للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
عودة المهجّرين 05/08/1993 |
Saturday, 08 May 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 8 أيار 1993 كنا نتعامل مع امنية. يبدو اننا الآن مع قرار سياسي رمزه وزارة شؤون المهجرين، بدء حقيقته الشروع بتعهد البساتين وتفقد الملك. اما الآمال الجسام ففي السكن الفعلي في هذه القرية او تلك، في ترميم شامل او جزئي، في دلالات القناعة وتباشير الإلفة بين جماعة وجماعةٍ. كل شيء يدل أن القناعة الآخذة بالاكتمال ان إرادة الوفاق متينة عند الذين يحبون هذا البلد فقد كُتب علينا ان نعيش معًا ولم تأتِ الحروب التي توالت علينا منذ مئة وخمسين عامًا على هذه الإرادة وكأننا تعلمنا من معارك الإبادة التي خضناها اننا في الهدوء نفهم ان احدًا لا يستغني عن احد وان كل واحد مدّ الجذور ليبقى مع تاريخه ويبقى مع شهادته او كأن حنينًا يدعونا الى ملازمة هذه الارض فنؤثرها مع فقرها على الاغتراب.مَن تناشد في هذه الآنية التي نعيش؟ أتناشد الدولة وعندها القليل؟ مع ذلك من الواضح ان ما في صندوقها لا بد له ان يبذل في اي مكان تؤثره ليزيد ايماننا بها. حسب الدولة إقامة البنية التحتية كاملة في بلدة صغيرة واحدة. فالطرق والماء والكهرباء إغراء ويأتي اليها مَن استطاع الى ذلك سبيلاً. والحياة قدوة والتقدم عدوى حتى اذا اطمأن القلب الى سعي الدولة وجدّها يمكنك ان تستثير في الميسورين الكرم. فالهيكليات التي اذا أُعيد تأسيسها تدل على ارادة الخير عند الجالسين في الحكم واللبناني يتأثر بما هو فوق ويذهب في الرجاء. والهيكليات اذا ارتفعت فإنما هذا يعني اننا راغبون في عودة اهل الضيعة كلهم ولا نريد عودة رمزية. المهم ان نبدأ بأية نقطة من المدى اذا كان الشح عذرنا. في حال الدفق نقول بحمدون والحي الغربي والدامور لأن التجمعات الكبيرة انطلاقات لا تبقي لأحد حيرته او شكه. مع ذلك الناس متساوون في مظلومية التاريخ وكما كنا اخوة في الموت نغدو الآن اخوة في وعود الانبعاث. المشكلة تُحل عقدة عقدة ولا نستطيع ان نتصدى في آن لكل المعضلات. فالتعويض على هذا ليترك وعلى ذاك ليعود نوع من الارباك يتطلب اموالاً تعجز الدولة عن بذلها وتفوق طاقة المتبرعين النفسانية والمالية. لا يقدر احد ان يدفع عن بيت مهدم مرتين وقد يحس ان في ذلك مكافأة لمن تجاوز القانون كائنًا ما كانت مسوغات الاحتلال. ولعل مَن اقام في ملك سواه استوفى اجره من ملك جرده حتى العظام. إنه استولى على ما استولى عليه وجعله في مكان آخر. واذا شئنا ان نساوي القاهر والمقهور حسب عادة هذه البلاد فأضعف الإيمان الا يعتبر المقهور ساذجًا والا يقام على فقرٍكبير. *** "لا نجعلن السكة امام الفدادين". فلا يبدأ الحل بالتعادل بين مَن احتل وذاك المرجو عودته. ليس في هذا عدل وليس في هذا كرامة. وهذا يعني دفع مسؤولية الدولة الى الطوئف والأفراد. فإذا كان الرجوع مأثرة الأمة مجتمعة فمعنى ذلك اننا في الترتيب الزمني نشرع بالبنية التحتية. بهذا تزيد قناعتنا بوجود قرار سياسي ثابت. نحن لا نشك في صدق احدٍ ولكن ثمة تفعيل الصدق وصدق المجتمع كله برهانه تطوع الدولة في العطاء. هنا النطق في الحجر وفي الدرب والضوء. اعرف ظلم الدول لنا وإرادتها في تطويعنا للقرار الدولي وهدر شرفنا للعدو واعرف انه ليس لك ان تقتحم المستحيل. اعرب هنا فقط عن خشيتي من ان يضمحل الرجاء ومن ان يتأقلم المهجرون حيث هم لأنهم اذا ما انسجموا مع اهل دينهم هنا وثمة يحسبون ان هذا يقيهم او يقي اولادهم مواجهة بعد بضعة من عقود. انت تدعو الى مغامرة. الكنيسة تريدها على الاخطار المحتملة لأنها تؤمن بأن ابناءها ان تابوا الى المحبة ينشئ هذا حولهم هالات من نور وتؤمن بأن الله قادر ان يجعل من الحجارة ابناء لإبراهيم. الله مسكنه القلوب، كل القلوب. انها تتلاقى بنعمة منه ورضاء ولا يستطيع الإنسان أن يعيش في قفص. وإن حاول فما نفع القفص؟ ولكن ان تذهب بالحب وتعود وان تنبت من ذلك الورود وتفجر الانهار في الأودية وان تقول الصداقة وتبديها بحرارة الصدق فتلك هي انسانيتك وذلك يكون معناك وتكون قد الصقت قدمي المسيح بتراب لبنان. اما اذا كان كل هذا لا يعنيك ويهمك الارتزاق فقط وان ترتاح من جبه الزمان فالزم الارض التي تتأقلم فيها أكانت بقعة من لبنان ام من خارج لبنان. اقرأ هذا: كنت ذات احد في عرمون اقيم القداس. دخل علي في الهيكل مَن يقول: مشايخ الدروز مجتمعون في بيت يريدون تحيتك. قلت: بعد الصلاة انا اليهم. وجدت ما ينيف عن العشرين شيخًا. بعد السلام على كل منهم جلست فبادر كبيرهم بالكلام وكان قد تجاوز التسعين. قال لي بالحرف: "يا سيادة المطران نريدك ان تعين كاهنا لهذه القرية اذ لما كنت صبيًا كان والدي يقول لي: يا بني اذا سمعت قرع الجرس افرح لأن ههنا قومًا يسبحون الله". لم اكن قد سمعت مثل هذا الكلام في ما مضى. كنا قبل الحرب. هذه المشاعر تعود. منذ عشرين يومًا مات واحد من رعيتي في بشامون. أقيمت جنازته في فرن الشباك. كان نصف الحضور من الموحدين. الحوا إلحاحًا شديدًا على دفنه في القرية. *** لا يستطيع احد الا يضجع مع آبائه تحت الثرى. اجل ليست وطنية القرية كل شيء. نحن نسكن الحرية اولاً. ولكن الحرية ان آلت الى هوس تعرّضك الى الهجرة اي ان تموت بحزن الفرقة وليس لك في قبرك جذور. تخشى الاطراح في القدر؟ الى حد كبير قدرك بين يديك. ليس التاريخ اعشى. انه صنع العقل والحب المتلاقيين. انهما معًا الحكمة، تلك الكبيرة التي تأتي من الإىمان والإيمان هو الا تتلقى الاعاصير تلقيًا وان تسجل الوقائع تسجيلاً ولكن ان تقبل الى الزمان وتملأه حضورك. مَن كان في المسيح لا يحس بأقلويته او دونيته. انه هو الوجود او ناحت الوجود. هذه الرؤية لو انسكبت على المهجرين فتأمن الحد الأدنى المادي من العودة، هذه الرؤية تعاش اختزالاً في الجبل وعبرة. نحن نمد يد المصافحة بلا شرط. نعامل الدولة على دروب الإعمار وفي حضورها الكامل وعدًا منا بالتكامل الاجتماعي والتعاضد الواثق وهذا انطلاقًا من يقيننا ان الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله وان التطور الحضاري هو الى موآلفة انسانية فيها بذار الديمومة. اما الكارثة او الحادثة فممكنة في كل زمان ومكان. نحن لا نريد منافسة احد او تفوقًا عليه فالتكافؤ في المواهب والخدمة اضمن عيشًا واقوى سلامًا. ان التسابق في المعرفة والتسابق في الإخلاص يدني البلد من وحدته. هنا اقول للمهاجرين عودوا. لا يمكن ان تنتظروا تعافينا الكامل حتى تقطفوا ثمارًا نحن اوتيناها في غيابكم. تعالوا نحرث الارض معًا وننتج الحياة الجديدة. احملوا معنا اثقالنا. غامروا او قامروا فالحياة كلها مقامرة. نحن لا نستطيع ان نفرش لكم الطريق حريرًا. انها وعرة. ولكن قوموها معنا. العودة الى لبنان عودة الى نفوسكم. لكم ان تجعلوا بلدكم حضرة عذوبة في الشرق او ان تتركوه خرابًا. النفوس حارت وتوجعت وانهدمت. البنيان رمز فقط. التوبة مدلوله. والتوبة رجعة كل منا الى الآخر لأن مَن تعود اليه تجعله انت حضورًا الهيًا. يحق للانسان ان يبسط شكه على امسه ويومه. ولكن ان رأى نفسه هو ايضًا خاطئًا يكون ظالمًا ان رهن مستقبله ومستقبل الناس للخوف. قد ننهار بعد إعمار. قد تيأس النفوس من موت جديد. مع ذلك نعيد البناء على رجاء القيامة. مَن لا يستطيع هذا يرحل الى حزنه. نحن في الجراح نركن الى الرب ونعبر الى الضوء. مَن اقام في جسد هذا البلد المصلوب يجعله ايمانه مقيمًا في الفجر. |
|