Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

الحكم 16/10/2010 Print Email
Saturday, 16 October 2010 00:00
Share

الحكم 

المطران جورج خضر، النهار السبت 16 تشرين الأول 2010 

لم ترد لفظة دولة (بفتح الدال) مرة في القرآن. ولم يرد معنى المؤسسة الحاكمة مرة وكأن الإسلام في التنزيل لا يعرف سياسة المدينة ولا أتى على مدلولها. جاء معنى التنظيم للحياة الإدارية في زمن الراشدين. ولا نعرف دولة الإسلام وساغ الكلام عن دولة المسلمين بعد الوحي. اما لفظة الحكم فوردت في سورة الأنعام بين لفظة الكتاب ولفظة النبوة. وهكذا يكون الحكم لله (يوسف 40 و 67) وأوتي الناس حكما وعلما ولكن ليس بالمعنى السياسي.

في العهد الجديد استعملت كلمة قيصر وكلمة ملك وكلمة سلطان بالمفرد والجمع ولكن قيل ان السلاطين الكائنة هي مرتّبة من الله (رومية 2:13). وهذا مجرد ملاحظة على وجود الدولة الرومانية التي تعامل واياها المسيحيون تعاملا عمليا. «مملكتي ليست من هذا العالم» (يوحنا 18: 36) تجزم أن يسوع الناصري لم يدعُ أتباعه ليؤسسوا دولة. وجدوا فقط أمامهم سلطة سياسية واندرجوا فيها على أنها حكم مدني ارتضاه الله بهذه الصفة. اعتراف المسيحية أن الدولة قائمة وانك تندرج فيها ببركة من الرب.


الحكم المدني قائم غير مستقلّ عن الله. وهذا هو معنى كلام السيد: «أَعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله». هذا لا يدلّ على وجود قطاع سياسي مستقلّ عن الله ولكن يدلّ على أن قيصر خاضع لله لا بمعنى دولة دينية ذات تشريع ونظم مستمدّة من الإنجيل اذ هذه النظم غير موجودة في تعليم الكنيسة عن الدولة. هناك أخلاق للقائمين على الحكم هي شرط لحكمهم وتبرير له. هذا ما يهمّ الدين في كل هذه المسألة.

جذر حَكَمَ لا ينبغي أن يُفهم على أن ثمّة حكاما ومحكومين اي ناسا بيدهم السلطة وناسا تمارَس السلطة عليهم. هذا كان قائما في نظام الملوك في اوربا الذين لهم كل شيء والناس رعايا عندهم. اما اذا كانت دنيا السياسة مشاركة فالحكم يراقبه المحكوم والناس سواسية في الكرامة ولو أُسندت المسؤولية الرئيسة الى من انتُخب (بضم التاء) ليسوس. في الديموقراطيات الحديثة السائس يُساس ايضا لأن الكل يراقب الكل ومن جاء في الانتخاب جيء به للخدمة وفي هذا المنظار هو خادم كما يروي إنجيل مرقس ويؤتى كرامته من الخدمة التي يؤدّيها. الحكومة في هذه الرؤية تقام لتتولى لا المسؤولية الحصرية ولكن المسؤولية الأولى. ولكونها آلة التنفيذ يُطلب اليها الكثير وتحاسَب (بفتح السين) بالدرجة الأولى. لذلك هناك إلحاح على أخلاقها.

***

الدولة سلطة ومن تمتّع بسلطة إغراؤه الأكبر أن يكتسب «طبائع الاستبداد». وُجد بين الحكام متواضعون ولكن المألوف أن تتحوّل السلطة الى شغف بها وهذا يعني عدم الخدمة للمواطنين بحيث لا يُضبط الوضع ويستبدّ الحكام بالمحكومين.

وهذا هو تحويل الحكم الى تحكّم وخوف وتفتيت القوى. وكلّما خشي الحاكم عدم التفاهم بينه وبين المواطنين يزداد استبداده ظنا بأنه هكذا يضع حدا للتشظّي. في حقيقة السياسة أن دواء كل وضع هو الحرية لأن الحرية هي الثقة واذا أحسّ المواطن بأنه موضوع ثقة يزداد تعاونه والدولة. ما يسمّى الحريات العامة ليس موضوع تسوية بين السلطة والأهالي. الحريات نفحتها الايمان بأن الانسان قادر على الرشد السياسي الذي به نعترف بحرية الآخر وبأنه مرحّب به في المشاركة.

اجل تسوقنا الحرية الى الاختلاف اذ ليس من عقيدة منزلة في دنيا السياسة. ما من مجال في التربية والاقتصاد وما اليهما الا الاختلاف او الخلاف قائم فيه. لذلك تقود الحرية الى ممارسة الديموقراطية. في اليونانية الديموقراطية هي حكم الشعب وفي الحقيقة هو جدل بين متخاصمين على رجاء التقائهم وهنا يأتي دور الحكمة في الحرية. ويأتي دور الصدق في السجال السياسي. تعثر الديموقراطية انها هيكلية احزاب تتصارع ولو لم تختلف دائما في العمق. ولكن التحزب يصلحه الايمان بالحقيقة بحيث تتراجع اذا أرغمك الصدق على ذلك.

محبة الحقيقة تأتيك من محبتك للوطن التي لا تعلو عليها قضية فريق او قبيلة او جماعة دينيّة. واذا قوي الانقسام في حالات التأزم فمعنى ذلك أن هناك فريقا او اكثر غير محبّ للوطن. عندما نبيت على خوف الانشقاق نفيق على ذاكرة الفتنة. والرجوع عنها يتطلّب توبة حقيقيّة على صعيد السلطة اولا ثم على صعيد الأهالي. لا يُقنعني أن عوامل التفسّخ تبقى اذا جمعنا حب الحرية والإخلاص للوطن والإخلاص يقودك الى الفهم والفهم يقودك الى الحلول.

***

من حبك للبلد نزاهتك وهي تعني أن مال البلد للبلد. عندنا في الكنيسة منذ القرن الرابع قانون يفرض على الأسقف أن يفرّق بين ماله الشخصي ومال الكنيسة فينفق على الكنيسة من صندوقها وعلى شخصه من ثروته الخاصة إن بقيت له ولم يوزّعها على المساكين. كلما ازداد اطّلاعي على أحوال بلدان كثيرة أرى أن الرشوة سائدة في أوساطها العليا كأن الفساد هو الشريعة. هذا ما يفسّر الأزمات المالية الكبرى حتى درجة إفلاس الدولة. هنا يأتينا فكر آباء الكنيسة القدماء الذين علّموا أن الإنسان ليس مالكا ما عنده إنما هو مؤتمن عليه. فاذا حُرم الفرد حرية تبذيره لمال كسبه شرعيا فكم بالحري هو مؤتمن على مال لا يملكه وهو ما تحصّله الدولة من الضرائب.

من قرأ في إنجيل متى: «لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (6: 24)؟ من قرأ: «اطلبوا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تُزاد لكم» (6: 33)؟ هذا لم يُكتب ليخضع له الفقراء ولكن كُتب ايضا ليخضع له من يتقاضى راتبا من الدولة وغير الدولة. عند الفساد العميم كيف نؤمن بمن له السلطان على العباد؟ كيف نقبل أن يكون ستّون بالمئة من أهلنا تحت مستوى الفقر؟ أليس لآلة الحكم مسؤولية هنا؟ أليس له مسؤولية في إكثار عدد المهاجرين؟ أليست بطولة روحية أن تعطي بلدك كل شيء ولا يعطيك هو شيئا؟

لماذا لا نرسل قديسن الى الحكم؟ لمّا قال سقراط ان الفلاسفة يحكمون أثينا هذا ما قصده. الفلسفة عند الإغريق كانت تعني الكمال البشري ليس في العقل وحده ولكن في الوجدان ايضا. عندما تكلّم أفلاطون عن الحق والخير والجمال أراد أن هذه تكون مجتمعة او لا يكون واحد منها. الطاهرون يحكمون او ليس من حكم.

الدولة إن لم تصبح دولة الله اي حكم كلمته في عباده آلة استغلال للضعاف وهم الأحبّ عند الله. قد لا تكون الدولة مشكلتنا الوحيدة في لبنان ولكنها المشكلة الأولى لا ريب في ذلك. تنقية الدولة في كل بلدان العالم دعوة الى النهوض بالأُمّة كلها.

هل يتحقق هذا الحلم في بلدنا الجميل؟

Last Updated on Saturday, 16 October 2010 07:59
 
Banner