للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
ملح الأرض 08/07/1993 |
Saturday, 07 August 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار لسبت 7 آب 1993 يستهل يسوع العظة على الجبل في انجيل متى بالتطويبات: طوبى للمساكين بالروح... طوبى للودعاء... لصانعي السلام. تلك مزايا الذين يرثون ملكوت الله، هذا الذي أعلن الناصري انه جاء به منذ الآن. وفي اعتقادي ان التطويبات هذه هي كل شرعة الملكوت التي تركها المسيح لأحبائه وان كل ما ورد بعد ذلك في العظة-النموذج انما كان تفصيلا لعمق هذا المستهل. وقد لا يكون من باب الاتفاق ان اول كلمة تفوه بها السيد بعد التطويبات هي: "انتم ملح الأرض". واتخذت القولة مداها الدرامي لما أتبعها المعلم بقوله: فاذا فسد الملح، فبماذا يملّح؟" ما النتائج المترقبة على كون التلميذ ملحا للأرض كلها؟الملح يجعل الطعام شهيا او يزيد في الشهوة. وهذا يفهمه انسان حرمه الأطباء ذوق الملح. انه ياكل طعاما تفها. ومن خواص الملح انه يحفظ الطعام. وقد ذكر العهد القديم "عهد الملح" (عدد 18: 19) وبعهد ملك اعطى الله الملك لداود ولبنيه الى الابد (2 اخبار 13: 5). فاذا اضفنا فكر متى الى التوراة يكون معنى الآية: "انتم ملح الأرض" ان انتم الميثاق -بما انتم عليه من ملوحة- بين الله والناس. فاذا كنتم مساكين بالروح وودعاء ورحماء وصانعي سلام وأنقياء القلوب تصبحون انتم العهد. فالرباط بين الله والبشر تحققه تلك الحفنة الطيبة، المختارة التي ارتضاها الله وجعلها منذ الآن من ملكوته. فاللقاء بين الرب والذين هم له يتم في قبضة ادركت ملكوتيتها في هذا العالم وهي التي تحفظ هذا العالم وتعطيه نكهته. فالعالم ليس هذا هو المنبسط ولكنه هذا المنقبض، الململم في الأطهار. والعالم يأخذ ما يستطيع أخذه ولكن الذين جعل الله هناءه فيهم قد اخذوا كل شيء. هذا الكلام قاله يسوع على الجبل بعد ان كان اختار تلاميذ له اربعة. اثنان منهم تركا شباكهما وتبعاه والآخران تركا اباهما وتبعاه. وانضمت اليهم جموع لأنهم احبوه وسمعوه مبشرا بالملكوت. ولكن ما هذا الملكوت؟ ما فحواه؟ على اية مزية يجب ان يكونوا ليتابعوا المسيرة؟ جاء بهم الى جبل في الجليل واعطاهم مضمون الشرعة الجديدة لكونه هو موسى الجديد الذي آتى شعبه شرعة مكتوبة على جبل سيناء. يسوع هنا "فتح فاه". انه هو الشريعة. وتقديري ان الجبل هو ثابور الذي حصل فيه تجليه فيما بعد اذ ليس من جبل آخر في المنطقة وكأن متى يوحي بأن تجليات الانسان الجديد هي ان يسلك حسب العهد الجديد. بنهاية العظة نزل المعلم عن الجبل ليصنع عشر معجزات. يرعى صحبه بالكلمة وبالحب والكلمة والمحبة تشفيان. من بعد هذا يختار الإثني عشر ويطلقهم بالقوة التي منه معلمين وشافين بآن. يجعلهم ملح الأرض. *** العبارة "ملح الأرض" توحي للتو بشيئين: اولا ان اتباع يسوع معه ومنه وثانيا بأنهم ينطلقون منه لا ليعجبوا بأنفسهم وينغلقوا عليها، لا ليؤلفوا "حارة نصارى" ولكن ليكونوا مع الناس اجمعين وفي خدمتهم. اجل هم روح واحد انما هو كذلك لينبث في الأرض كلها. هم في الدنيا كلها وليسوا الدنيا كلها كما ان الملح نكهة الطعام، خفي فيه ولكنه ليس الطعام. هم لا يخضعون للعالم لأنهم ليسوا منه غير انهم يحاولون ان يجعلوه منهم على قدر ما يصير من ربهم. طبعا العيسويون كتلة فإنهم يصيرونها لأن الرب يوحدهم بما يجعلهم من جسده ودمه. انهم اياه بحبه لهم وطاعتهم له. تنشئهم كلماته التي يتقبلونها ويصبحونها. لقد غدوا حضرته في العالم وفعله. يعايشون المعلم على جبل ثابور لأنهم ليسوا بشيء خارج تجليه فاذا تجلوا به يطلون على الليل. انهم احرار من وطأة العالم ومن الاعيبه كأنهم سذجة ولكنهم ليسوا بسذجة. هذه بساطة المسيح التي تجعلهم يرون الناس في الضؤ. تلك هي الحكمة. لا يتكيفون بشيء او بأحد. يتكيفون فقط بحريتهم. لا يأتون من المناقب البرجوازية. من القانون، من المصطلحات ولا يجعلون الناس شرائح اذ ليس الشرير عندهم ثابتا على شره ولا البار على بره. ولكونهم لا يدينون احدا يعرفون ان العشارين والبغايا يسبقون كثيرين ممن ادعى البر الى ملكوت السموات. اصدقاء يسوع يشفون الناس بالطراوة. ففي العالم قسوة كبيرة لأن الناس يخافون الناس. يخشون عطب الاخرين لهم. اما الذين هم للمسيح فلا يخشون عطبا لانهم مكسورون بالحب ولا يستطيع احد قهر الحب.لا يخافون الذين هم في السلطة لانهم لا يسعون اليها. القائم في السلطة اذا صدق انه شيء لأنه متربع على الكراسي قولا يعي ان كرسيه في اهتزاز. الانقياء ليس لهم في الدنيا مكان يقبعون فيه. لذلك لا يطالهم احد. انهم يقيمون في قلب الله ولهم فيه رحابة لا تحد.عظمتهم في هذا انهم يعطون بلا حساب. بلا تبادل. انهم ينزعون عن الاشياء فسادها ولا يفسدهم شي. لذلك خاف المسيح عليهم لما قال: "اذا فسد الملح فبماذا يملح؟" كيف يستقيم اذ ذاك العالم كيف يثبت؟ المشكلة مع المسيحين انهم باتوا لا يعرفون سرهم. فقد تزاوجوا هذا العالم. يخشون ان يصيروا القطيع الصغير. ويقول الإحصائيون انهم بعد قلة من السنين الى تضاؤل. انهم لا يعلمون انهم عندما كانوا اكثر عددا لم يكونوا اعظم فاعلية لأن جحافل الضعاف روحيا ليست بشيء ولا يذكرون ان اثني عشر رجلا منهم بلا سلاح ولا بلاغة اقتحموا العالم ونسوا انهم كانوا يتكاثرون خلال الثلاثمائة سنة الاولى بسبب من الشهادة من حيث ان موتهم والتأثير الروحي المشع من هذا الموت كانا ينميان الكنيسة. المسيحيون رأوا القوة حيث لم تكن. حتى الأن ليسوا مقتنعين ان المسيح قلب الموازين لما قلب موائد الصيارفة إن العدد والمال والنفوذ وما اليها ليست بديلا لقوة الودعاء. واذا سلك اهل المسيح كمن يبادل المسيح بالقيم البرجوازية يصيرون هم الطعام الذي يحتاج الى ملوحة فانهم ليسوا شيئا على الاطلاق بلا حقيقة الله المنسكب فيهم حبا وضياء. اذا بقي هاجسهم ان يمسوا مثل الأمم ذوي مظاهر وسلطان فإنهم يصبحون اسوأ من الأمم الذين يظلون على شيء من الاحتشام وما اقتبسوه من العقل. الطعام التفه يؤكل بعد اعتياد. الملح الفاسد لا يصلح الا لأن يطرح في خارج الدار فيدوسه الناس. الوهم الكبير عند كل منا انه اذا بدا يكون او انه اذا بدا يؤثر في الناس. ليس اذا ظنك الناس عظيما يرتاحون اليك ولكن اذا رأوك كذلك. اما الأمم فقد تبنت العظمة اسلوبا اصطلاحيا فتتماهى وملوكها وقصورهم وخيولهم وجنودهم وليس لانها تجهل باطل ذلك ولكن لانها تفتش عن عظمتها هي برمز. الشعب اللندني مثلا اذا ذهب ليتفرج على تغييرالحرس امام قصر بوكنغهام فانما يعرف انه أمام مسرح وان عظمة بريطانيا لا تكمن في هذا. قد يكون تغيير الحرس صورة عن البهاء المظنون. الفرق مع المسيحيين انك فيها لست مع الظن. لا شي يحجبها. فانت في قلبها او لست فيه. انت مسكين بالروح، رحيم، وديع، منكسر القلب، او لست هكذا. قد تحاول ايهام نفسك والاخرين. وكذلك تعرف وكذلك الاخرون والله بالاخص يعرف. المظاهر تضفي قيمة على ما لا قيمة له. ان من رعاها رعاية مفرطة يغش نفسه ويرمي للناس فتاتا. وهو وهم يعرفون الصدق باهظ جدا ولكنه ثمن الخلاص .ما لم تزرع المسيح في كامل حقيقته تحصد ريحا ولا مسيح فيك ما لم تصب قسطا من العظة على الجبل وافرا. انت لا تحتاج ان تبرهن لاحد انك ملح الارض. اذا جعلك حبك طريح الدنيا فهي تتقبلك نكهة او اريجا واذا بالانسانية أغنية يترنح على لحنها اهل السماء. |
|