للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
معمودية المسيح 01/09/1993 |
Saturday, 09 January 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت في 9 كانون الثاني 1993 المعمودية لفظة معربة ذكرها تاج العروس كما ذكرها الإمام البيضاوي في معرض تفسيره للآية 138 من سورة البقرة: "صبغة الله ومن احسن من الله صبغة". وفي لغة الكنيسة يُقال ليوحنا الصابغ وهو يحيى بن زكريا في القرآن. واصطبغ بالمصطلح المسيحي اقتبل صبغة المعمودية. أي صبغة اقتبل المسيح والمسيح صيغة فعيل فهو الممسوح في ناسوته بنعمة الروح. هذا ما حصل له في نهر الأردن لما اقتبل كاليهود صبغة يوحنا وهي المسماة معمودية التوبة فإنه بعد ان ظهر يسوع واراد تدشين ملكه اتى من الجليل الى الأردن قاصدًا يوحنا ليعتمد عن يده. اليهود كانوا يعتمدون عند هذا معترفين بخطاياهم، ذلك انه قال لهم: "توبوا قد اقترب ملكوت السماوات". فسوف يأتي المليك العظيم ولا بد لكم ان تستقبلوه. غيروا روحكم تصيروا بشرًا جددًا. "ها هي ذي الفأس على أصول الشجر". اصطبغوا بتوبتكم فإنه سيأتي مَن يعمدكم "بالروح القدس والنار" فالروح سوف يمحصكم كما تمحص النار المعادن. جاء يسوع الى النبي كالتائبين وطلب الصبغة فجعل يوحنا يمانعه فيقول: "انا احتاج الى الإعتماد عن يدك، أوأنت تأتي إلي؟" وكأنه يقول كيف يتنازل الأعلى الى الأدنى. إذ ذاك يصدعه قول للسيد مذهل: "دعني الآن وما اريد، فهكذا يحسن بنا ان نتم كل بر". فالعلو ان يندمج البار بالخاطئين، ان يتوحد بهم فإنه اذا نزل يرتفع. يظهر نفسه ميتًا في الماء. طريقه هي الموت. الماء كان اول قبر له فلن يكون ظفره بحرب قومية اشتهاها اليهود. سيكون له ظفر آخر يرسمه بخروجه من الماء كمن يخرج في قيامة. زعمي ان المعنى الرئيسي لصبغة السيد نستخرجه من الإنجيل الرابع ومكانته الاساسية بين البشائر انه إنجيل المعاني بامتياز. وفي الفصل الذي يعنينا قول الصابغ عن المعلم: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم ". يستدعي هنا يوحنا الرسول صورتين من العهد القديم. من جهة أولى يسوع الناصري هو العبد المتألم: "هوذا عبدي يوَّفق/ يتعالى ويرتفع ويتسامى جدًا" (اشعياء 52: 13) ثم: "لقد حمل هو آلامنا واحتمل اوجاعنا... كحمل سيق الى الذبح/ كنعجة صامتة امام الذين يجزونها". من جهة ثانية هو حمل الفصح: "قد ذُبح حمل فصحنا، وهو المسيح" (1كورنثوس 5: 7). إنه الحمل الذبيح قبل إنشاء العالم. إعتقادي ان انجيل يوحنا يتحكم بقراءتنا للأناجيل الإزائية (متى، مرقس، لوقا) اي اننا في معمودية المخلص امام حديث موجز عن الفداء كما كنا في الميلاد حتى يستقيم القول ان ما من كلام إلا عن الفصح كائنة ما كانت وجوه التعييد. ولذا أتى الغطاس اعظم ذكرى من بعد العيد الكبير. *** كل شيء يبدو وكأن اصطباغ المسيح حدث ولاهوت. الروايات الثلاث تقول ان السماوات انفتحت او انشقت عند خروج يسوع من النهر وكأنه يقول اننا امام وحي يوحى. الماوراء ينكشف والسر الوحيد الذي أُغلقت دونه الأرض يُعلَن فغدت دنيانا سماء جديدة ففي هذه الدنيا في برية الأردن حُكيت حكاية الله.ماذا جرى في معمودية الناصري حتى اولتها الأناجيل هذه الأهمية؛ يسوع يستغرق في الماء والماء مادة الكون. منذ تلك اللحظة يصير في نسيج الكون. كان قد بدأ إيغاله في هذ العالم عندما حلّ في حشا امرأة. الآن يظهر للعالم أنه فيه. قبل ذلك، في الوثنية، كان للملوك ظهور. وكان اهل الوثنية يعيدون لظهور الملوك-الآلهة. اما هنا فالظهور يبدأ باختفاء السيد في بطن الأرض. هذه طبائع المسيح ان التنازل عنده طريق الرفعة .فعندما تحدث الكتاب عن ارتفاع المسيح الى السماء من بعد قيامته جعل هذا التضاد بقوله: "ما المراد بقوله صعد سوى انه نزل ايضًا الى اسافل الأرض (بالموت طبعًا وكذلك بالمعمودية الرامزة الى الموت) فذاك الذي نزل هو نفسه الذي صعد الى فوق السموات كلها ليملأ كل شيء" (أفسس 4: 9و10). المعمودية فصح مرسوم. ولقد رأى بولس هذا اذ تكلم عن معمودية المسيحيين فقال: "او تجهلون اننا، وقد اعتمدنا جميعًا في يسوع المسيح، انما اعتمدنا في موته (ومن يقرأ اليونانية يفهمها اننا اعتمدنا في حركة الى موته) فدُفنا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن ايضًا حياة جديدة" (رومية 6: 3و4). لقد غدونا نقترب من سيادة المسيح عندما تأملنا سر تواضعه. عندئذ فقط نشاهد امرين: الروح القدس ينزل على المسيح في صورة جسم كأنه حمامة. يكشف هنا الروح بشكل منظور ما كان عليه منذ الأزل إذ كان مستريحًا في الإبن. إنه الروح المؤيد كما جاء في الترجمة اليسوعية الجديدة. وفي سورة البقرة (الآية 88) "وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس". قال البيضاوي: "وايدناه وقويناه وقرىء آيدناه بالمد بروح القدس بالروح المقدسة (القداسة هنا صفة الروح)... اراد به جبريل (وسواه من المفسرين اقتصر على جبريل) او روح عيسى... او الإنجيل او اسم الله الأعظم الذي كان يحيى به الموتى". "روح عيسى" تفسير مطابق للإنجيل الذي يسمي احيانًا الروح القدس روح يسوع. الى جانب الروح القدس بصورة جسمية (بلا تجسيم كياني) أتى صوت من السماء يقول: "أنت ابني الحبيب/ عنك رضيت" (رواية لوقا). هذا يذكرنا بكلام اشعياء: "هوذا عبدي الذي أعضده/ مختاري الذي رضيت عنه نفسي/ قد جعلت روحي عليه" (42: 1) هذا مستهل ما يسمى عند المفسرين النشيد الاول من "اناشيد عبد الرب" الاربعة. إنه العبد المتألم. فتسمية عيسى بالعبد في القرآن لا تزعجنا . نقبلها في إطارنا اللاهوتي. "عبدي" صارت في الترجمة اليونانية السبعينية غلامي او ابني واقتبلها يهود الشتات والإنجيليون هكذا. فعبارة "ابن الله" جاءت هنا في سياق الموت والمعمودية كلها في مسيرة آلام المخلص وقيامته. والراسخون في العلم يقولون لنا ان مقولة "ابن الله" لا تطلق علي ألوهية المسيح حصرًا ولكنها تحمل ثنائية اللاهوت والناسوت كما ان عبارة "ابن الإنسان" لا تطلق على بشرته فقط. والأناجيل التي بين ايدينا -ولا نعرف إنجيلاً سواها لئلا نتحدث عن إنجيل مفقود لا أثر له تاريخيًا- الأناجيل تكشف تعبيريًا وحدة المسيح مع الآب لا تقاس بها اي وحدة ادبية لأحد منا مع الله. فالكنيسة مفسرة مستقيمة لهذه النصوص عندما تفهمها في العيد على انها تتحدث عن ظهور للثالوث المقدس.ولكن الرؤية الكاملة لسر صبغة المسيح انه عُرف ابنًا لله بسبب من الصلب والقيامة، هذا السر الواحد الذي بان لنا رمزيا على ضفاف نهر الأردن لما كان يوحنا يعمد. |
|