للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
في التفجّع عند الموت 05/22/2010 |
Saturday, 22 May 2010 00:00 |
السبت 22 أيار 2010 بقلم المطران جورج خضر رأيت قلّة من الرجال يتفجّعون، ورأيت اكثرهم صابرين، وهذا في الديانتين، وكأن المسألة نفسانية ومجتمعيّة. هل هذه إرادة في إظهار الرجولة، وهل في بكاء النساء وما يصحبه من غلوّ متعلّق بالطبيعة الأنثوية الأقوى عندها الانفعال؟ ما من شك أن المرأة تكره الموت. ربما كان ذلك في المسيحية والإسلام عندنا لأنها الكائن الحافظ الحياة والناقل الحياة وتاليا كان الموت ضد طبيعتها. ولكن ما من شك ايضًا أن في الأمر جانبا حضاريا، فالأوربية تعلّمت أن الغلوّ في التفجّع منافٍ للكياسة المطلوبة في المجتمع الراقي. من هنا أن المسألة تبدو بالغة التعقيد مع قناعتي أن تهذيب الطبائع ممكن بلوغه على مستوى التربية.
الى هذا أظن اننا كلّنا في حاجة الى دراسة المجتمعات الدينية لنعرف تأثير العامل الديني في موت يتحوّل الى فاجعة او موت يُزيّن بالصبر. فيما شاهدته على شاشة التلفزيون أن النسوة المسلمات يبكين ايضا والرجال المسلمون يبقون على هدوئهم. هل هذا ناتج من عقيدة القضاء والقدر ومن حكم هذه العقيدة للنفوس؟ ولكن يبدو أن موت الشهادة جعل في نفوس النسوة صبرا جميلا. الى هذا هل المشهد الشيعي أعظم إيلاما بسبب من كربلائيّته ولا سيّما في العراق؟ اما المشهد المسيحيّ فغاية في السوء حتى ولو بلغ الميت شيخوخة طاعنة. لا شك أن التفجّع في هذه الحالة أقل حدّة. مع ذلك الاضطراب عميم وحقيقيّ، ولست أظن أن ثمة تمسرحا دائما او تمسرحا كبيرا. المرأة لا تطيق الموت ولا يطغى عليها الّا تهذيب للنفس فعال. أظن أن التفجّع واحد عند المسيحيات في لبنان في كل الطوائف، في الساحل والجبل، ولا فرق هنا بين مؤمنات يلتزمن عمل الله ويُمارسن الصلاة وربّات منازل لا يعرفن الصلاة الا قليلا، فلا قضاء الله في العقول ولا تأثر بمعزّين يَذكرون أن هذه مشيئة الرب، ولكن عند المعزّين كلمات استسلام. كلام من اللغة لا ينفذ الى القلوب كأن هناك طقس نوح وعويل. هذا هو الندب القديم على تمّوز. هذا هو الدين الفينيقيّ الذي يُفترض أن تكون المسيحية محته في سطوع ندائها الفصحيّ. هناك نسيان وجوديّ يحكم النفس حكما مريرا، ومواجهة صدامية بين الحياة والموت لا تغلّب فيها للحياة. قبل بلوغي المسيحية في هذه الأسطر لفتني في القرآن ما جاء في سورة الزمّر 43: «الله يتوفّى الأنفس حين موتها». هذا يعطف على قوله في آية أخرى: «ربي الذي يُحيي ويُميت»، وهذا مِثْله في العهد القديم. الموت هو ما يحدث في الإنسان بأمر من الله ويستعيد الله النفس اليه، وهذا ما يسمّى الوفاة. يقول الإمام الرازي في تفسيره ان الله «فوّض في عالم الأسباب كل نوع من أنواع الأعمال الى ملك من الملائكة ففوّض قبض الأرواح الى ملك الموت» (المجلّد الثالث عشر ص 280). دون نكران هذا التفويض الإلهي الذي هو السبب الأول اي الله ألا يسوغ أن ننظر الى الأسباب الثانية القائمة في علم البيولوجية فيكون الموت من الطبيعة بأسبابه المباشرة وليس لعلماء البيولوجية أن يبحثوا في ما يتجاوز مراقبتهم للطبيعة. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سنّ الله نواميس الطبيعة. الفكر الأرثوذكسي يقول ان الله وضعها بعد السقوط وهي الآن تحكم الكون. هناك تمييز واضح عند كل المسيحيين الآن أن هناك فرقًا بين سابق المعرفة الإلهية وبين إرادته. فالله يعرف ما سيكون، ولكن هذا لا يعني أنه قرره منذ الأزل وجعل له وقتا في زمان الناس. يأتي اذًا موتي من الدورة الكونية ثم يتوفّاني الله اي يقبضني اليه. اذا ذهب مسيحيّ عربيّ عند مسيحيّ ليعزّيه عن عزيز يقول له: »هذه مشيئة الله« اي انه لا يفرّق بين معرفة الله السابقة وبين إرادته إذ بقي وريث العهد القديم من هذه الزاوية وورث الإسلام في القضاء والقدر. ويهوّن على نفس أصدقائه الألم ولكنه لا يمنع التساؤل: لماذا كانت المشيئة الإلهية هكذا، او بتعبير آخر: لماذا أراد الله عذابي وتمزيق قلبي، او لماذا هذا التصادم بين الحكمة الإلهية والمعقولية البشرية؟ وهل نحن منتزعون شيئا من القدرة العلوية وتقويض النواميس الطبيعية التي تدور في آليتها؟ أما بعد فالمسيحية كل مضمونها قيامة المخلّص التي أبطلت فاجعيّة الموت والمسافة بين الأحياء والأموات. لقد قال يسوع عن نفسه: «انا هو خبز الحياة»، وتوسّع بهذا حتى قال: «انا هو الخبز الذي نزل من السماء. من أكل من هذا الخبز يحيا الى الأبد» (إنجيل يوحنا). يحيا فعل مستمر من الحاضر الى الآتي. الحياة الأبدية تساقطت علينا منذ موت السيد ولازمتنا أفي هذا العالم كنا أم في العالم الذي انتقلنا اليه بالموت. لذلك نسمّي الموت في عباداتنا رقادا بمعنى أنك ترقد في المسيح الحيّ اليوم وغدا والى دهر الداهرين. قيامة البشر جميعا في اليوم الأخير مستمدّة من قيامة السيد. لذلك نقول في واقعية روحية كاملة ان المسيح أبطل الموت. السماء عندنا ليست حالة كلية الجدة. هي «كمال ملكوت السموات» الذي أُوتيناه لما «صار الكلمة جسدا وحَلّ فينا». ليست السماء مدى. انها هي المسيح ومعه أحباؤه. «قام المسيح وليس من ميت في القبور» (يوحنا الذهبي الفم). لذلك تستنير أجسادنا المدفونة في الأرض عند بعثها بالنور نفسه الذي تسربل المسيح به عند انبعاثه وتبطل نواميس الطبيعة الساقطة. هذا الجسم الذي تبدو عليه في الملكوت جسم روحانيّ. فكر بولس الرسول يتجاوب وفكر يوحنا الإنجيلي فهو القائل: «الحقيقة هي أن المسيح قام من بين الأموات وهو بكر من قام من رقاد الموت... وكما يموت جميع الناس في آدم، فكذلك هم في المسيح سيحيون... الإنسان الأول من التراب فهو أرضي، والإنسان الآخر من السماء... وكما لبسنا صورة الأرضيّ، فكذلك نلبس صورة السماويّ... فأين نصرك يا موت؟ وأين يا موت شوكتك» (1كورنثوس 15). امام هذه الأقوال اذا استوعبناها، أين مطرح التفجّع اذا رحل عنا قريب او صديق او جار؟ كيف نسمح للأعصاب أن تثور. لنا أن نبكي كما بكى يسوع على صديقه لعازر. ولكن ليس لنا أن نقع في اضطراب وجود. لنا أن ندمع كمن لهم رجاء. المسيحيون الأوائل كانوا يرتدون ثيابا بيضاء عند موت. من أين أتت الثياب السوداء وهذا اللطم للوجوه؟ هل ظللنا على الديانة الفينيقيّة ولم يعبر المسيح الحيّ الى قلوبنا؟ الفصح يا إخوة ليس عيدا وحسب. انه حياة جديدة تُقيمنا في السلام فإن المسيح سلامنا. انه هو طبيعتنا الجديدة ونورنا والهدوء. عند وفاة واحد منا نقرأ عليه المزامير في البيت حتى نقيم جنازة كلها رجاء. كيف نُبيّن أننا أولاد الفرح. أيقوم رجل مقدام مؤمن بالقيامة ليُقنع أفراد عائلته بأنهم مدعوّون أن يعيشوا قياميا ويلتزموا السلام وهدأة التصرف عند حدوث موت. اذا تصرفت إحدى العائلات هذا التصرّف ويتبعها العاقلون. |
Last Updated on Wednesday, 21 July 2010 12:19 |
|