Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1993 عمل المرأة 05/01/1993
عمل المرأة 05/01/1993 Print Email
Saturday, 01 May 1993 00:00
Share

عمل المرأة  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 1 أيار 1993

ليس مرادي ان أجيء الى المرأة من الكتب المقدسة. هذه مسيرة لا اتخذها الآن منهجيا ولا سيما ان الكتب الملهمة تحمل كغيرها من الكتب سمة التاريخ وتتعذر مقاربتها بلا معرفة لزمان وحيها وسياقه. من زاوية تفسيرية لا أعتقد ان الكتاب المقدس أراد ان يفرض علينا ان "الرجل رأس المرأة". الآية الكاملة "الرجل رأس المرأة كما ان المسيح رأس الكنيسة" اي ان الزوج يصبح رئيسا اذا ذهب بمحبته حتى الموت كما السيد. من هنا المرأة قادرة على القيادة كلما عظم حبها. ثم كل التعاليم الدينية لم تحل تاريخيا دون دونية المرأة وإذلالها في كل حضارات العالم بما في ذلك الحضارة الأوربية حتى سنوات خلت ( التفريق بين الجنسين في معاقبة الزنا في فرنسا، التفريق في العمل، في حرية السفر، في الانتخابات هنا وثمة). لذلك ورد الحديث عن تحرير المرأة بعبارات المساواة حينا وبالتمرد حينا آخر، (برفض صيغة التذكير عن الله). النصوص الدينية اذا كانت أفضل من مجتمعاتها لا تطوع هذه المجتمعات لمجرد وقوع النص. فاذا نوقش وضع المرأة لا يكفي الاستشهاد بأقوال تجعل المرأة ذات كرامة. المهم هو التقصي السوسيولوجي الذي يكشف لنا واقعها وتاليا التغيير السوسيولوجي.

في هذا الإطار دونية المرأة مرتبطة بتبعيتها المادية للرجل. انه هو الذي ينفق عليها ولا فرق هنا بين ان تكون مالكة او غير مالكة اذ عليه واجب الإنفاق بالعسر واليسر وهي لا يترتب عليها واجب على هذا الصعيد. المال المبذول سبب السيادة وما من سبب سواه. المال دعامة السلطة والسعي اليه سعي الى السلطة فمن كان المال بيده يكون صاحب الأمر والنهي. ولقد اشترع الرجال فضلهم على النساء، لأنهم هم اصحاب الاشتراع ورسخوا هذا في الله فاصطنعوه على صورة ذكورتهم فجعلوه ينادي بتفوقهم على النساء اذ تتعرض سلطتهم ، بلا إله يدعمها، الى انهيار. الله راعي المصالح كلها فهو دعامة الملوك ودعامة الوالدين القساة. انه هو الشرطي الكبير الموظف عند كل ذي بأس. وفي هذا المنطق يقود جيوش اسرائيل وجيش الروم والإسلام والصليبيين وجورج بوش. واذا انتصرت الجيوش المفوضة إلهيا فهي غالبة وهو غالب بها. والبلدان مفتوحة بانهيار اسوارها كما العذراء تُهتك. وتُذل المدن تماما كما تُغتصب المرأة. من هنا التماهي القائم بين المرأة والمدينة في الشعر والفن والأسطورة. من هنا قول العرب ان الرجل يبني في المرأة.

***

طاب للرجل ان تقيم زوجه في البيت. هكذا يحصن عفتها وما يريد من هذه العفة ان ذريتها منه. لذلك اشتد عقاب الزنا على المرأة. وفي الواقع كشفت الإحصاءات الفرنسية مؤخرا ان المرأة أكثر عفافا. شيء من هذا مرتبط بخوفها من الطلاق اي بخشيتها من انعدام النفقة. اما انتهاك الرجل لعفافه فمغفور الِى حد بعيد ولا سيما انه لا يترك أثرا في جسمه ويبقى بيده الإنفاق. ان يراها عفيفة هو ان يرى نفسه سيدا. ولمَ لا يسود وهو يكفيها على مستوى رعايتها والجنس ثم ماذا يميز سواه عنه؟. الزناة من الرجال في هذا البلد ليسوا معرضين الى الطلاق. أكثر من نصف شعبنا ليس عنده هذا في شرعه. النصف الثاني أكثره كاثوليكي ولا يعرف الطلاق في القانون الكنسي. في قانون الأحوال الشخصية عند الأرثوذكس المساواة في المسؤولية كاملة ولكن الممارسة دلت على ان ما تبتغيه المرأة في أكثر الأحيان ان ينفق الرجل عليها وعلى اولادها وان يكون كامل الحضور في البيت وغير عنيف.

فالرجل جعل نفسه مسؤولا عن الانتاج ليضمن سلطته وحصر زوجته  في المنزل ليتأكد من كونه الوالد. واختلق الشعر الذي ينسب للمرأة الحنان وفضائل الأمومة ولكن الحنان وفضيلة المرأة ليسا سببا في احتضان المرأة لأولادها ولكنهما نتيجة حضارية لكونها تحيا في البيت. ليس ما يدل على ان في الطبيعة أنوثة سيكولوجية وذكورة سيكولوجية. هناك أنوثة وذكورة نعرفهما في الحضارة مرتبطتان بتقسيم العمل بين المرأة والرجل وهذا من صنع الرجل. هناك إعلان لشأن المرأة ورؤية غنائية لها ولدورها يصبان في مصلحة الرجل. التغني بجمال المرأة هو الذي زادها إغراء. ليست وحدها التي نحتت جمالها. نحته لها الرجل بالشعر والأزياء التي هو يصممها تقوية لشهوته وتدعيما بالتالي لسلطته.

هي تلعب اللعبة لتسترد سلطتها وتحمي نفسها وتحضن أولادها. بنيت لها مملكة الإغراء فارتضتها اولاً واستطابتها ثانياً لان الإغراء استقلالها الوحيد. هو سلطان من لا تملك شيئا في كثرة من المجتمعات. ليس لها مخرج من حال الرق التي هي فيها الا بالفتنة. الفتنة بتغذيتها. هذا جاء من الحضارة لا من الطبيعة او الحضارة ضخمته بما يفوق الطبيعة بكثير.

***

عندي ان لا قضاء على الفحش السائد الا بتحررنا من رؤية المرأة "راحة المحارب" او دميته. وهذا مستحيل اذا قبعت في البيت فقد دلت تجارب المجتمعات الحديثة ان الرجل يمكن اشتراكه برعاية الأطفال والسهر عليهم وحملهم وان رقته عند ذلك تنمو. الحضانة ليست مرتبطة بالأمومة الا تاريخيا. يمكن إسنادها الى كل من الوالدين كما أمكن إسناد العمل المنزلي اليهما معا.

عكس ذلك، ثبت ان المرأة قادرة ان تقوم بالتجارة (في فرنسا اكثر من نصف التجار بقليل ، نساء) وإدارة المصانع والأعمال الهندسية والطيران والمحاماة والطب والرياضيات العليا والفيزياء والتعليم الجامعي والتكنولوجيا وعظمت في الرقص الكلاسيكي والأوبرا والإداء الموسيقي وكتابة القصة وبعض الأنواع الأدبية. كل شيء يدل على ان النساء ليست نواقص العقل ولا نواقص الإيمان وانهن على ذرى القداسة والخشوع وان بعضا منهن في هذا المجال ربّى أكابر الرجال.

طوق النساء يُكسر في عملهن خارج المنزل حيث يتأكل المرأة الضجر والثرثرة وخطر الانتكاس الثقافي. ان إنتاج المال يقي المرأة الخوف على مصيرها وتاليا يُضعف لعبة الإغراء ويحصنها من الاضطراب النفساني وعدم الاستقرار ومن الفضيلة المصطنعة القائمة على النفاق والتستر فلا تكون وحدها مدينة للرجل بل يصبح هو ايضا مدينا لها او يصيران كلاهما مسؤولين عن مصير واحد لهما ولأولادهما بلا تبعية ولا دونية. يقود هذا المرأة الى شعورها باستقلالها. ولكن أليس الاستقلال شرطا للحب الحقيقي الذي ليس فيه احتيال؟ ليس الحب استجابة لما ينفقه الرجل. يجب ان نحمي الحب من كل ما يخالطه، من كل ما يقربه من الاصطناع.انا لا أنكر فرصة النمو الفكري على من تلازم البيت. غير ان هذا يتطلب جهدا روحيا كبيرا ويقظة غير عادية .

غير ان الحجة الكبرى التي تدعوني الى نصرة عمل المرأة هو انها كاملة الشخصية. المرأة كيان قائم بنفسه ولا ينظر اليها فقط بتوظيفها الجنسي. انها ليست وحدها مكان الحب. نحن جعلنا الحب كل شيء في كيانها تعويضا لنا عن الحب الذي لا نعطيه باستمرار او الذي نوزعه هنا وهناك. نظرنا اليها قائمة من أجلنا ومن أجل أولادنا فاذا غلفناها بالحجاب فلكي نتمتع بها وحدنا واذا عريناها بالأزياء فلكي نفتخر بجسدها الذي نجعله متعة للعيون النهمة. الحجاب والسفور كلاهما يعني ان المرأة لنا.

العمل وحده يدل على ان المرأة لنفسها او بنفسها وانها للإبداع وبنيان المجتمع البشري لأنها ذات طاقات ولأنها لن تحس باكتمال شخصيتها ما لم تفعّل العلوم التي اكتسبت. الانسان يقرأ لينعكس عقله عليه وعلى الناس معا. سعينا الى المعرفة سعي جامعي. المجتمع في حاجة الى ان يكون اكثر من نصفه جامعي التنشئة وتاليا ان يكون نصف الفتيات في التعليم العالي. كيف يكون اذن أفق المرأة محدودا بمطبخ وسرير؟ ما مصير دماغها الذي اختزنت فيه الكتب وكل هذه الخبرة الحضارية الكبيرة؟ لماذا ينظر الى الرجل وحده موظفا في تطوير العالم والتنمية والخلق الثقافي وكأن المرأة قائمة فقط لإنعاشه حتى يسود الدنيا مع رفقته الرجال؟ اذا أردنا ان نعالج المشكلة معالجة صادقة لا تمويه فيها لواقع الحياة ولا اختباء فيها وراء نصوص اي اذا تحررنا من الموقف الجدلي والاعتذاري واردنا للمرأة كرامة محققة لست أرى سوى عمل المرأة مفتاحا لهذه الكرامة مع ما يعد له من تثقيف وما يرافقه من سعي روحي.

لقد دخلت المرأة الى دنيا العمل لإكمال الإعالة لأهل بيتها. في المجتمعات المتطورة لا مهرب من راتبين او ربحين . وفي العالم الثالث قد يصبح هذا وضع العائلات المتوسطة وما دون. قد يكون التقشف هو الخيار لمن استطاعه. ولكن الانسانية الحالية تتقشف قليلا.

اجل هناك مرحلة الوضع وما يتبعها. وهذا قابل للتنظيم الاجتماعي ولكني لا اريد ان اختار بين المرأة الحاضن فقط والمرأة العاملة. زعمي ان نموها الانساني بالوظيفتين. خيار " المرأة في البيت " الحصري هو حكم على من لم تكن قوية روحيا وثقافيا بالتراجع الانساني  الشامل. ان قبلنا ان الامومة والانوثة لا تستغرقان المرأة وان انسانيتها وابداعها في المجتمع شيء اساسي لنا جميعا فلا بد من ترجيح كفة العمل. الاخطار محدقة بالإنسان في اي وضع اتخذه. ليس  في الحياة آلية. علينا الرؤية البنيوية ابتغاء بشرية جديدة.

 
Banner