للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
هل من وحدة مسيحية؟ 01/30/1993 |
Saturday, 30 January 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت في 30 كانون الثاني 1993 صلّى المؤمنون هنا وثمة من أجل توحد العالم المسيحي على رجاء ان يحل اعجوبة من السماء. ذلك ان ما أتت به خطايانا واقع جرحا ولا يلتئم بإرادتنا المكبلة هي ايضا بالخطيئة وما اعطينا وعدا اننا سنعود كنيسة واحدة في حيز التاريخ البشري. لقد دعا المخلص ليكون تلاميذه واحدا وتوا بعد الدعاء خان أحدهم، والآخر جحد المعلم. وقد تباعدت آفاق التقارب في السنوات الأخيرة وظهرت معالم التشدد بسبب من انقسام الشعوب في اوربا الشرقية والبلقان فإذا بالكنائس من بعد ان تحررت بسقوط النظام الشيوعي تعي ذاتها وماضيها وانها واقفة إزاء الكنائس الاخرى. الوحدوية في انحسار حتى المأزق وكأن واقعية الجماعات تحل محل الهدوء الالهي والسياسة التي افسدت العلائق بيننا جيلا بعد جيل تعود من الباب العريض وتكاد توصده.ونحن لسنا في صدد محاكمة للنيات. الا انه يبدو موضوعيا للمراقبين ان الحركة التقاربية في انتكاسة كبيرة كان من إماراتها ان الجمعية العمومية للجنة العالمية الكاثوليكية الارثوذكسية التي دعيت الى البلمند في حزيران الماضي لم تنعقد ويقال ان مرد ذلك يعود الى امتعاض الارثوذكسيين في اوربا الشرقية من تقوية الفاتيكان للكثلكة في تلك البلدان ومن إعداد مئات المرسلين في بولونيا لغزو الكنيسة الروسية. القلق على الكيان الارثوذكسي قائم في مساحات من اوربا كبيرة. وذروة آلام الارثوذكسيين في تشيكوسلوفاكيا السابقة حيث طردوا (بضم الطاء) من كل كنائسهم فيصلّون في البراري. هذا الواقع الصادم تسنده مواقف لا هوتية في دوائرالفاتيكان تبدو للمطلعين على الحركة المسكونية تراجعا صريحا عن روح المجمع الفاتيكاني الثاني وردة مغالية في المحافظة. "تبشير اوربا" - العبارة التي استعملها البابا الحالي - تظهر للمسيحيين غير الكاثوليك على انها تناقض مفهوم الكنائس الشقيقة الذي أطلقه بولس السادس. كيف يبشر (بفتح الشين) من كان مبشرا (بفتح الشين)؟ ذكرت ذلك بإيجاز كلي - واستغفر الله - لتبيان ان المسيرة المسكونية ليست على ما يريدها الله لها. فمن مقتضيات المسيرة وضوحها وتشخيص الداء الذي يعتريها. فإن كنا كنيستين تمشي الواحدة نحو الأخرى وبالحري ان كنا نلتمس مرافقتهما على دروب المسيح فيجب ان نتفق اولا على ما اتفق عليه اللاهوتيون في كل مكان وهو ان اقتناص الجماعة المسيحية للجماعة الاخرى لا يرضي الرب. هذا غدا من مكتسبات الحركة المسكونية ولست اتوسع فيه الآن. فأخوك أخوك بخصائصه وليس هو اياك وتقبله على فرادته. وليس من شأني ان أفسر هذه الهوة القائمة بين اللاهوت الكاثوليكي الذي يعترف بقداسة الارثوذكسية وأسرارها وبين السياسة الفاتيكانية التي لها على الأرض منهج آخر. ويحزنني اني استلمت فيما مضى رسالة او رسالتين تقولان انه من باب التوحد ان ينضم الارثوذكسيون في روسيا الى الكثلكة. طبعا هذا ليس بمصالحة تاريخية وليس تلاقيا لاهوتيا. السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه هو هذا : ان كان كل منا خروفا في حظيرة السيد فهل تجوز عملية النتش من الحظائر؟ *** وما يزيدني حزنا ان القلوب الطيبة تتهرب من المواجهة لأنها ملّت الانقسام. ولكن الداء لا تشفى منه ان سكت عنه. الوحدوية المسيحية ليست مصانعة ومجاملة على الطريقة اللبنانية. هي تبدأ بشفاء النفس بالحب الالهي ومن هذا الحب الصفاء وما عدا ذلك مذهبية متشنجة. "ان كان لأخيك شيء عليك فاذهب اليه وعاتبه". فاذا كنت انت في المسيح فلا يسعك ان تزكي تصرف القيادات في جماعتك فكرا او عملا. ليس من زمن بعد الحروب الصليبية كان اسوأ من زماننا على صعيد العلاقات بين الكنائس. وهذا يملأ النفس كآبة لا بعدها كآبة وكأن الوحدة الوحيدة التي يسوغ الكلام عنها هي وحدة العاصفة التي تعصف بنا أجمعين. ولا يرقدنّ المسيحيون اللبنانيون على الحرير اذا هم قالوا: ان أمر سلوك الكثلكة في اوكرانيا وروسيا البيضاء ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا السابقة ويوغوسلافيا السابقة لا يهمنا. ان الكاثوليك اللبنانيين "امة واحدة" مع كاثوليك اوربا ونحن ننتظر منهم كلمة شجب لما يحصل هناك. عندما يدمر الكرواتيون عشرين كنيسة وديرا في أبرشية الهرسك الارثوذكسية فأين تقف الطوائف الكاثوليكية في لبنان ؟ واذا صلّى ارثوذكسيو تشيكوسلوفاكيا جميعا في الحقول وعلى مد الثلوج فإلى أين مآل الأدعية فى اسبوع الصلاة من اجل وحدة الكنائس ؟ لقد باتت الوحدوية كما عيشت حتى الآن على باب الإفلاس. هل نغطي الجرح بدعوتنا الى إقامة الفصح معا ؟ اية قيامة تكون للجماعات التي تصمت عن اقتحام الجماعات الاخرى ؟ إن هذه ماتت من سيبقى لينشد فصحا ؟ مع ذلك انا وحدوي ووحدوي في المسعى اللاهوتي لأن "النير ألقي علي". ونحن في السعي في صفاء كامل بسبب من الأمر الإلهي ولكننا نناشد الإخوة بما فيهم من إخلاص وبما هم مع المقهورين. كنيسة المسيح هي الكنيسة المشردة في كل مكان. نحن نعرف ان "ليست لنا مدينة ثابتة" وان لنا المسيح في أقسى ظروف الزمان. ولذلك نحن لا نشتكي لأن "آلام الزمن الحاضر لا تعادل المجد الذي سيتجلى فينا... فإننا نعلم ان الخليقة تئن الى اليوم من آلام المخاض". ليسمح لنا بالأنين. وكم كنا سعداء لو شاركنا جميع مسيحيي هذا البلد الأنين. مسيحيو لبنان يريدون التمظهر بأعياد موحدة ومآتم واحدة وأعراس يجمعهم فيها الفحش ليكونوا متمدنين. هذا تنسيق ما يبدو على سطح الشوارع وان يبقى كل فريق منهم على سلطانه ويخافون التفرس بالأمجاد فيما هي تهوي ولكونهم يقبعون في الخوف يريدون ان يقال عنهم انهم واحد. هاجسهم هذا اللقاء الأفقي بين الطوائف على الا يختل شيء من التوازن في ما بينها. يعاملون بعضهم بعضا تعاملا مجتمعيا واما المؤسسات والمال وما اليها فلا مشاركة فيها ولا رأي لأحد عند أحد فيها. اللبنانيون يقبلون الى الفحش ليسمعوا انهم متحضرون ويتكلمون الفرنسية (هذه أمست وحدة البورجوازية عندنا) ليقال على انهم على شيء من العلم. لا تجعلوا المسعى الوحدوي بين المسيحيين كلاما او تبرجا ولا تضحية فيه ولا تدعوه ثرثرة اخصائيين. المسيح، المسيح في كل نفس هو وحده الملتقى. والمسيح لا يتسطح فإنه مدقوق بمسامير على خشبة. المسيح صلب عاريا بالكلية (لا كما يمثله الحياء الفني) ليقول: انك تقبله كما هو او لا تقبله. انه الكائن الوحيد الذي لا تستطيع ان تجعله على صورة تفاهتك. لذلك كان الوحدوي مشدودا، في ضيق طائفته وفي ضيق الطوائف الأخرى لأن الوحدوية حرية من وطأة الجماعات في سخافتها، حرية من أجل الحب، في سبيل إقامة كنيسة وفق قلب السيد لا تتبرج ولا تساير ولا تخاف. اجل المسكونية في انحسار. هذا عثار تاريخي نرجو ان نتخطاه. ليس في هذا كل المأساة. القولة الرهيبة هي هذه: "كن باردا او ساخنا، لا تكن فاترا لئلا يتقيأك فمي". من يعطينا مسيحية من روح ونار؟ عند ذاك لا نسأل عن اشكال الوحدة. نكون نحن قد صرناها. |
Last Updated on Saturday, 22 January 2011 04:35 |
|