للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
أحد جميع القديسين 06/12/1993 |
Saturday, 12 June 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 12 حزيران 1993 يغدو اليوم احد جميع القديسين، اذا أطل عند الغروب، تعذيبا لأن الذكرى تشدك الى المستحيل. أليس الرجاء ان تجعل الأقصى في الأدنى والندرة في الممكن؟ يجمعنا العيد الى الذين انتقلوا الى وجه الرب وكفاهم جواره. ينقلنا اليهم في معيتهم ونحن هنا شراذم. تريدنا الكنيسة ان نحدق دائما بالمجد كأننا قادرون على ميراثه منذ الآن وتقول انه كثير فوق وان اكتماله في اليوم الأخير. ونقلب الأيام ولنا في كل يوم ذكرى من هؤلاء الذين حوّلهم حبهم الى نار فإذا نظرنا اليهم نشاهدهم قد باتوا من نور. ولكنا اليوم أحببنا ان نرى اليهم كتلة واحدة تتكوكب حول العرش فتجيء منه ويبدو عظيما بها.قلت تعذبني الذكرى فيما هي تعزي وذلك ان المسيح بلغني ولم أبلغ. بمعنى، ليس احد يقدر ان يصل الى "قامة ملء المسيح". هذه البشرية مهما جاهدت وتكثف بر أبرارها تبقى كخرقة الطامث. والقول من اشعياء. لذلك انا قلق من الموت. "في بهاء قديسيك كيف أدخل انا غير المستحق لأني ان تجرأت على الدخول معهم الى الخدر يبكتني لباسي لأنه ليس لباس العرس". انا قلق لحاجتي الى تطهير وانا عالم انه يمكنني ان ابصر ذلك في القديسين وهم لا يبصرونه في انفسهم. هناك ضياء الهي ينزل هنا على بعض من مختارين في لمحات بصر وانت أمامه ان استحققت الرؤية ولكنه ينحجب عنك ان أظلمت عيناك من جديد. وتحاول وتؤتى عربون الحياة والملك الآتي. وتسعى في اللصوق بالله وهو الذي يلتصق بك بسبب من رحمة ويجعلك مودوده وان لم يكن فيك ما يؤهلك لذلك. تلك هي شيمته وليس هذا اختيارك لأنك لو استطعت ان تعاينه في كمال ضيائه لن تلتفت يمنة او يسرة ويفنى جسدك بالعشق. *** والقربى هي انه قريب ولست انت بقريب. لذلك قيل: "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة". وفي حسباني ان المحبة لا تقصي ذلك الخوف الذي يعتري من رغب صادقا في ان يدنو من الكمال. هذا حرره يقينه من العبودية ويعرف ان المسيح أقامه في البنوة الإلهية. ولكن من يجرؤ على البنوة؟ إيماننا يقول بالاتحاد وانه حاصل هنا كلما انفتحت السموات علينا وانسكبت النعمة. ولكن المهم في هذا التأكيد ان تنظر الى النعمة من حيث ينبوعها لا من حيث انصبابها وتفرح بالمعطى لا بنفسك. تفرح بإخوتك الذين اصطبغوا بالأنوار. تراهم عليها ولا تراها عليك وترنو الى الظافرين في الملكوت تفرح بما حققوه وتعاهد النفس على الاقتداء بهم لعلك تنتبذ في السماء مكانا قصيا. اظن ان المسيحية اقتحام لله. بهذا تتميز ليس ان سواها من اهل التوحيد لم يقولوا بالقربى. ففي التصوف - يهوديا كان ام إسلاميا - تقترب من ذلك اقترابا كبيرا. لا مهرب من حديث ما عن تماس الله والنفس او عن سكنى إلهية في القلب، الأمر الذي يجعل المسلمين يخشون الحلولية. لا شك ان المحبة الإلهية عسير التكلم بها لاهوتيا خارج المسيحية لأنها الاسم الأكمل والأشمل او الوحيد لله ولا شك ايضا انها حركته الداخلية وقد تكون المعنى الوحيد لما نسميه الآب والابن والروح القدس. ومن تكلم بالمحبة من حيث هي حضور إلهي منسكب في القلب البشري فكأنه تكلم بالثالوث او كأنه قال بتجسد الكلمة. غير انه من الواضح ان خبرة المحبة الإلهية في النفس لا علاقة لها بالحلولية من حيث هي تمازج بين الإله والبشر او امتداد إلهي في الكون او تماهٍ بين المرئي وغير المرئي. كل الروحانيين في نظم التوحيد ينكرون ذلك بما في ذلك الحلاج ومن الظلم ان تقولهم ما لم يقولوه. قلت ان المسيحية اقتحام لله لأنها اقتبال لدني له، احتضان بلا استيعاب ولا حيز كما ان الله يحضننا بلا إلغاء لنا. هذه هي جدلية الوحدة والتمايز الذي يعرفها العاشقون في الأرض اذ يصرون على التلاقي والحرية بآن. *** لا فناء كيانيا بالله فهو الخالق وانت المخلوق ولكن ثمة معاينة للمجد الإلهي. شيء من النور الالهي يصير فيك ويرفعك الى ما يفوق كل وصف وعقل. تلك هي غاية الشريعة وغاية كل كلام إلهي لأنك ان لم تذق الألوهة بما هي عليه من إشراق، من إشراق يتنزل، يبقى الكلام الإلهي خارجا عنك، يبقى في العقل المحض المحلل. وهذا العقل ليس بالنور. فاذا نظرت الى القديسين في المجد من هذا المنظار لا يبقى عندك مشكلة في مناجاتهم. انهم لقد باتوا بالحقيقة بعضا من هذا النهر الضوئي الذي يجري من المسيح القائم هو ايضا في المجد. انت مع المسيح المكتمل، الكوني، الحاوي لكل أحبائه او الحامل أحباءه على كتفيه اللتين لا يحدهما مدى بعد ان سكن المسيح في المطلق. فاذا خاطبت القديسين فانما تخاطب المعلم الذي تسربلوه. فكما كان يؤلف مع تلاميذه في الأرض وحدة (هو الجذع وهم الأغصان) كذلك يؤلف مع الملكوتيين معية غير قابلة الانقسام. انت خاسر بعدا من السيد أساسيا ان لم تبصره محاطا "بسحابة الشهود". انت واياهم منتصبون معا في الحضرة فإن الحضرة هنا وفوق. توقك الى المجد بعض من مجد. اقامة الملكوتيين حيث هم هدمت الحواجز التي يتصورها الترابيون. فقد تداعى من بعد قيامة يسوع الجدار الذي كان قائما بين ال"هنا" وال"هناك"، بين المنظور وغير المنظور، بين الحاصل والتائق. ادرك ان هذه الرؤية ليست في الواقع رؤية كل الذين يستدعون القديسين اذ ينسبون اليهم قوى خارقة قد لا تكون معروفة عند المحققين وينسج لهم خيالهم لهذا القديس او ذاك ما يضحك وما يرفضه علماء الكنيسة. ويأتي المزورون برفات للقديسين ليست هي رفاتهم. ثم يصلون لهم وكأنهم أنصاف آلهة ولعلهم يخاطبونهم اكثر مما يخاطبون الله ويظنون ان للسماويين قدرة في ذواتهم. وينذرون لهم الأطفال ويلبسونهم ثيابا لا تنفع ولا تضر وليس من يندد بذلك ويقولون لك دعهم وإيمانهم والحق ان هذه شعوذة او هذه خرافة. وهذا دمار للحياة الروحية لأن في هذا شركا كبيرا وعندما تتكثف الأساطير تفهم انتفاضة الذين يرفضون كل ذكر للقديسين. ولكن المغالاة شيء والحقيقة شيء آخر. ما هو بناء في الحياة الروحية المسيحية ان يكون لك أصحاب في الملكوت، يحملونك وتقرأ سيرتهم وتقتدي بهم بحيث ترى المسيح وسيعا. واذا كانت الكنيسة الظافرة محققة منذ الآن فكنيسة الأرض مدعوة ان تترك شقاءها وما يثقل كاهلها لتصبح منذ الآن عروسا للسيد لا عيب فيها. ذكرى هذا الأحد تجعل أمامنا هذا التحدي وهذا الرجاء. |
|