Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

اللطف 08/14/1993 Print Email
Saturday, 14 August 1993 00:00
Share

اللطف  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 14 آب 1993

اذا قال الكتاب: "اما ثمر الروح فهو اللطف"(غلاطية 5: 22) فلعلمه ان الغالب على طبيعة الانسان هو العدوان. كان لي في هذا المجال منذ ايام معدودات خبرة موجعة مع لاهوتيين وفدوا علينا للقاء. ناقشتهم في أخلاق الإله العبري الذي كان يقود من السماء جيوش اسرائيل بواسطة يشوع بن نون. استفظعت امر هذا الإله بقتل الكنعانيين وإبادة كل كائن حي. هم وافقوا على تصرفات هذا الإله بقولهم ان في الاولاد الوثنيين شياطين وانه كان حسنا ان يموتوا لتنتشر شريعة الله.

دائما نبيد باسم إله ما، دائما من اجل قضية رأيناها عظيمة. العقيدة القاهرة التي تجعل الناس شرائح انما هي انتقاء بين الأبعدين والأقربين. فمن جعل نفسه فوق يقيم الآخرين تحت. لا احد طبعا يسمح لنفسه بالا يطلي فوقيته ببعض من ايديولوجية. الحقيقة هي فوق لا ريب في ذلك ولكن هناك من ادعى انه يحكم باسم الحقيقة. ليس عند احد هذه الصفاقة الجميلة ان يقول انه يطغى لحبه الطغيان. هذه قباحة خلق لا يتحملها احد .

عند سماعي كلام هؤلاء الإخوة الغرباء قلت في نفسي انه بوسع اي منا ان يستأجر الله. الرب يصبح إلها حقيقيا ان كان في معسكرك وامسى لك ناصرا. ولكن لماذا لا ينقل الله معسكره اذا طاب له القوم الآخرون؟ الجواب الوحيد ان القوي يحدد لله معسكره ويرسل اليه آيات من الأرض بينات وبعد ذلك يقتنع انها إلهية ويستنفر المفسرين لتفسيرها وفق مصلحة المعسكر. واذا تغير مركز القوة فهناك دائما من يتبرع ليخترع آيات وينسبها الى الله ثم يستنزلها فيصير عدوانه اقوى مما كان.

الجماعة التي ذكرتها تعيش في بلد اهل مذهبها يحسون بدونيتهم. فلو تغيرت المعادلة وحكمت هذه الأقلية فلا بد لها من التضييق على الآخرين حتى الخنق لأن لهم اذ ذاك، حظا في الاهتداء اوفر.يعود اذن التأكيد ان الفرق بين الناس هو ان بعضهم فوق وبعضهم تحت وان الأقلي كالأكثري من حيث انه يتوق ان يقبض على الأكثرية ليتحكم كما كانت هي تتحكم به. اظن ان الشعوب بتفاهتها-اي حيادها عن العقائدية- الشعوب بتسطحها كانت خيرا من الجماعات المؤدلجة لأنها كانت تحكم بلا دعم إلهي وبلا عداوة بين الآلهة ولا نزاع بين الأنبياء. ليس ان ثمة كثرة آلهة ولكن الأنظمة تسعى الى آلهة لتدعم طمعها وليس لأن الأنبياء يتخاصمون في السماء ولكن الحكومات تتخاصم وتعلي نزاعاتها الى المطلق.

في الواقع المعيش ليس من فرق-على الصعيد السياسي- بين الأديان والايديولوجيا. اجل الأديان تتفاوت بزخمها الايديولوجي فمنها ما كان اكثر اختلاطا بالسياسة ومنها ما كان دون ذلك. ومنها ما كان بتركيبته اللاهوتية كلي السماوية ولكن بمقدار نزعتها الى المطلق وترجمته على الأرض تتأدلج بمقدار او بآخر. الانسان العنيف يلتمس تلك النصوص التي ظاهرها يؤسس عنفه. من له ان يستأجر الله ومفسرين ويلقي على النصوص بشاعة عنفه فيضع الله في جيبه ويخرجه كما يخرج الساحر المارد من القمقم ويزين للسذجة ان الرب يحارب عنهم ويقودهم من نصر الى نصر واذا خسروا معركة فيكون ربهم قد تخلى عنهم بسبب خطاياهم فيتوبون لينتصروا.

وتستعصي المشكلة لاهوتيا عندما يكون الدين واحدا. فعندما كان هارون الرشيد حليفا لشارلمان وكلاهما ضد الأمويين في الأندلس فحليف من كان الله ومن كان ينصر؟ بعد ذلك عندما كان بعض من امراء المسلمين يحالفون الافرنج في بلادنا على مسلمين آخرين فأين كان الله؟ وعندما كانت اسبانيا الكاثوليكية مدعمة بأجرائها الأسافقة تقتل احفاد المتنصرين من العرب اما كانت حكما كنيسة قاتلة للإله في هؤلاء الأطفال البررة؟

وإذا صلى الكرواتي لانتصار جيشه على الصرب ودعا الصربي إلهه الارثوذكسي ليبيد الكروات فهذا الإله المسيحي الواحد في اي معسكر يكون؟ واذا غزانا الإسرائيلي محرقا الأرض ومدمرا البيوت وقاتلا اطفالنا يكون قبل ذلك قرأ التوراة ووضع قبعته الصغيرة على رأسه ومشلح الصلاة على كتفيه وهو متيقن ان"رب الصباؤوت" يقود من على العرش الذي يستوي عليه الطائرات التي تغير والسفن الحربية التي تشرد. وانا واثق بأن من يطلق النار على الجندي الإسرائيلي يفعل ذلك بالتكنولوجية  بعد بسملة ولكون التكنولوجيا اضعف لا تفيده البسملة.

انا افهم ان تدافع عن شعب وأرض. في هذا جمال مادية الأرض، هذه الأرض الوثنية التي هي ارضك وارض سواك من اهل الأديان وانك متشبث بها لأنها تطعمك وفيها عظام من تحب.ما احلاها ترابية هذه الأرض هكذا في حسيتها بلا إله وهي لك لأنك كريم ، لأنك حر. وانت حر هكذا وثنيا وديانتك بعد انساني فيك تدعم به حرية اولى ، طبيعية لا تحتاج الا ان تقول انها الحياة، هذه الحياة التي في الزهر والخلائق جميعا.

يقيني ان كل من أخذ بالسيف باسم الله يعرف انه يستعبد الله وما هو بعبد الله.اقلب في هذه الأيام صفحات التاريخ القديم وهالني ان حكاما كبارا ذائقين للحضارة وعابدين للآلهة كانوا أكلة للحوم الشعوب المقهورة وهالني ان القاعدة الوحيدة في الحكم قبل ظهور الديموقراطية كانت العنف ثم رأيت ان اهل ما يدعى عندنا الأديان السماوية كانوا تاريخيا اسوأ ممن يسمى مشركا او معدد الآلهة.الهندوس مثلا لا يلحقون بشهواتهم اربابهم.

انا لست متيقنا ان تقارب اهل الديانات التوحيدية ينفع في إقرار السلام ما لم تعلن ان الله لا ينصر جيشا. ولكن ما بقيت صورة الله على انه هو قائد وان له على الأرض رئاسة اركان فمعنى وحدة الموحدين ان بيد فريق منهم القوة او النفوذ وانه في ظله يحيا الآخر. القوة الحاكمة او النافذة وجه سياسي للقوة العسكرية.

وما يخيفني في هذا اللاهوت الرديء انه يبطن جحودا. عند هؤلاء جميعا الله ليس قويا بحد نفسه.فاذا كنت انت تستقوي به -عسكريا او سياسيا - فلكونك انت تعيره قوة بشرية هي منك اليه ولكن تنظيرها الكلامي انها منه اليك. ان الحقيقة انك تستضعف الله ولكن لكونك جعلته قويا على صورتك وبحاجة الى دعم نظري لقوتك تنسبها اليه.

والوجه الثاني من الجحود في هذا اللاهوت الرديء ان المقاتل في سبيل الله هو بالحقيقة مجرد كاسب. انت اذا فتحت تبيد والقواد لا يعتنقون دينا كذلك اذا اضطهدت وقمعت. الفاتح الديني او المكتسب الأكبر وما الى ذلك من تسميات انما يذبح من يذبح لينشأ اولاد المقتولين على الدين المحسوب قويما. هناك تاليا اكراه للصبية الصغار الذين يولدون على دين الحاكم. بالتالي السياسة هي التي نشأت الناس على قناعة دينية. الحاكم يريد بشرا جددا لدينه بعدد كافٍ. ان محاسبا جيدا يتخذ من ربه زخما ويقدم له بشرا يكون قد تربوا على ما حسب انه الحقيقة.

الذين يسحبون المؤمنين سحبا من حظائرهم او يستلونهم استلالا يمارسون عنفا بلا سيف. هؤلاء ايضا ملحدون على طريقتهم لأنهم لو آمنوا بدينهم او مذهبهم ينشرونه بالهداية، باللطف.اما اذا اشتروا الناس اشتراء او اغروهم في المؤسسات التربوية وهم اطفال فمعنى ذلك انهم يستغلون الفقر او يفسدون الطفولة. ذلك ان الفقير والقاصر دائما مقهوران. انت عندك عنف بالسيف او الاقّتناص الديني . كل هذه الممارسات فتح ليس من الله.

السلام في الحقيقة شرطه ان تقبل الناس في اخطائهم، ان ترتضيهم في سر الإثم كما  يقول الرسول وان تنتظر وترجو. فليس من قهر على الحق. التعايش في الضلال الشائع هو تقديس للرب الذي يمد المؤمنين والمشركين بفضله وهم ابناؤه جميعا. يقبل بعضا بالدين القيم وبعضا بالضلالة والله نفسه يرجو ان يتحولوا الى وجهه في اليوم الأخير وهو يرعاهم الآن حتى يتقبلهم في حضنه بعد القيامة. ولك انت ان تبشر او تدعو بالحسنى فمن اهتدى باللطف ينال الرضاء ومن لم يهتد فلكونه لم يفهم. واذا مثلنا في الحضور الإلهي فسنفهم فهما كاملا ونشاهد وجه الله.

 
Banner