Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 2010 المسيح الوسيط 05/29/2010
المسيح الوسيط 05/29/2010 Print Email
Saturday, 29 May 2010 12:38
Share

المسيــــــح الوسيــــــط

المطران جورج خضر جريدة النهار السبت 05/29/2010

 

لماذا وبأي معنى قال بولس: "يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح" (1تيموثاوس 5:2)؟ الفكرة الأساسية انّ "الله صالحنا لنفسه بيسوع المسيح" (2 كورنثوس 18:5) اذ كنا مقصيين عن بنوته باعتبارنا ابناء الغضب. كنا من حيث اننا مثل آدم ورثة معطوبيّته منفيين خارج الفردوس الذي هو كلمة عامة تعني الوجود في حضرة الله دون ان تدل اللفظة على المتعة بالغبطة الكاملة ودون ان تشير الى مكان ولكنها بالإضافة الى هذا في المصطلح المسيحي الشرقي تصف وضعنا بعد الموت اذا توفانا الله. ففي الأرثوذكسية لا يبلغ الصالحون السماء الا بعد القيامة ولكنهم في جوار الله وفي انتظار الخيرات النهائيّة التي نرثها مع كل المخلَصين.
كنا في نظام الكلمة النبوية والأنبياء ونجونا بعد ان فضح الناموس الموسوي شقاءنا وكشف لنا الخطيئة، وهذا كان فقط نفعه، غير اننا اقتربنا من الرجاء بورود الكلمات الإلهيّة التي حاولنا ان نجعلها مسكننا ولكنا كنا نحتاج الى مسكن كامل نبيت فيه الى الأبد هو الكلمة الذي صار جسداً وحلّ فينا ورأينا مجده... ولما كنا أبناء أرسل الله روح ابنه صارخا يا أبّا اي يا أُبيّ.
في لبس المسيح ناسوته اكتسب الطبيعة البشرية ومحا صكّ العبودية بعد ان قال: "لا أعود أُسمّيكم عبيدا... لكني قد سمّيتكم أحباء" (يوحنا 15:15). كشف بنوّتنا لله بفضل ظهور الله ابنه بشرا وهو حامل ملء اللاهوت جسديا. بسبب من هذه الثنائيّة في كيانه استطاع ان يكون وسيطاً بين الله وهو مولوده والبشر الذين هو مولودهم أيضاً. وساطة المسيح بين الله أبيه وله جوهره والبشر وهو من جوهرهم باتت ممكنة لأن الابن تأنسن مع بقائه واحدًا مع الله، وهو في ناسوتيته المتسربلة الألوهة استطاع ان يكون وسيطا. ولهذا قال الرسول ان الوسيط هو الإنسان يسوع المسيح.
الوساطة اذًا هي الخلاص الذي تمّ مرة واحدة وفي زمان واحد في التدبير الصائر في الموت كما نرتل في سحرية السبت العظيم. ولكون الأمر هو هذا، لا معنى للقول الشائع في الغرب ان مريم مشارِكة في الفداء. هي لا تستطيع ان تكون فاعلة الخلاص لكونها بشرا محضًا وهي مخلَصة (بفتح اللام). ان الكلام "الشعري" عن مشاركتها في عمل الخلاص ينفي عن السيد حصرية الخلاص فيه.
واذا قالت الكنيسة البيزنطية "يا والدة الإله خلصينا" وما يشبه هذا، فهذا ايضا كلام شعري يفيد ان تفعيل الخلاص المعطى لنا بنعمة يسوع المسيح وحده تحمله الينا مريم من حيث انها تطلبه بصلاتها لا من حيث انها تكمّله كفاعلة. الصلوات ليست بالضرورة مصدرا للعقيدة وقد كتبها أتقياء بزخم تعلّقهم بالقديسين وبلا دقة لاهوتية أحيانا.

 

• • •

 

ان استعمالنا لجذر توسّط منطبقا على العذراء والقديسين لا يعني أكثر من ايماننا انهم في مشاركتهم القوى الإلهية يبتهلون من أجلنا. ماذا يعني هذا الابتهال وما هي دعامته الكتابية او التراثية ليس مجال تأمّلنا اليوم. انه التعبير عن وحدة أهل السماء وأهل الأرض في التوجّه الى الإله الواحد. وفي إدراكنا للكنائس الإنجيلية نرى انها غافلة عن الشعور بهذه الوحدة التي نسمّيها شركة القديسين. ان قيامة المسيح تعني لنا انها فاعلة اليوم أي بين زمانها والزمان الأخير. نحن ننظر الى مَن هم في المجد ونخاطبهم لأن "الله ليس إله أموات بل إله أحياء". نحن نؤمن بأن الزمان الحاضر، زمان الكنيسة مدى خلاص قائم ومعطى فعليا وليس فقط مُرجأ الى ما سيكون. نحن لا نتصوّر ان الزمان فارغ من حضور المسيح ولا نتصوّر أن الزمان يحكمه الموت وحده.
عندما نرتل "المسيح قام" نؤمن أن هذه القيامة تلف جسدنا هذا المائت وتلسعه لسعة فصحية. اعترف بأن بولس ذكر القيامتين فقط لأن قرّاءه اليونانيين كان منهم مَن شك في القيامة الثانية، وأما تجلي الطبيعة الإنسانية أي امتلاؤها من المسيح الحي فيعني ما قلناه والا ما معنى حديثه عن الخليقة الجديدة. الا ان فصحية الانسان واضحة كثيراً عند يوحنا: "من يؤمن بي فله حياة أبدية" "والحياة الأبدية هي أن يعرفوك" انها الآن.
أظن اننا في إطار الوساطة ينبغي أن نفهم قول السيد في يوحنا "لا أحد يأتي الى الآب الا بي". هذا كلام في سر التدبير الذي تحقق على الأرض بانعطاف سر اللاهوت وعليهما يقوم الكشف أو الإعلان المسيحي. انت تأتي من الأرض، من الفداء، الذي حصل على الأرض وارتضته السماء. انت تصعد الى السماء لأنك نزلت من السماء بالروح القدس. الذهاب الى الآب للإنسان يبدأ بالمعمودية التي هي امتداد المسيح الينا بروحه. هذا مستمَدّ من سر التدبير وهذا يتعلّق بالكلمة المبشَر بها. تذهب الى صاحب الكلمة إن سمعتها وهذا في حركة المسيح الى الآب. هذا كلام لا ينطبق على الذين لم يُبَشَروا بالإنجيل ولم يسمعوه.
هنا على الأرض لم يكشف المسيح "المسيحيّ" نفسه الى كل الخليقة. على مدّ آلاف الكيلومترات طولا وعرضًا في الصين لم يسمع أحد بيسوع الناصري. كيف يأتي هؤلاء الى الآب؟ فالزعم أن الإنجيل بُشّر به في كل مكان كلام هراء. الكنيسة المسيحية محصورة في الغرب والشرق الأوسط وبعض المناطق القليلة جدا في آسيا، ولم تسمع بها مناطق أفريقيّة كثيرة، فكيف يأتي هؤلاء الى الآب؟
الإيمان شرطه التبليغ، ومَن آمن من بعد تبليغ يَخلُص. لكن التبليغ ليس هذا الذي يصل الى الأذن ولكن ما يصل الى القلب. أما لماذا يحدث عند هذا ولا يحدث عند ذاك فهذا سر غير مكشوف لنا. عندما يقول الكتاب: "ومَن لم يؤمن يُدَنْ" يتضمّن هذا الكلام أن البشارة حصلت ووصلت الى القلب وعندئذ يعلنه الإنسان باللسان.
لقد كشف المسيح ابنِيّة الإنسانِ لله. هناك من يعرف ابنيّته، وهناك من لا يعرف. هل يبطل هذا أن يكون ابنا؟
هناك افتراض ايمانيّ أسوقه هنا بشكل سؤال: هل يكشف المسيح نفسه لكل ميت من بني البشر ليتحقق قوله: "لا يأتي احد الى الآب الاّ بي"؟ في هذا لم ينزل علينا شيء من السماء. ولكن اعتقادي أن المسيح الظافر يحتضن كلّ من توفّاه الله، كل نفس مات صاحبها. لست أتعرّض الآن الى إقرار لم يرد في الإنجيل. هل يخلص الإنسان الى أي دين انتمى؟ هنا يدخل الرجاء، رجاؤنا أن المسيح يتخطى كل انتماء روحيّ في الأرض ليجمع ابناء الله من كل الحظائر الى أبيه. "لي خراف ايضا ليست من هذه الحظيرة".
انا لم أتكلّم عن مساواة كل الأديان في الحقيقة. رجائي أن تتغلّب محبة الله على كل الحدود لأن الله محبة. الله لا ينقض ما قاله. ولكن هل ما أعلنه هو كل الإعلان أم أن حنانه هو كلمته الأخيرة ولو قلت ان قول مسيحه: "لا أحد يأتي الى الآب الا بي". لو قلت كلام يسوع نسبيّ وليس مطلقا أكون قد كفرت. ولكن كلامه مرتبط بسر موته وظفره بالموت أي انه ينبغي أن نقرأ كلام المعلّم على ضوء هذا الذي حدث وعلى ضوء الغفران لكل بني البشر.

 


Last Updated on Wednesday, 21 July 2010 12:18
 
Banner