للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
القيامة 04/17/1993 |
Saturday, 17 April 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 17 نيسان 1993 اقدم نص لدينا عن قيامة يسوع ورد عند بولس: "سلمت اليكم قبل كل شيء ما تسلمته انا ايضا، وهو ان المسيح مات من اجل خطايانا، كما ورد في الكتب (اي في العهد القديم)، وانه قبر وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب، وانه تراءى لصخر (اي لبطرس) فالاثني عشر، ثم تراءى لأكثر من خمسمئة اخ معا لا يزال معظمهم حيا وبعضهم ماتوا. ثم تراءى ليعقوب، ثم لجميع الرسل، حتى تراءى آخر الأمر لي ايضا انا السقط" (ا كورنثوس 15: 3-8). بولس يقلد ما تقلد اعني تراثا كان ايمان الكنيسة منذ البدء. ولقد انسكب هذا التراث أناجيل ثلاثة من مؤلفيها الأربعة شهود عيان والرابع تقصّى "رواية الأمور التي تمت عندنا، كما نقلها الينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان للكلمة" (لوقا 1 :1و2). نحن امام حدث مدون في القرن الأول للميلاد. وكان التلاميذ ذوي إيمان ضعيف حتى الجبن. والنساء اللواتي ذهبن ليطيبن جسد يسوع ما كنّ في حالة توقع للقيامة والذهنية ان من مات فات وان احدا لم يخرج من القبر. ولكن ماذا حصل؟ لا أحد يقول انه شاهد "الجثة" تنتفض والإنجيليون ما تحدثوا عن جثة ولكن عن جسد يسوع فإنهم فهموا من بعد رؤيتهم المعلم ان الفساد لم ينل منه. ان قول التلاميذ بالقيامة بعد ان كانوا منهارين غدا على هذا الإصرار الذي قادهم الى السجون والموت الاستشهادي. الأمر الطبيعي لمن كان مهددا ومقهورا ان ينكفئ ويقول ان القصة قد انتهت. ولكنهم قد ألحوا على ان القبر الذي زاروه انما وجدوه فارغا. ثلاث نساء يأتين عند فجر الأحد وكان يقول بعضهن لبعض: "من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فنظرن فرأين ان الحجر قد دحرج، وكان كبيرا جدا. فدخلن القبر فأبصرن شابا جالسا عن اليمين عليه حلة بيضاء فارتعبن. فقال لهن: "لا ترتعبن! انتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب انه قام وليس ههنا، وهذا هو المكان الذي كانوا قد وضعوه فيه" (مرقس 61:3-6). متى يقول الشيء نفسه. ولوقا يؤيد: "لم يجدن جثمان الرب يسوع". اما يوحنا فيتحدث عن مجيء مريم المجدلية الى القبر عند الفجر "فرأت الحجر قد أزيل عن القبر". الروايات الأربع مجمعة على ان الحدث الراهن هو ان القبر الذي كان في شكل مغارة شوهد بلا جثة فيه. ثم الروايات مجمعة على ان التلاميذ والأتباع والنسوة قد شاهدوا المسيح فيما بعد. والنصوص تتكلم عن هذه الظهورات المتعددة فيذكر متى ترائي المخلص لهم في الجليل ويروي مرقس ان السيد تراءى اولا لمريم المجدلية ثم "لاثنين منهم كانا في الطريق، ذاهبين الى الريف" لعلهما هما اللذان يذكر لوقا انهما كانا ذاهبين الى قرية عماوس. اما الإنجيل الرابع فيقص ترائي يسوع لمريم المجدلية ثم للتلاميذ ثلاث مرات. لا يهمنا هنا اختلاف الروايات فهذا أمر يتعلق بتصميم كل كاتب من الأربعة لسفره ومتصل باللاهوت الذي يريد نقله. ولكن عندنا في مجموعة الأناجيل احد عشر ظهورا لرجل كان يمكن لمسه وجسه وآكل تلاميذه مرة عند بحر طبرية. ان اختلاف الروايات ان دل على شيء فانما يدل على ان الذين تعاصروا عند وضعهم هذه الكتب لم يتشاوروا او يتوافقوا على وضع ترتيب واحد للأحداث التي عقبت القيامة وهذا مما يؤكد نزاهتهم في الرواية. سوف نجهل الى الأبد عدد الظهورات وتعاقبها ولعل العهد الجديد لم يروها جميعا وليس لهذا أهمية عند المسيحيين لأن الحدث الأساسي هو القيامة نفسها وعليها يجمع الرواة الأربعة. الحقيقة هي في جملة ما قيل لا في هذه الجزئية او تلك ولا سيما ان المسيحيين اعتقدوا منذ البدء ان في الإنجيل الملهم تأليفا بشريا ومساهمة بشرية ويرون ان اختلاف الرواية غنى وان البشائر إطلالات لله مختلفة بأقنية انسانية. *** وقد اعتبر المسيحيون الأناجيل نفحات الهية لا تنزيلا على قوم يسجلونه تسجيلا. الإنجيليون يتلقون هذه النفحات ولكن الروح لا يقهرهم او يغتصبهم. انه لا يعطل عقولهم وأقلامهم. الإنجيل هو هذا التلاقي مع الله وكلمة الله هي في الكلمات ولكنها ليست الكلمات. البيان او الكشف الإلهي هو المسيح نفسه لكونه هو الكلمة والإنجيل يشهد له. والإنجيل يشهد للحدث الذي كان هو الكشف: هنا أتاك بحدثين: القبر الفارغ والظهورات وكيف اقتبلها ناس أقاموا في الخوف اولا ثم آمنوا بهذا الذي جاء اليهم وعرفوه بأقوال له ورؤية جراح في جسده ومشاركة طعام عند بحر طبرية. نحن امام مجموعة أدلة كافية من زاوية شهود عدول. إلحاح الرواة على الراهن والمحسوس يخرجنا عن مناخ الأسطورة وعن افتراض التوافق على كذبة كبرى. ان رجاحة العقل وقوة الروحانية عند كل بشير وقدسية حياته وشجاعته القصوى في جبه اليهود وروما تجعلنا نقصي عن الإنجيليين الهيستيريا الجماعية والخداع. من رأى قط ان انسانا قام لكي يأتي هؤلاء بأغرب حادثة في تاريخ الناس؟ هناك امر مادي وهو خلو القبر من الجثمان وهناك صدق في الرواية ونص ثابت في المخطوطات وثبوت النص ما من مجال هنا للتبسط فيه ولكن أضعف الإيمان ان المؤمنين اللاحقين لم يحرفوا عمدا كتابا يؤمنون بإلهامه. اجل هناك سؤال الممكن وسؤال الكيف. هل هذا ممكن؟ سؤال فلسفي لا مجال هنا للخوض فيه. الحدث الحادث ينفي السؤال عن الممكن ولئن ابقى على السؤال في الكيف. لماذا جرت الواقعة مع يسوع الناصري؟ هنا ليس عندي جواب على مستوى العقل المحض. كل ما يمكن قوله اني عرفت ذلك من الروايات الأربع ومن بولس. اما الانتقال من جسد ذاق الموت الى حالة لهذا الجسد نورانية فهذا لا يقع في نطاق المعرفة البشرية. القيامة من حيث هي تحول من وضع الى آخر لا تقع في حيز العلم او في حيز التاريخ. موت المسيح حادثة مادية لا شأن للإيمان بها. انها تاريخ بحت قائم على شهادة الشهود. اما الإيمان فهو إدراكنا لمعنى هذا الموت. ان نقول انه موت خلاصي فهذا من الإيمان. والقيامة كذلك حدث لا نعرف كيف تم. نعرف من الإيمان لماذا تم. الكنيسة لا تتكلم عن الكيف. تتحدث عن انسان مات حقا وتتحدث عن كشفه لنفسه بعد ذلك لأحبائه وتسمي هذا التحول من مادية الموت الى نورانية الظهورات قيامة. هذا التغير موضوع ايمانها. عندنا تأكيدان في الكتاب. أولاً ان ثمة استمرارية بين ما كان عليه جسد يسوع من كمدة او كثافة opacity وما صار عليه من نور وان هذه النورانية جاءته من قوة الله وإرادة بعثه له. ثانيا) ان المسيح في الحالة التي صار اليها لن يموت. ادع الآن كل ما قاله الكتاب عن أهمية هذا الذي تم للمؤمنين وللكون. ولكن الا نستطيع ان نتحدث عما يمكن ان تكون المعجزة في نطاق الفيزياء؟ اجتهادي ان المسيح في قيامته قد ترك تكثيف جسده الى كشف ما نحن الخلائق جميعا عليه وهو اننا ذرات لا وزن لها وهي غير مرئية. نحن اصلا طاقة كهربائية "سقطت" في كمدة المادة او تكثيفها، في لا شفافيتها. ان الكلمة الالهي لم يتجسد الا باتخاذه جسدا كأجساد البشر قابلا لعطب الموت ولكن الآب اعاده الى الشفافية التي كان من الممكن ان يكون العالم عليها لو لم يسقط ويقع في كمدة المادة. ولعل بولس وصل الى هذا الحدس لما قال: "يكون زرع الجسم بفساد والقيامة بغير فساد. يكون زرع الجسم بضعف والقيامة بقوة. يزرع جسم بشري فيقوم جسما روحيا" (ا كورنثوس 15: 43 و 44). ثم يقول الرسول في كلامه عن قيامتنا اننا نتبدل "فلا بد لهذا الكائن الفاسد ان يلبس ما ليس بفاسد" (ا كورنثوس 15: 53). الله يضع في أجسادنا نورانية لم تكن. حصل هذا مرة اولى في جسد المخلص ثم يشيح فينا في اليوم الأخير. |
|