Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2010 الضعــــــــــاف 09/25/2010
الضعــــــــــاف 09/25/2010 Print Email
Saturday, 25 September 2010 00:00
Share

الضعــــــــــاف
المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 09/25/2010

دخلت منذ أيام كنيسة فرأيت خادمها مقوّس الساقين وقد أقبلت عليه الشيخوخة فأتعبني المشهد. هذا ليس من الفائقي البشرية كما يلتمسهم نيتشه. بأي معيار هو ناقص؟ لماذا المتقوّم الأعضاء بات نموذجا؟ ماذا تعني لنا الإنسانية المستقيمة على مستوى الجسد؟ لماذا الإنسان المتلألئ العقل افضل من الغبي؟ كل ما في الأمر ان الأذكياء يقضون الحاجات التي يتطلبها العقل أي عندهم أدوات أنجع في مستواها ممن ساءت أدواتهم ولكنهم قادرون على الإنتاج في صعيد آخر ليس أدنى من صعيد الفكر ولعله أعلى اذا اتخذنا الإنسان في قرباه من الإنسان الآخر وجدانيا أو عمقا أو حبا.
لا يقدر أحدنا ان يعطي في كل المجالات. ان تكون في آن مفتول العضلات، جذاب العينين، حاد الفهم، مفيض العاطفة، ثريا، هذا يعني للناس انك دنوت من الكمال. ينقصك، اذ ذاك، شيء واحد ان تكون محبا. وان كنت كذلك على نحو عظيم لا يهم عظماء الحياة الروحية شيء من قوتك البدنية وما اليها ومن ثروتك. كل هذا عندهم "باطل وقبض الريح."


وان كنت مبصرا وضعيف البصيرة هذا ينفع بعضا لأن البصر هو الإحساس الأهم. والناس كلّهم حساسون للأحاسيس وقد لا يعيشون على مستوى يفوقها. انهم من هذا العالم وكفاهم. هناك مثقفون يعيشون الفكر لكن الفكر ايضا من هذا العالم. انهم لم يعرفوا يوما ان القلب اهم من العقل ان لم يكن هذا في إحياء القلب.
واذا تأملنا في أمر الحسناء فهذه غالبا ما ظنّت أن الحُسْن قيمة وانه يُغنيها عن أشياء كثيرة. تهتز لها البلاد ان دخلت مباراة ملكة الجمال. تحسب ان هذا ذو قيمة في حد نفسه يمكن إضافتها الى قيمة العقل التي يمكن إضافتها الى الأخلاق ودليل ذلك ان لكل مجال من هذه المجالات علامة في المباراة.
هل خطر على بال حسناء ان المرأة القبيحة، الكثيرة القبح، قد تكون ذات بهاء وجلال ليست الحسناء عليهما وان أسياد الحياة الروحية حساسون للجمال الروحي الذي قد تكون عليه القبيحة وان الجمال العظيم قد يكون باطلا وقبض الريح وليس فيه ذهول بحيث ان سوء الأخلاق يلغيه إلغاء كاملا؟
لا مقارنة ممكنة بين العظمة الروحية وعظمة الجسد، بين ثروة وفقر اذ كثيرا ما يكون الفقير اعلى شأنا من الغني. وما من مقارنة ممكنة بين الذكي والغبي فقد يكون الغبي أعظم شأنا في مقاييس الروح من الذكي. ليس من سُلّم قيم الا اذا اتفقنا على القيم.
•••

معظم الناس يشكرون لله صحتهم. في مفهوم الإنجيل انها هبة اذ كان يسوع يعيدها لمن فقدها. ويذهب الى أبعد من هذا اذ يقول بأسلوب أو بآخر ان الشفاء من علامات اقتراب الملكوت. غير ان الناصري كان يوجّه من نجا من مرض الى التوبة أي يقرّبه مما كان يفوقه وما كان أتباعه يسكرون بالأصحاء. العامّة عندنا تقول: "صحتك بالدني"، وما سمعت احدا يقول: "توبتك بالدني". هذا المعطى البيولوجي موروث الحضارة الكنعانية عندنا وتجده في أثينا وروما وفي كل أصقاع المعمورة. وهذا ما يقدره المصابون بالأمراض المزمنة أو المصابون بأوجاع دائمة. وأفهم كثيرا ان يأمل السقماء بمجيء يوم لا يتعاطون فيه الأدوية لكونهم ملّوها وملّوا استعبادها لهم.
كل الإنسانية في نطاق المرض وليس سلامة كاملة عند أي مخلوق بشري. ولئن تقنا جميعا الى السلامة فهي ليست بالضرورة الهناء. فأنت، ضرورة، في عصاب أو في خلل نفسي كبير وهنا يأتي جسدك عاجزا عن منحك الفرح. انت اذًا مكسور الجسم أو معطوب النفس وتوقك الى سلامة لن تأتي كاملة ويدعوك الأطباء الى التأقلم أي ان تعيش كما قيّض لك ان تعيش.
لك ان ترجو ولك ان تربي نفسك على معايشة السقماء. الصحة والمرض كلاهما حالة في الحياة. وانت، مريضا أو مصابا بأوجاع تُلازمك، كاملُ الوجود الإنساني وكاملُ السلامة الروحية إن طلبت ان تنزل عليك مائدة من السماء. وقد يكون المريض في وضع تذمّر أو تأفّف أو ضجر أو رفض لله أي يكون قد خسر من قيمته الإنسانية مع انه قادر على الشكر لأنه لا يعرف الحكمة في ابتلائه. يسمح الله بالبلى ولا يسبّبه. انه للمريض ظرف حكمة وتقديس نفس واعتلاء روح. المقارنة بين السليم والمريض متعذّرة كليا.
•••

يقلقني جدا هذا الفصام القائم عند ناس يعتقدون أنفسهم مؤمنين بين إيمانهم وإعجابهم بالمال والجمال وصحة الأبدان. أفهم انخطافهم الى الفكر النيّر العظيم وقليلا ما كانوا مثقفين. الذكاء المفرط شيء يُسكرهم ولو كان صاحبه عاديا جدا على مستوى الأخلاق. يزكّون سوء أعمالهم بقولهم: "نحن لسنا قديسين" ويريدون بذلك انهم لا يبغون ان يصيروا قديسين. هم يعرفون موقف الدين من المال والسلطة والقوة ولكنهم يفصلون بين العبادات التي يمارسون وحفظ الوصايا الإلهية. يحافظون بلا حدة، بلا لهب، بلا تضحية كبيرة. إن أردت أن أُغالي لقلت ان دينهم لا يكلّفهم سوى الطقوس. هذا اذا مارسوا. الى هذا تراهم واقعين في حزن لا يوصف عند فراق عزيز أي انهم لا يزالون على الديانة الكنعانية التي منها البكاء على تمّوز. وبسبب من شغف الكنعانيين والفينيقيين بالحياة الدنيا، الكثرة من شعبنا لا تزال على هذا الشغف وكأنهم لا يؤمنون بالقيامة. المسيحيون منهم يتلون في الكنيسة: "وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي" لكن أدب المآتم لا يدلّ على انهم يؤمنون بهذا الكلام.
الخوف من المرض ومن الفقر ومن الموت شيء واحد. الفرح عندنا ليس الفرح بالكلمة الإلهية ولكن بالأعراس. الغلوّ في الأشياء المترفة، الغنى والضجة والإنفاق الرهيب على حفلات الأعراس كلها خارجة على قدسية الزواج وعلى الصلاة فيه. رأيت بعض العرسان يصلّون أثناء الإكليل ويتابعون الكلمات الإلهية ولكني قلّما وجدت الحاضرين مأخوذين بالكلمة.
بضعة ايام بعد مولدي مرّ جدي بأمي ورأى أمتعة مهيأة لترسل على الشاحنة الى الجبل فقال لأمي والدها: "ان هذا الصبي غير معمّد فكيف تأخذينه في هذه الحال الى الضيعة؟". قالت سأعمّده في تشرين أي بعد رجوعنا من المصيف. قال لها أخشى عليه من اختلال صحته هناك. عندئذ أحضر الكاهن فعمّدني بين الفراش الملفوف بالسجاجيد والكراسي والطناجر قبل حملي الى المصيف. كان جدي اذًا يهتم للبركة الإلهية لا للاصطياف.
هناك أشياء في دنياك خاضعة لكلمة الله وهي القيمة الوحيدة عند المؤمن الحقيقي. ليس من سلّم قيم. هناك فقط ما يراه ربك قيمة.

Last Updated on Saturday, 25 September 2010 09:40
 
Banner