقيحه او تجويده والألحان كُتبت من اجل كلمات. والصلوات تأتي مقابلة لكلماته او التقاء بها ومدّا شعبيا لها. الصلاة وسيلة إعلام بهذا الكتاب. العمارة نفسها، بطريقة او بأخرى، حيث آيات مكتوبة او أيقونات موضوعة هي تجاوب جميل مع هذا الكتاب. والأديان التي تستعمل الرموز كثيرا مثل المسيحية لا تخرج عن النص ولكن تقدّمه بطريقة أخرى. اجل النصوص المقدسة يتدارسها المؤمنون جميعا على قدر استيعابهم الفعلي وذلك في بيوتهم. هي جاءت من اجل معرفة الله وفكره وصفاته وأعماله، ومن عرف الله يعرف نفسه والآخرين. ولكن نصوص الصلوات عميقة وتحتاج الى إعداد لاهوتيين او علماء كلام ووعاظ. يحتاج المؤمن الى معرفتها بمعانيها المقصودة والمعاني التي ولدت في التاريخ لأن الكتابة الملهمة فاعلة. من هنا أن عندك مناهج التفسير والاطلاع على تاريخ التفسير وتاريخ الإسلام او تاريخ الكنيسة ودراسة العقيدة والعبادات وأصولها والسيرة. هي مجموعة علوم مترابطة، متناسقة، متكاملة.
وفي هذه الرؤية لا بد للمسؤولين المفوّض اليهم التعليم أن يعرفوا كل هذا على أعلى مستوى ممكن، وإلا تكون كلمة الله قد ذهبت سدى ويبقى الناس على جهالتهم اي يبقى إلههم محجوبا عن عقولهم ولو مسّ قلوبهم. عند هذه النقطة أتكلّم عن المسيحية بخاصة. هي تسمّي الإيمان مستقيما في الشرق والغرب، والإيمان ينتقل بالسمع "كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به. وكيف يسمعون بلا كارز" (رومية 10: 14). المضمون الإيماني لا يصل اليك اذا لم يبشّرك احد. وكيف يبشرك المبشر إن لم يدرس؟ لذلك قالت قوانيننا القديمة ان الموعظة واجبة في كل خدمة إلهية (صلاة سَحَر او غروب او قداس او إكليل او جنازة إلخ). هذا الأمر يدل على أن العبادة بلا موعظة توضحها لا تبلُغ العقل. ولذلك عندنا منذ القرن الرابع تعليم عن العمادة وعن القداس الإلهي. قد تبلُغك المعاني الإلهية الكثيرة بالطقوس، لكن الطقوس لا تُغني عن الشرح والتفسير، وإلا لما أمر الآباء القديسون بالوعظ في كل صلاة. • • • وإن كانت تعني وحدها لما سُمّي الكاهن عند رسامته خادما للكلمة. الكاهن العيّ، الأخرس غير موجود في رؤية مرجعياتنا القديمة. المؤسف حقا أننا في عصور غير متأخرة انتخبنا رجالا للكهنوت لا يعرفون شيئا من التفسير او أي علم من علوم اللاهوت واكتفينا بإعدادهم لإمامة الصلاة. وهنا أعترف أن الكثير من المؤمنين اتصلوا بربّهم عن طريق هؤلاء الناقصة معارفهم. ولكنها مغامرة كبيرة أن نتّكل فقط على حنان الله ورأفته بعباده ولا نتّكل كثيرا على معرفتنا بالنصوص. أنت لا تُقامر بشؤون الله. هذا ليس توقيرا له. هذا اتكال على مصادفة المعرفة. والدين لا يقوم على المصادفة. دائما أقول لمن أرعاهم: هبوا أن سائحا أجنبيا جاء الى قريتكم شغوفا بالعقيدة التي انتم عليها وهو مريد أن يزداد علما بها، لمن تقودونه. هو يتوقع أن تذهبوا به الى الكاهن فإن كان أُميّا او شبه أُميّ كيف يحترم هذا الأجنبي ديانتكم؟ مرة طلبت إحدى الرعايا من القديس يوحنا الذهبي الفم أن يقيم احد الناس كاهنا لهم فسأل الوفد: ما صفات هذا الإنسان؟ قالوا إنه لتقي. فأجابهم قديسنا: هذه فضيلة أتوقّعها من كل المؤمنين. أمّا من تقدّمونه للخدمة الروحية فينبغي الى التقوى أن يكون عارفا بما تُعلّمه المسيحية. لا يمكن تاليا أن يكون طالب اللاهوت مجرّد إنسان ورع اذا تخرّج. هذا أمر مفروض فيه لأنه بلا ورع يُعثر الرعية. لكن الورع اذا جذب الى الله بعضا فلا يجذب الكل. الكلمة حظنا الرئيس للانجذاب الى الله. لا يُطلب من إمام الأُمّة أن يصنع عجائب فالأعجوبة تُحرّك ولكن ليس في كل حين. وسيلة الرب الأساسية ليست المعجزة ولكن الكلمة. • • • واذا طلبنا المعرفة من القساوسة فبالحري نطلبها من الأساقفة لأنهم المولجون الكبار بالتعليم بل مراجعه. بتعبير بسيط لا بد للأسقف من أن يؤخذ من كبار الأكاديميين لأنه هو الذي يوزّع المعرفة العليا على من لم يستطع أن يحصّلها. والمناقشات الكنسية في مجمع الأساقفة كثيرا ما تدور حول مواضيع لاهوتية ولا تنحصر في بحث أمور إدارية بحتة كالمال والأوقاف. لا يستطيع أسقف في مجمعه إن طُرح عليه سؤال أن يقول دعوني أراجع مكتبتي لأجيبكم عن أسئلتكم. ماذا كان يعمل بمئات او ألوف من الكتب في مكتبته؟ ليس الأسقف زعيما لملّة. هو مسؤول عن تكوين أُمّة الله بالتعليم. أحيانا أبسط النقاش يدور حول اوضاع الرعاية والأوقاف وما اليها. وهذا يتطلّب منك موقفا لاهوتيا. لا فصل عندنا بين اللاهوت وتنظيم أحوال الرعية. واذا كانت شؤون الكنيسة تأتي بالشورى بين القادة الروحيين فهذا يعني أن كُلاّ منهم واقف على ما هو مشترك بين العارفين. المعرفة وحدها تؤمّن الهدوء والوئام والمحبة بين المشاركين في الرئاسة الروحية التي وظيفتها الوحيدة خدمة المؤمنين. وإن لم تتوفّر المعرفة ينساق الرؤساء الى مهاترات او خصومات سرعان ما تتحول الى خلافات شخصية والى شغف السلطة او المال او السياسة التي لها أربابها عند العلمانيين الذين كنا نسمّيهم عواما منذ بضعة عقود. العلم القليل يولّد العجرفة والانصراف عن الأمور الجديّة في تسيير سفينة المسيح في عالم مضطرب. وهذا العالم يثير دائما أسئلة صعبة لا يواجهها المسؤول بلغة خشبيّة وحديث يليق بالأطفال. لا تستطيع أن تبقى الكنيسة غير مطّلعة على هواجس البشر في دنيا مليئة بالفكر. لماذا يجب أن يبقى الفكر الديني وحده ركيكا؟ الكنيسة، اذ ذاك، بيئة الجهل. والجهل يبيع المسيح ويخونه. لم أفهم مرة أن سعة العلم دعوة الى إهمال التقوى. |
Last Updated on Saturday, 18 September 2010 11:13 |