للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
الراعي والرعية 10/09/1993 |
Saturday, 09 October 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 9 تشرين الأول 1993 "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر مما يحبني هؤلاء؟" قال له: "نعم يارب، انت تعلم اني أحبك". قال له: "إرع حملاني" (يوحنا 21: 15). ليس من سبب لإسناد الرعاية الى واحد من الناس الا بما فيه من حب لهم. ذلك لأنه وحده يفجر كل طاقات العطاء ويوحي بالفهم وما من أحد يزيد على المحبة قدرة ولا على هذا الفهم نورا وكأن السيد يقول: ان شئت ان يكون لك سلطان لكي يقبل الناس على ما تقول فالسبيل الى ذلك ان تحجم عن الإكراه لتجذب البشر الى الإله الذي تنفقه عليهم بالرسالة. فالرسالة في الأخير كلام والكلام مهما كان بليغا لا يعبر من ذهن الى ذهن بمجرد قوة المنطق او بسحر بيان ولا سيما انه ليس من اليسر بشيء ان يعتنق المدعوون الدعوة وهي قاهرة لشهواتهم وتقيمهم وتقعدهم ان شاءتهم إلهيين. فالرسالة اذا كانت بلاغا الا انها تحتاج الى مبلغ يرى الناس أنوار الله عليه ويحس المدعوون انه يؤمن بما يقول فلا يرونه صادقا في ما يقول ولكنهم يشعرون ان الرسالة جعلته "خليقة جديدة".هل جعلت نفسك منهم بحيث يتلقونك أخا، واحدا منهم تعرفهم في العمق ولا تدينهم لكونك مؤمنا انك لست أفضل من واحد منهم. هذا التواضع وحده يجعلك تنزل الى الخطأة لتتبناهم ولا تتبنى خطاياهم. هل لك ان تتطلع الى فوق وانت معهم ليتمكنوا هم ايضا من ان يذوقوا بدورهم ما هو فوق؟ انت تكون على الأرض وفي السماء مما يعني ان ترى نفسك ترابيا ومشدودا من ترابيتك الى الضياء الذي هو وحده خبز البشر. انت من طينة الناس ولكنك ادركت ان هذا الطين له ان يجبل بنور حتى يسقط التراب فاذا اضحيت قامة نورانية لهم ان ينبهروا وان يتبعوا هذا الذي انت تابعه. ذلك انك لا تطلب تبعية لنفسك لأنك لا تراها ولكنك تطلب خلاصهم الى هذا الذي وحده يغذيهم ويقيمهم منذ الآن على أرائك الملكوت. ولن يصيبك الدوار اذا نظرت الى معاصيهم لأنك تنسبها دوما الى الجهل او الضعف وانت تصرف وجهك عما أصابهم بعد تشخيصك ما كانوا بها مصابين لتجد الدواء الناجع فإن جهلك بهم لا ينفعهم ولا يعطيك سبيلا الى الشفاء. هناك معرفة لا بد منها ليس بوسائل علم النفس او ما الى ذلك. ليس المرشد محللا نفسانيا. انه باسط الكلمة وما فيها من روح. والكلمة في آخر المطاف تجف ان جففت انت ولكنها تحيي ان صرت بالله حيا. قد لا تنطق ولكنك تنير وحسبهم في ذلك عزاء وان تدخل اليهم الطراوة التي أوتيت وما لك فيها شأن. نحن هنا في سر النعمة. انهم لا يحتاجون الى سمعك ولكن الى رؤيتك بعد ان غدوت أيقونة مقدسة اي إطلالة الله عليهم في وجه بشري. *** يعني ذلك ان الرعاية لا تقتصر على التعليم وانها بالدرجة الاولى انتباه الى الآخر في أوضاعه الحياتية والانصراف الى خدمته. وان كانت ذات أبعاد اجتماعية وتقتضي اساليب الاستقصاء ومواجهة للحالة الاجتماعية في موضوعية وتقنيات الا ان الرعاية ليست ذلك الذي تستخدمه. هذا الانسان الطريح عزلته والمثقل بذنبه هو موضوع عنايتك وفي اخر المطاف يكفيه حبك حاضنا لأن الحب يستغني عن كل شيء ولا يستغنى عنه. المحبة تحتاج الى برهان ما في ذلك ريب. الذي لا يتجسد تخشى عليه ضبابية البلاغة. كل شيء تجسيد ما عدا هذا الاحتراق الداخلي الذي يخرج ضوءا ودفأ معا. اذا صح ما قلناه فالمحبة التي هي زخم الرعاية وتوثبها توجب عليك ترويض من ترعى، ترويضا حتى التأديب.الرعاية التربية فيها اسلوب، والاسلوبية تلقن ولكن نجاحها من النار المتأججة فيها. المبتغى جعل كل انسان كاملا. وهذا لا يأتي من انتظام شؤون العقل في ما بينها ولكن من انبثاث الروح في الروح. وفي حسنا ان المعيار الوحيد لاستقامة الفكر في ان تتبين ان هذا الفكر يقودك الى المحبة. في الأخير العقل هو ان تقول الحب بصورة جميلة اذ ذاك ينزل عليك السلطان. *** ما معنى ان الراعي يصبح ذا سلطان؟ هذا تساؤل وارد في الأديان التي فيها مرجعية ولا سيما تلك التي تعلم بأن صاحب هذا المنصب أقيم فيه بتعيين إلهي. هنا تتوالى او تتلاقى اسئلة عدة: هل يحمل هذا المقام من الله دائما الكلمة الإلهية فيما هو عليه من ضعف او جهل؟ هل هو محك هذه الكلمة ان أردت ان تتبينها بحيث تأتي كلمته تفسيرا مضمونا او معصوما؟ هل اذا أمرك أمرا في يومياته ويومياتك تجب له الطاعة؟ اسئلة شائكة وتداولها الواقعي بغية سلوك من الصعوبة بمكان لأن القائم في المسؤولية يمكن ان يتكلم عن هوى او في جهل للعقيدة التي سلمت اليه او ان تكون خطاياه قد أفسدته حتى الكيد والحقد وعطلت فيه الحكمة وصفاءالرؤية. انا لا أملك وصفة لأملي على احد سلوكه، ذلك ان كل القائلين بالطاعة للرئيس ينطلقون من انه تلقى عصمة ما او دعما إلهيا او إلهاما. يفترضون ما يجب إتباعه اذ ان ثمة عناصر مختلفة يجب ان تأتلف لنعرف بعديا ما اذا كانت هذه العصمة او هذا الدعم او هذا الإلهام قد توفرت. هكذا المجامع المسكونية القديمة لا نقرر عصمتها عند انعقادها. نرجو العصمة رجاء ولكن نقول بها اذا الكنيسة قبلت بعديا هذه العصمة. كيف نعرف بالتالي قبليا ان المرجعية الشخصية التي تكلمت انما تكلمت باسم الله؟ ما يمكن تقريره في هذه المرحلة من التأمل ان الرباط بيني وبين موجعيتي ليس فيه علاقة حقوقية كعلاقة رب عمل بأجيره او ضابط بجنديه خارجة عنه وعني، ذلك ان كل علاقة ذات الطابع القانوني الوضعي علاقة إكراهية. المقام الروحي لا يضفى عليه وشاح الألوهة بوعد منها. المرافقة الإلهية لأي منصب تكون او لا تكون بالفعل لتطيع الفعل الإلهي اذا ظهر. هذا الذي أشرحه الآن بسطه التراث في قول ديونيسيوس الأريوباجي (لعله راهب سوري في مطلع القرن السادس) لما قال ان التائب نجعله شماسا والمستنير قسا والمؤَله اسقفا. المراتب ينالها الطاهرون فقط وانت تطيع امرا انطلق من الطهارة اي من الله. وتوما الأكويني يعلم ان الفضائل "موضوعيا" قائمة في الأسقف. وهنا يأتي التراث النسكي برمته ليقول انك تطيع أبا روحيا اي ان من صار روحيا حقا يؤتى به رئيسا للدير. اما القول بأنك تطيع من "يمثل" الله اي من يمثله في منصب وليس هو موحدا به فقول يدني طبيعة الكنيسة من الدولة والمصرف وما اليهما. "أتحبني ارع خرافي" ليس من تأسيس للسلطة غير هذا او لا يبدو لي من المصادر الاولى. القول الفصل هو هذا: "تعلمون ان الذين يعدون (بفتح العين) رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها. فليس الأمر فيكم كذلك. بل من أراد ان يكون كبيرا فيكم، فليكن لكم خادما. ومن أراد ان يكون الأول فيكم، فليكن لأجمعكم عبداً (مرقس 10 : 42 و43). لا أجهل ان هذه الرؤية تعرض العلاقة بين صاحب المقام ومن معه في الجماعة الى هشاشة خطيرة. ولكن افتراض الإلهام في الرئيس او قوننة سلطته بالمعنى الإكراهي لخطر روحي أفتك. ان القانون الكنسي لا يقيم مسافة بين الأسقف والكاهن والفضائل المشترطة لاختيارهما وإبقائهما في المسؤولية فإن القوانين تتحدث بلا انقطاع عن فرز او قطع او إبسال لكل من ارتكب. والآباء يحثون الاكليريكي الشاذ ان يخرج تلقائيا وبلا محاكمة مما يعني ان ثمة تماهيا بين المقام او الشخص لا بمعنى تقديس الشخص بسبب من المقام ولكن من حيث انك تطيع انسانا صارإلهيا واقعا لا افتراضا. ولكوننا لاحظنا الهوة بين الكيان الروحي والكيان المقامي اخترعنا نظرية الطاعة للمقام كأن المقام ماهية.من أراد ان يطاع فليتطهر ويحب. الطاعة، اذ ذاك، لحبه. |
|