للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
مراتب الوجود 02/06/1993 |
Saturday, 06 February 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت في 6 شباط 1993 العمر رياضة. طوبى لمن أعطي له فيها ان ينتقل من محطة الى محطة ليجني من كل مرحلة الأفضل. وهنا لا أتحدث عن الطفولة والشباب والكهولة فقد عرفت هذه الثلاث وأراني اطل على الشيخوخة. وليس عند كل قفزة ما يعني الكثير لأن المهم فيها جميعا اليقظة وألا تنهزم امام عثرات كل سن، الا تسكر بالشباب ولا تحزن اذا ألقت عليك السنون ثقل تجاربها والخطيئات. انا متحدث عن مراتب وجود حددها پاسكال على انها مرتبة الجسد ومرتبة العقل ومرتبة المحبة. اما مرتبة الجسد كما أصفها هنا فلها جانبان: جانب الجمال وجانب المجد. وأشاطر الفيلسوف الفرنسي في انها أدنى مراتب الوجود. هل للجمال وظيفة؟ احيانا كثيرة يجب ان تطهر من إغرائه. انه لغة ممكنة، قوة صعود الى ما يفوقه. لذلك لم يعره افلاطون قيمة من حيث انه جاذب للرؤية او الحس إطلاقا. انه دعانا به الى تأمل الجمال المطلق الذي تدل عليه الأبدان ولا سيما اذا تناغمت في طقوسية الرقص والرياضة. ولعل فيذياس الذي كان ينحت حيث كان افلاطون يعلم لم يرَ في كمال الجسد اليوناني الا إطلالته على السماء. طوبى لمن استطاع ان يرى الله من خلال ما تبصره عيناه. الكثرة تفرق في ما تشاهد ولا ينجيها أحد. فالناس امام ما يجذب في عبادة. من هنا الاستعراض وان نجعل اللحم في تناسقه تيها ومتعة لا بعدية تسموها. والى هذا عشقنا للصحة وانحسارنا امام المرض وانغلاقنا دون الرؤى التي تنكشف لنا اذا هذا البدن أخذ يتساقط. انا لا انكر عزاء العافية ولكن يؤذيني التباهي بها. انت ان لم تتقبلها حنانا إلهيا ومقام شكر لا تكون قرأت فيها الا هذا الانسجام والتوازن بين الوظائف البدنية شرطا لمكافحتك الموت. انت في عبودية الجسد خشية الموت. واما مع المرض فكثيرا ما تكون في التواضع وإذلال النفس امام الله والمشاركة بينك وبين السقماء في لطف لا بعده لطف. ليس في الوجع كارثة وما في انحدارك هذا المنظور لعنة. ومن كلمك بهذا الكلام يعرف مراسم الأوجاع منذ طفولته. هو عشيرها يوما فيوما. انها هذبت أقرانه، هذا الجمهور الرائع من الذين يذوقون عظما كسيرا ولحما جريحا. *** واعلى مرتبة في الجسد الفخار وهو خلاصة التفاهة فينا. بأية قوة يدعونا بولس ان نقول: "من افتخر فليفتخر بالرب" وهو يوحي بأن المال والمجد الذي يلازمه انما مآلهما الى العدم ان لم يكونا العدم. ان تنقذ نفسك من الثروة بتبديدها حبا بمن أشرف على الجوع وأذله منظر الفحش، ان تؤمن حقا بأن وجودك ليس من الأرض ولا مارسته عليها هذا هو غناك. ما اجملها قولة لهذا المتصوف البيزنطي الكبير مكسيموس المعترف لما قال: "انت تملك ما تعطي". اذ ذاك، تسجل نفسك انسانا وتكتب في سفر الحياة. ليس من شيء خارج عنك يبني لك مجدا. بهاؤك مما فيك اي بما اودِعته. فقد يستقبحون وجهك ويستقبحون فقرك وانت أجمل منهم وأغنى لأنك عند الحكماء قائم بنفسك وعند معاشر المؤمنين انت قائم بالإله الذي فيك. والأثرياء يزيدون مالهم استمتاعا بدنياهم وطلبا للسلطان فيها وانت أعرضت عن المتعة لكونك تفرح حقا بوجه الله وبالله مرسوما على وجوه احبائه ويغنيك هذا. وانت كفرت بالسلطة لأنها وليدة الخوف وبت لا تخشى شيئا ولا تخشى أحدا. "لا تخافوا ممن يقتل الجسد" وانت مقيم في فرح لا يقدر احد ان ينتزعه منك ولا يصيب احد من الناس فيك مرمى والمحبة تكفيك طعنة تستلذها وتسكن انت جراحك. *** هذه كلها كانت مرتبة الجسد كما نعرفها في لغة العهد الجديد وتعلوها مرتبة العقل وانت أدركتها من هذا النسك الكبير الذي يكون عليه المثقفون وهي المجال الذي جعلهم عارفين الكون وحاكمين فيه. والتجليات العقلية مغرية اذا قيست باللذات والمجد العالمي والذين لا يعرفون الا هذا لا يفقهون شيئا من أعماق الفكر الجاهد العميق. والمثقفون الحقيقيون هم ملوك الأرض لأنها كلها فيهم وهم ليسوا منها. وهؤلاء لا يسحرهم مال ولا سلطة لأنهم هم كبار العالم. وعظمتهم في قضائهم على الجهل وغالبا ما كان أداة التعصب وطريق الإدعاء. العلم فى أعلى ذراه حرية وعتبة ممكنة من عتبات الفضيلة وهو الأرستقراطية الحق في دنياك. قلت: عتبة ممكنة ولم أقل ان العلم بما فيه العلم بالإلهيات هو بالضرورة منقذ من الضلال. العقل لا ينتج حبا. ان كل المعارف الكونية لو استجمعها واحد تبقيه على منصة المعرفة وكل بريقها وما فيها من استلذاذ عقلي ولكن قد يكون هذا آخر المطاف اما "العلم سيبطل" بما في ذلك العلم بشؤون الله فإن معرفة ما قيل عنه ليست بذوقه اذ لا يتنزل عليك شيء من الله ما لم ترَ حبه لك وبهذا تستغني عن كل شيء. فلك ان تنصرف عن الجسد بما فيه من عافية وجد فتأتي إنسانا قبيحا وما أصابك من هذه الدنيا نعيم ولكن الرب رآك منذ الآن عظيما في ملكه، جميلا في عينيه. لك ان تقفز من هزالة جسدك ومن فقرك الى الله دون ان تعبر المعرفة البشرية الأخاذة. فالله إله الصعاليك اولا، المهزومين في أعين الناس، غير المتبخترين في مقامات الإنس والأناقة، غير الحاذقين في الكلام، غير المنكبين على الشعر، غير المطلعين على حكمة الدهور ولكنهم شهداء الحب الإلهي، كاشفون لأنوار نزلت عليهم وباتت منهم. قد تكون على شيء من مرتبة الجسد ولكنك ان كنت من الكبار تنساها وقد تحصل على مجد كبير من هذه الدنيا بسبب من مال وسلطة ولكنك لا تهتم له ولا تبدي اهتماما وينزوي عن هذا قلبك. انت تصبح كائنا أخاذا ان أدركت محبوبيتك عند الآب وأدركت في آن معا فقرك. |
|