Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

الموت 11/27/2010 Print Email
Saturday, 27 November 2010 00:00
Share

الموت

المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 11/27/2010
هذا يبدو لي المسألة الوحيدة في الحياة. نحن متمسكون بالحياة لأننا لم نُخلق لنموت لكن الإنسان أُعطي ان يختار الموت فاختاره فحلّ عليه قصاصًا لمّا ارتضى ان تغلبه الخطيئة المندسّة في كيانه وكأنه لم يصدق ان أمر الخطيئة فيه جديّ جدًا. لم يُرد ان يتصوّر انها تقضي عليه. الجنس البشري معطوب اذاً؟ "كل منّا يولد معطوباً" هذا واقع نفسنا وجسدنا. لذلك تقول المسيحية بأنه لا بد من مخلّص. هل يرمِّم المكسور نفسه؟ هل يسلم المشلول ويمشي من ذاته؟

نحن نقول إن ما من إنسان يحيا ولا يخطئ. فرويد اكتشف ان كلا منا مصاب بعُصاب أي ان في كيانه التواء. لكن فرويد لا يقول إن احدًا خاطئ. لا يهمّه الأمر كلّه. الشعور الضخم بالذنب عنده عقدة. لماذا يموت؟ ليس في هذا عند العلماء مشكلة. الجسم مختبر خيميائي يختلّ فيه التوازن بين الملح والبوتاسيوم. لا يدخل اليه الأوكسيجين بما فيه الكفاية. تعمّ الأعضاء الفوضى. لماذا يكون كل هذا؟ لا جواب عند العارفين بجسمنا. يعزي بعضنا بعضا بالشعر ان بقينا على صعيد علم الحياة. لا أحد يعرف كيف نرث الموت.
الذي نسميه النزاع - بكلمة عربية واضحة - يدلّ على اننا رافضون الموت طبيعيا من حيث اننا نحس ان فراق الحياة ضدّ ما كنّا نصبو اليه في وجودنا الأرضي. أجل نحن وارثون الفكرة العبرية ان الله يحيي ويميت لاعتقادنا انه سبب الوجود وزوال الوجود. لكنا نعرف ان الله كله وجود ولا أثر فيه للعدم. وكذلك نعرف من سفر التكوين ان الله سمح لآدم بالموت اذا هو أراد فالله اذًا ليس منشئ الموت. فسّر ذلك بولس بعد ذلك بقوله: "أجرة الخطيئة هي موت". تسرب هو الينا بتسربها. كيف كان هذا؟ لا نعرف الكيف الا بصورة الحية اي بعامل هو خارج الإنسان. ليس عندنا كلام عن منشأ الخطيئة في الإنسان او من الانسان. الموت سر كما الحياة. ظرفه او سبيله الينا هو الإثم اي هذا الذي لم نعد له ولكن انفتحت له الحرية.

• • •

كيف مالت الحرية الى ما ينتقص منها؟ كيف فقدت الكثير من جمالها؟ كيف تخبّطت؟ في جنوحها بات الشر حدثا وغدا ثقيلا جدا، حملا لا يُحمل هو القاعدة المنظورة أو المألوفة وإن لم يكن في نشأة الخلق. من يرى الينا لا يرى فينا سمة الخلق الأول. فُقد الجمال الأول، وصارت طرقنا طرقًا الى السقوط ثم الى الفناء فتلازمت الخطيئة والموت الى ان ينبلج فجر الحياة الجديدة بالمنقذ.
في كل هذا ما موت المسيح؟ المسيح تطوع للموت. هذا يجب التأكيد عليه كثيرا لنفهم موتنا في المسيرة التي دشنها يسوع. فإنه ان مات لأجلنا تكون الخطيئة قد امحت بموته كأنها لم تكن. هذا هو المعنى الأول للخلاص. جوهر هذا المعنى ان الحب قاد يسوع الى الموت. ومعنى المعنى انه أراد ان يلازمنا في كل شيء وفي هذا العدم المنظور الذي يسمى الموت. وفي هذا حررنا من خوف الموت حسب قول الرسول: «فاذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكيما يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت...ويعتق اولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعا كلّ حياتهم تحت العبودية» (عبرانيين 2: 14 و15).
هذه هي الخطوة للنظر الى أنفسنا أحرارا من وطأة هذه القباحة الرهيبة التي هي الموت. لقد أعطانا الناصري الا نخاف. هذا ممكن عند الذين بلغوا في الإيمان درجة علينا وكأنهم قاموا من بين الأموات. يبقى النزاع من حيث هو ذروة الألم ان كنّا واعين له. النزاع هو المشهد الأخير الذي يترجم تناقض الحياة والموت. ولك ان تعبر من الحياة الجسدية الى الحياة الأبدية وانت في صميم النزاع وان تصعد وتطمئن وتذوق بدايات الخلود. وقد يبقى فيك الإنسان العتيق الذي صاره آدم بعد أكله من شجرة معرفة الخير والشر.
كل منّا عتيق وهو لا يعي عتاقته الا اذا اهتدى الى المسيح اهتداءً كبيرا. قلّة عزيزة لا تخشى نهاية الوجود الأرضي.
الفداء لم يلغِ الموت بمعنى ان القيامة العامة لا تزال مرجوة. ومن بعد ان غفر لنا الرب كلّ آثامنا بقيت فينا آثارها أي كثير من الخلل الداخلي العميق ولكن بقي لنا قيامات بالتوبات وتطلع الى النور الذي يحلّ فينا من بعد موت. ونعبّر عن هذا في دستور الايمان بقولنا: "وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الاتي". لماذا لم يتابع الدستور بداءته ليقول هذا: "أؤمن بقيامة الموتى". ربما لأنه في ما سبق تحدث فقط عن الإيمان بالله ولا ايمان الا به أما الحادثة أعني قيامة الموتى فتدخل في مقولة الرجاء.

•••

بهذا نقول اننا لا نموت كالوثنينن او الملحدين الذين لا رجاء لهم. لقد أضحى الموت مع المسيح ليس فرحا بل باب مفتوح على النور الذي لن يحلّ بكلّ قوته الا عند مجيء المسيح الثاني. وعندما يقول الرسول: "آخر عدو يبطل هو الموت" يبقى هذا عدوًا حتى بعد اعتناقنا المسيح ولكنه عدو مغلوب في رجائنا. «أين شوكتك يا موت، اين غلبتك ايتها الجحيم» (1كورنثوس 15: 55).
يعني كل هذا الكلام اننا بالمسيح لم نصالح الموت. "وطئ الموت بالموت". لقد صالحنا مع القيامة. نموت غير مقهورين وعينا قلبنا مفتوحتان على الملكوت الذي أطلّ علينا بالمسيح "اقترب ملكوت السماوات". نذوق الأشياء التي وُعدنا بها ذوقًا. اجل يوحنا الذهبي الفم بعد انتهاء كلام التقديس في قداسه يقول عن القرابين انها «كمال ملكوت السموات» هذه عندي شطحة صوفيّة لتوحي ان جسد الرب ودمه الكريمين هنا يشبهان الملكوت الآتي بقوته اذ بعد ذلك نموت ولنا على المخلص الدالة نتحول بها عن "المحاكمة والإدانة".
وقد يكون أعظم نعمة ننالها في النزاع او قبله ان نحسّ بانضمامنا الى صدر يسوع وهذا الانضمام هو المغفرة والوعد. هذه هي الطمأنينة التي نصل اليها فيما نشعر بأن الموت على الأبواب. يقرع الباب ونتوقعه ونعرف انه ديس بقيامة المخلّص. نعرف انه هو الغالب فينا واننا ننسلخ عن حضن هذا العالم لنرتمي في حضنه محبوبين ونعرف انه يرفعنا الى صدره لكي نفهم كل شيء.
والفهم هو المجد. لذلك نتكلّم نحن على أجساد ممجّدة أي بانسكاب الضياء الإلهي عليها. كذلك نعرف ان نور المخلص سينزل على الكون بكامله فيسقط منه التراب ليمسي نورا كاملا. وكما قال الله في البدء ليكن نور فكان نور وكان هذا يوما اول سيقول في الأخير ليعمّ النور الخليقة كلها فيقول ربنا للخلائق: هذا هو اليوم الثامن الذي ينهي الأزمنة القديمة لتكون سماء جديدة وأرض جديدة نسيجهما كله من نور. «فلن يكون موت». (رؤيا 21: 4)

Last Updated on Saturday, 27 November 2010 15:18
 
Banner