Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1993 الزواج المعقول 08/28/1993
الزواج المعقول 08/28/1993 Print Email
Saturday, 28 August 1993 00:00
Share

الزواج المعقول  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 28 آب 1993

الفرنسيون يقولون: "زواج عقلي" اي ذلك المؤسس على توافر عناصر اجتماعية وخلقية فيه بصرف النظر عن تَكَونِ حب بين الفريقين ويقولون: "زواج حب" ويتكوَن بلا توفر عناصر مجتمعية (مكانة، مال، عائلة). انا اقول: "زواج معقول" تجتمع فيه كل عناصره بما في ذلك الحب. ذلك ان الارتباط إن بدأ بالهوى او العشق او الانجذاب الشديد انما لا يستمر فقط به ولكن بقاءه الى غير ذلك مما يرتبط بالفكر والشغل والفضائل والبيئة. فاذا كان الزواج تحولا من أنا العزوبة المركزة على نفسها الى ال"نحن" القائم على تعامل اثنين ومحيطهما فنحن في نقلة روحية وعقلية الى وضع، الى مؤسسة تقتضي ديمومتها شيئا غير اللهب المنشىء.

فالحب وحده فيه طاقة الحياة وطاقة الموت وهما فيه معا الى ان يتنقى الحب مما فيه من دمار الانغلاق على الاثنينية الى المشاركة التي هي مسيرة الاثنين معا، بقوة التنقية، الى العطاء الواحد اي الى قوة تصير في الاثنين قطبا ثالثا. واذا كانا على شيء من الإلهية فالمحجة هي اللّه. انه هو الطرف الثالث الأمام او الفوق الذي يخرج كل واحد من الجحيم التي فيه.

الحب محمول على الجنس الذي يغذيه او يقتله، يوطده او يتلفه حسب عمق الحب. الجنس بحد نفسه لا ينطق. هو المكان لنطق الحب. ولكنه اذا استقل عنه يُسكته. نحن قوة نذهب في كل اتجاه حسبما فينا من ايمان او جحود.نحن ريح ولا احد يعرف كيف تهب والى اين تذهب. والحب الشديد عاصفة يوقفها او يحركها شيء من خارجها. الحب هو الروح (والريح والروح بالعربية والساميات واحد) ولكنه ليس الكلمة. شيء من خارج الحب يجب ان يحركه ليستقيم لئلا ينهي صاحبه.

الزواج تاليا يستقيم بشيء آخر. الحب مجرد حركة، بدء حركة. ليس اتجاها. اما المتزوج فمضطر الى الاتجاه، الى الديمومة والذين لم يفهموا ذلك -كما هي الحال في الولايات المتحدة- عندهم طلاق على ثلاث زيجات. الديمومة تنفي النزوة والعفوية. الزواج عالم المعقول ولذلك لا يسوغ ان يكون مرتبطا حصرا بالعاطفة. ودون العاطفة الجمال. اجل هناك سر الإعجاب والإعجاب بدء التزام كما علمني واحد من اصدقائي. ولكن هذا الذي يُسمى حبا قد يكون نابعا الى حد بعيد عن الذهول امام جسد محسوب رائعا. هنا يُعوزنا العقل. فالقامة شبيهة بقامات كثيرة. فاذا كان شعورك مرتكزا ارتكازا كبيراً على الجسد تكون من أتفه الناس.

***

قد يحجب جمال المرأة فحصك طبائعها ومن الطبائع ما تنافر. وقد يحجب الحب اللاهب كل رؤية. لذلك قضت الحكمة ألا تسترسل في هوى شخص قبل اختياره. والاختيار يأتي من حكمة متأملة. ليس صحيحا ان الانسان يحب في هنيهة. ليس الحب صاعقا. الانفعال صاعق. المرء لا يقع في الحب كما يقول الفرنسيون. انه يرمي نفسه فيه لأنه قرر ان يطيش في عشقه، قرر ان يغيب. اجل، ليس الانسان دماغا معزولا عن التأثر ولكن التأثرية المحضة ممقوتة كالعقل البارد.

ان ما يرجح الاختيار المعقول فضيلة من نفكر بالاقتران به. ذلك ان الانسان روح، بهاء داخلي. فمن لم يعش بمقدار من المحبة والوداعة واللطف والصبر والصدق وما اليها من مواهب الروح القدس ليس انسان الديمومة. تلك هي الفضائل التي تجذب وتجعلنا في رعاية القرين. الزوجة الموشحة والمزينة بهذا الضياء الداخلي هي تصالحك والحياة من بعد حزن وتعب وقتالية المجتمع وترفعك من هبوط وتشتت وتعيدك الى نفسك واليها من كل مغريات الوجود. المرأة حاملة الخلاص من شر الأشرار والملجاء من توتر العمل والسياسة وشطحات الصراع الفكري. هي تنقلك من دماغية الثقافة وهواجسها وقلقها الى بساطة الوجود، الى الطفولة، الى يوميات تقدسك ان اتقنتها.

ولست اوحي ان الزوجة المثقفة ليست الفرح الكبير فإنها تنقذك من وطأة الجسد وتفاهة اليومي ولكنها ثقافة مرتبطة بالحياة التي تحملها المرأة. ما اعظم المرأة القادرة ان تشاركك إبداعك او ان تتفهمه وتستطيبه وما اعظمك ان الححت عليها بأن ترعى هي ثقافتها. هذا ينقذك من ميل معظم الرجال الى المرأة-الدمية.

***

من عناصر المعقولية بيئة من نختار. ذلك اننا في الشرق لا نزال على نظام العائلة-العشيرة التي يسميها علماء الاجتماع العائلة البطريركية. عندنا لا ينفصل احدنا عن ابيه وامه وعن اعمامه واخواله واخوته وأخواته. وهذا نظام على وطأته علينا فيه منافع كثيرة واهمها التماسك القائم على الافتقاد والتعاضد. لذلك كان صلاح العائلة التي نصاهر سندا وضمانة. وفي كثرة من الأحايين فساد هذه العائلة التي نخطب ود ابنتها يشير الى فساد كامن في الفتاة التي نبتغيها عروسا. "ابن بيت" او "ابنة بيت" بالمعنى المناقبي للكلمة ليست عبارة برجوازية سخيفة. واذا صدقت احدى عالمات النفس اللبنانية في اطروحة لها كبيرة ان الانسان بأمه فالتفتيش عن العائلة يكون امرا محتوما.

هذا من وجدانيات من نسعى اليه. غير ان البيئة لا تنحصر في ذلك. هنا تنطرح مسألة مكانة الفريق الآخر ومهنته. هنا نواجه قضية القدرة على الانتاج. طبعا للفقيرة حق الزواج بفقير فقد يكون الفقير عظيما. ولكن هذا يعني التقشف الكبير ويعني ان تكون النفوس كبيرة. وقد يكون الغني باذخا، مسرفا، محبا للعيش الباطل والمجد الباطل. هؤلاء يدمرون العائلة التي يُنشئون. المهم القدرة على العمل المعطاء. غير ان الانتاج يجب ان يكون مُتوقعا في المستوى الذي يكون عليه من نتخذه رفيق عمر. ليس المال الوفير ضمانة مستقبل ولكن العقل المحب للعمل والمثابر عليه هو مفتاح النجاح في مجتمع يقدم فرص العمل.

هنا تنطرح مسألة المستوى الاجتماعي لا المادي. هل يتخذ المرء زوجة له من كانت من بيئته؟ هذا ليس ضروريا ان كان له القدرة على التكيف ببيئة زوجته. ولكن الحكمة تقضي بالفحص. الوسط الاجتماعي وطأة كبيرة ولا يتكيف به المرء بسهولة. العائلة المترفة المستعلية لا تستطيع ان تمتص بيسر شخصا عقدته دونيته. فالفقر المدقع يعقد كالغنى الفاحش. اما من كان كبير النفس وغير مصاب بجوع مزمن فمؤهل للانسجام بمن كان دونه او فوقه. اظن ان المعقولية تقضي بأن نتخذ ازواجا قادرين على الانسجام بالمحيط الذي ننتمي اليه.

***

ومن عناصر البيئة الدين والدين ليس لباسا خارجيا نخلعه متى شئنا. ومن الناس من كان شديد التمسك بمذهبه. فالدين والمذهب احيانا حضارة قائمة بنفسها. وهنا ايضا تنطرح مسألة الانسجام بالعائلة الكبرى التي قد تكون كثيرة التعلق بما تدين به. انا اعرف ان الحب يتخطى كل الحواجز ولكنا هنا ايضا في موضوع الديمومة. انه لمن باب الخيال القول بأن الزيجات المختلطة تسهل الانصهار اذ تدل الخبرة انها قادرة على إثارة التنافر. فالدين عقيدة وتراث وتقاليد. هذه كلها يمكن ان تكون في النفس عميقة وتتأكد فوارق في العائلة ويضطر طرف من الطرفين او كلاهما ان يصمت عن شعائر له او اعتقادات وان يشعر بأنه لا ينمي شخصيته وفق التعاليم التي ورث.

هذا الى جانب الصعوبات الكبرى التي يتعرض اليها الاولاد. قد يُقال ان الاولاد على دين والدهم او مذهبه. هذا هو الموقف القانوني ولكن الحياة ليست القانون. هي عطاء الوالد والوالدة. وكثيرا ما يكون الاولاد محتارين بين دين الوالد ودين الوالدة. هنا الانصهار الاجتماعي لا يحل العقدة وقد أثبتت الدراسات في اوربا التي تعيش على المسيحية ان العائلة اكثر انسجاما ان كان الوالدان على مذهب واحد.

العائلة مشروع صعب، بناية متعددة العناصر. الحب عند تكوينها زخمها الكبير. اما استمرارها بأقل ما يمكن من المصاعب فمرتبط بمعقوليتها التي تؤلفها عناصر تدعم الحب الاول او تجرحه. صعب هو الانجراح الكثير.

 
Banner