Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1993 جنائن النور 08/21/1993
جنائن النور 08/21/1993 Print Email
Saturday, 21 August 1993 00:00
Share

جنائن النور  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 21 آب 1993

"جنائن النور، لمن عاش زاهدا"

(امين معلوف: جنائن النور، ص333)

كل روحانية تقوم على الصفاء ابتغاء الرؤية الإلهية.البيئة رؤية ووجه الرب هو الذي نشاهد. لعل الغاية التي هي مشاهدة المجد الأسنى هي نفسها المبتدأ كأنّ اللّه يهيىء منزله في النفس فتطهر لأنها تعرف نفسها محبوبة وهذا مما يزيدها تنقيات. ليس الانسان عبدا يؤمر ولكنه يأتمر حباً ليرى. ليس اللّه بآمر. انه يدعو. وما يبدو أمرا انما هو من باب ترويضنا لأننا لا نعرف ما ينفعنا واللّه هو العارف. لذلك كانت الصلاة وكان الصوم والمناسك هذه كلها طرقا. ليس بها تقاس القداسة ولكن الإزدراء بها كان من باب الكبرياء والجهل بالوسائل.الأفق يحتاج الى طريق.

لن تصبح ذا نفس روحي اذا لم تشعر ان اللّه معك في تماس. اللّه جواني ورغبتك فيه يجب ان تكون شهوة لئلا تبقى معه في علاقة عبودية. حبه فيك يصبح شريعة. لا تحتاج، اذ ذاك، الى شيء آخر. لا يطلب القلب الاّ حبيبه الساكن فيه. لذلك يدينك قلبك وانت لا تذهب في حياتك او مماتك او معادك الى مكان آخر تُدان فيه. كل حديث في غير العشق الإلهي صور. "من فمك تتزكى ومن فمك تدان"، بمعنى انك تحمل دينونتك في داخلك. انها لصورة قضائية انك تمثل امام اللّه في اليوم الأخير. الحق ان قلبك ينقبض في الإله الذي فيه فيحترق في حضرته او يشع. انت في داخلك تتصرف. انه معك انى حللت. وفي القلب كل النجاسات او فيه كل الإله. الانسان الكامل في هنيهة من الزمان هو من تأكل القلب فيه إلهه فسكن وارتاح.

كلية اللّه فيك، مبتدأ ومنتهى، تتجلى في فضائل هي جنات نور وبذلك تعاين النور الإلهي لأن كل فضيلة من فيضه. فاذا زللت وانفرط عقد المحامد بسبب من غواية يحتجب الرب عنك ويعشش فيك عوسج الخطايا وهكذا حتى تحترق. ولن يكون ذلك في جحيم بعيدة لأن جهنم ليست هناك او هنالك ولكنها هنا في داخلك كما ان ملكوت اللّه في داخلك.

***

انت لا تملك الإله الذي فيك. انه مالكك اذا عايشته وكأنك مبصره في يوم الدين. ولا تملك فضائلك لأنك اذا احسست بملكها تستكبر. رؤية عدمك شرط رؤية الرب. لذلك انت تزهد ببهائك الروحي مثلما تزهد بأشيائك. فاذا كنت فقيرا الى اللّه حقا تحول وجهك شطره فلا ترى وجهك اذ  لا  ترى الا فقرك. انت اذا زهدت بما في يديك وفي عينيك يصبح المولى هو يديك وعينيك. وان زهدت بجسدك  يصير هو  قامتك. والغنى الذي هو اياه ينسكب فيك  ليُمسي فيك ما كان فيه اذ ليس في اللّه من شيء تعجز انت ان تناله ان هو رضي وانعطف.

وانت لا تتألم لأنك فقير ويغنيك فقرك وغيرك مثقل بما يعتبره متعة. اما انت فاللّه نفسه ليس لك. انك انت متعته ويمتصك حبه امتصاصا. ولست مقيما بينك وبينه حدودا لتفتش عما كان لك وعما هو له. انك اهملت مُلكا كان لك بعد ان غدوت مُلك الحبيب.

قبل بلوغك هذه المرتبة من الوجود انت مركز نفسك. وانت كذلك لكونك تشتهي. ولذا انت في ألم دائم. "من عاش في السيطرة يتعذب لكونه غير مُطاع- هذا هو الكلام الذي يقرأه امين معلوف عند ماني- الذي عاش في الظاهر يخسر كل الظاهر ومن عاش في الامتلاك لا يملك شيئا. تنقبض يده على العدم."

اللّه وحده يقطع الوشائج التي تصلك بهذه الشهوات. وانت في أنين دائم ان تركت فيك رواسب او عادت اليك اذا ادركت قبل ذلك الرؤية. هذه هي خبرة الناس جميعا ان "من يعمل الخطيئة عبد للخطيئة" بالمعنى الكامل للكلمة اي انها اذا تراكمت او تكثفت فصارت رذيلة تضحي أمارة بسوئها فيجيء المسيطر قاضيا على حرية الآخرين بعد ان قضى على حريته ويتحرك في الظواهر من احبها ويفسر سلوك الآخرين بها ومن عشق المال ولم يبدده للمساكين لا تراه يقيم وزنا لغير المال ويظن الناس جميعا تحركهم شهوة التملك. المتشهي انسان غبي لكونه يجهل ناموس البر الذي يحرك الأبرار ولا يشاهد في نفوس الآخرين جمالا.

اما من زهد بأشيائه فانما يزهد بنفسه ايضا ويتحرك بالحركة التي يوجدها في نفسه اللّه. لذلك لا يفهمه الغفلة الذين تحرقهم نار ما يشتهون.

***

الذين يمرحون في جنائن النور قلة عزيزة. انهم يعرفون ان ملكوت اللّه قد أتى الى حفنة وان معظم الناس سقطوا في الجحيم هذه التي تكويهم في الاولى وتكويهم في الآخرة. لذلك كان السؤال: كيف نعيش، مع من نحن نعيش ونواميسنا غير نواميسهم ونحن قد جعلنا آخرتنا في أولانا. البار يقبل ان يكون وحيدا لأنه مملؤ من اللّه. الشائع بين الناس ان اللّه غير محبوب وان البشر لا يريدونه وان كل ما يقولونه عنه فرض انشاء تعلموا ان يكتبوه.

ويتوق من يحيا باللّه ان يكون القوم مثله وفي كل يوم يكتشف ان احدا لا يحب من هو يحب وان هذه الأرض ستدور وجهنم فيها حتى قيام الساعة. يتعزى بالقلة المخطوفة الى وجه الخالق، تلك التي اللّه فيها مستور. ويتعذب بسبب من ذلك وكأنه هو ايضا ملقى في هذه الجحيم ويتعزى بآن لأنه اضحى انسانا فردوسيا ويبيت على الرجاء عسى يرفع اللّه غضبه ويرتقي بالجميع في دنياهم. ربما اذا اطلوا على جنائن الضياء يشتاقونه.

 
Banner