للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
هذا الجالس فوق 05/29/1993 |
Saturday, 29 May 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار لسبت 29 أيار 1993 عدت الثلاثاء من قبرس متعبا قلبي بسبب من لقاء لاهوتي مع ناس من الغرب بتنا معهم على خلاف كبير في موضوع مكانة الشعب اليهودي من بعد المسيح. ما عزاني في هذا اللقاء أن العرب كلهم على اختلاف انتسابهم الكنسي كانوا صفا واحدا يقول بمركزية المسيح وبان شرعية الديانة اليهودية على الصعيد اللاهوتي فيها شك كثير. النصوص الإنجيلية التي بين ايدينا واحدة. الفهم لم يكن واحدا. الفلسطينيون الخمسة الذين كانوا منا غدوا إكليل المجد. حديث - قصيدة عن العدالة القته واحدة منهم. حاد وصافٍ بآن، مجروحة صاحبته بلا مرارة ، غافرة وعارفة بآن .كنا جماعتين من البشر ليس الفرق بينهما الانتماء المذهبي. كان لكل منا آلامه. المذبحة النازية هناك والتأمل اللاهوتي الذي يحاول استيعابها بعد ان استوقفته حتى الجمود وجرح القدس هنا ولكن الفلسطيني المسيحي بقي في ايمان غير مرتهن للواقع ولو كان لطمات وإكليل شوك. الخمسة الذين كنا اليهم وكانوا الينا احسسناهم قلب الوجود المنبسط في الرجاء. اخشى فقط ان يدجن الكبار جرح اورشليم وما اليها من مدائن. اخشى هذه الحواجز التي يقيمها المحتل بين بلدة وبلدة. مع ذلك الانسان في عزلته هناك يكافح الظلم. بين امسية وامسية على الشاشة عندما ارى الأطفال يندفعون بحجارة صغيرة بوجه الآليات الإسرائيلية اصبح من جديد انسان الرجاء. هجمتان غير متكافئتين روحا فإن في الصف العربي فتى يعلن عن وجوده وكرامته وفي المقابل جندي يقمع ويرى فتى يسائل الجندي عن حقه في القمع. العسكري يضطرب كثيرا اذا ارتاب في شرعية بندقيته. فيما كنت اتوقع تشنج الأحاديث دخلت صباحا الى كاتدرائية ليماسول لأرى نفسي مخطوفا الى الجدرانيات. المؤمنون قبل ان يلتحقوا بمحالهم يدخلون دقائق ليسلموا على اصدقائهم القديسين. لم يسحرني الايقونسطاس الخشبي البالغ الجمال في دقة نحته. في أوان القربى انت مع بهاء آخر لا علاقة له بجماليات الفن البيزنطي فالرسامون الاوائل ما كان عندهم شعور بتفوقهم على صعيد الموهبة. احساسهم انهم بالرسم يقتربون وينتشون بالحضرة. في الحنية وراء المائدة فوق انتصبت السيدة العذراء ارحب من السماوات ويظهر الطفل القدوس في وسطها .تسود المعبد كله وكأنها تمتد بلا نهاية الى الحي، الى الجزيرة لكنها تأخذ العالم في التهليل وكأن المعبد ما كان حجارة مرفوعة. انه فقط هذه الايقونات التي تتلاقى في بهائها لتقول لنا اننا منها، اننا ممشوقون بها. *** عدت وينتظرني الاربعاء قداس القيامة. انه اليوم الاخير من اربعينية الفصح نكرر فيه قداس العيد. ابناء كنيستي قالوا للمرة الأخيرة: المسيح قام . ان كنت من اهل هذه العبادة تحس ان شيئا يعوز شفتيك. لا ينشدك الارثوذكسي قطعة موسيقية خارج موسم انشادها. يجب ان تصوم أذناك حتى ينفجر الترتيل في الوقت الذي جعله الآب في سلطانه. هناك شروط لدخول ايقاع الأبد. نمتد الى الأبد بخميس الصعود الذي احييناه منذ يومين. عسير الحديث في هذا السر. اذا اوجزته بعبارة اقول ان الصعود هو دخول المسيح في المطلق. اما نحن فنقول ان الله مشى في زمان الناس لما ساكن الكلمة جسدا بشريا ونفسا وعقل بشر. كيف يلامس الله كل هذا ولا يحده شيء ولا ينقسم؟ كيف ينزل الينا ولا يغادر حضن الآب؟ يتأنسن لأنه كان ذا حنين منذ الأزل الى هذه الناسوتية وكانت هي مشتاقة الى اقتباله وتتهيأ لاحتضانه. ولما رأت البشرية الله مختفيا في المسيح قرأت الله للمرة الاولى صافيا لا تشوبه كلمات من أفواه البشر ولا تأسره حضاراتهم. كيف امسى الله بلوريا في يسوع الناصري؟ لماذا أُغلق دون البصائر قبلا وحاولت ان تقرأ الله من ابراهيم الى المسيح ولكنها اقامت في التهجئة وتمتمته هنا وثمة في التوحيد الموسوي وربما خارج التوحيد. وأطلت العيسوية وأكلت وشربت وعلمت وغفرت في عذوبة وحضنت الخاطئين ورقّت للمعاق ورفعت الهضيم الجناح وأقامنا المسيح في جرحه ولطفت نفوسنا بالجراح وصعد جسد المسيح الى العلاء ليقول للمساكين انهم امسوا سادة في الملكوت وللودعاء والرحماء والمقهورين انهم يرثون الارض الجديدة والسماء الجديدة وان الدمعة لن تلازم العيون لأن الجليلي يمسح كل دمعة ويقيم احباءه ان كانوا على وداعته معه على العرش ولو ظنوا انهم لا يزالون في الأرض. صعد ليسود التاريخ سريا. وذقنا في نفوسنا اننا بتنا مواطني السماء وان مجد الله علينا وان احدا لا يتكلل الا بهذا المجد وعرفنا اننا نرى منذ الآن وجه الله ان جلسنا الى مائدة الحب النازل علينا من فوق وادركنا انه "لن يكون ليل بعد الآن واننا نملك مع الله أبد الدهور" لأن ترابيتنا ذهبت وأضحينا قامات من نور. وادركنا اننا غلبنا العوز الداخلي لأن المقيم فوق عن يمين العظمة هو " الألف والياء، والأول والآخر، والبداية والنهاية والكوكب الزاهر في الصباح". ذوفي هذه المشاهدة " يقول الروح والعروس: "تعال". من سمع فليقل: "تعال!" ومن كان عطشان فليأت". ونحن بكل هذا سكارى لأن واحدا منا استوى على العرش ولم يبق احد سجين الأرض او سجين نفسه. لنا الحرية لآن واحدا منا انعتق من حدود جسده فأهلنا للإنعتاق وشوقنا اليه وكفانا اشتياقا. وقد نسقط من بعد هذا ان عاودنا الحنين الى التراب. ما همَّ فإن الرؤية قائمة. انه فوق. يعيدنا بالتوق اليه اذ يجعله فينا بالروح القدس. فالانشداد به اقوى من الموت ويتأله فكرنا فالكيان والتوبة الى وجه. قد تأخذنا الأرض الى حين ويتيه الفكر في الأفكار الأرضية اصنام القلب ونتوجع لكوننا لم نستوطن السماء. فمن بعد ان صار المسيح نفسه كل السماء لم تبق لنا تعزية الا مداه. لن يتركنا اللحم والدم واعصاب تتوتر ومشاريع الترابية في النفس ولكن وجهه يلاحقنا في كل متاهة ونركن الى ضيائه من بعد تيه. غير اننا لا نخاف. وتقوم الدنى وتقعد وتحزّ بنا الضيقات ويضعف الجسد حتى تفاهته وتهزل النفس حتى الذبول ثم يعود المعنى وتعود النضارة فاذا الشيخ كالفتى تلميذ لذاك. ونعلم ان الخطيئة تنثني في طيات الشعور ومع ذلك نطفر كالايائل ونرعى في المراعي الخضر ونرود مناهل ماء الحياة. دخل المسيح في ملكوت المطلق يوم خميس الصعود ونرتقب الروح واذا بنا خلقة جديدة، هذه التي اذا صهرتها لن تخامرك عتاقة لأن " الاشياء العتيقة قد مضت". من فهم ذلك لا يحتاج الى معرفة شيء آخر. لا شيء من هذه الدنيا يقاس بالمجد الذي أُعلن فينا وصرناه. لسنا بعد في هشاشة هذا الوجود. نحن في وجود ينزل علينا من فوق حيث المخلص جالس عن يمين الآب. نحن الذين صرنا في جسد المسيح الظافر لم يبق لنا مسكن هنا. نحن معه وعدا ومعه عزاء وذوقا حتى تزول هيئة هذا العالم. اذ ذاك، لا يبقى غير هذا الحضن الالهي الذي اذا ذقناه نعرف اننا بتنا اولاد العلي. تلك هي مسيرة المجد التي لا تنقطع. |
|