Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1993 الآن، الآن 10/23/1993
الآن، الآن 10/23/1993 Print Email
Saturday, 23 October 1993 00:00
Share

الآن، الآن  

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 23 تشرين الأول 1993

من تأكيدات الكتاب الأساسية ان الـمـسيح جاء وانه سيجيء واننا نحيا نحن بين حضور اول له وحضور أخير. ولذلك قال العهد الجديد: "الـمـسيح هو هو أمس واليوم والى الأبد" (عبرانيين 13: 8). واذا تكلمنا عن حضوره الأول نعرف انه أتـم فيه كل العهود والوعود فإنه هو التحقيق الكامل لآمال الشعوب واننا لا ننتظر بعده شيئا آخر لأنه هو كلمة الله وهو مصدر الكلمات ومعنى الوجود وإكليله وان كل كلام آخر يتخذ حقيقته ومداه منه فلا تنقيح لـمـا انكشف كاملا ولا إضافة لكون الله نطق مرة واحدة وأخيرة فيه.

هذا لا يحول دون ظهور الحق هنا وثمة ودون ظهور الجمال. هذا في اعتقادنا انبثاث كلمات إلهية منبثقة من الكلمة الواحد الذي هو كمال الحق. وبسبب من اعتقادنا بأزلية الكلمة لا ننكر ما تجلى قبل المسيح في الأديان الآسيوية بقدر ما تكون موافقة لـمـا قاله هو. الحق فيها من تجلياته وان اختلفت التسميات والتعابير. انا لست من القائلين ان البهاء الروحي الساطع هنا وثمة مجرد قول بشري او محض سعي عقلي. هناك إلهية ما منتشرة في تاريخ الفكر البشري. ليس ان ثمة حقائق متوازية. الحقائق دائما متلاقية. والتلاقي يبطل ان تذهب عن الـمـسيح لتفتش عما في الهندوسية او البوذية او سواهما من نور تستقل انت به اذا وجدته. انت ذائق للمسيح ما ذقت الحياة تتدفق عليك انى شاءت. انها تقول الرب بأسلوب آخر وإذا قالت شيئا آخر فما تقوله مقاربات وتلمسات. الـمـسيح ينهي كل شيء لأنه يجمع الى نفسه ما كان في أمسه. انه هو الأشياء التي هي أمسه.

ولكن من حيث هو اليوم فأنت في لحظتك اليه وليس عليك ان تضع أساسا غير الذي وضع. تحبه في ما يبدو سواه ولكنه ما هو سواه. تعابير اخرى عن وجهه. واذا كنت الى وجهه ما لك وللتعابير الا اذا شئت حوارا يعيد الناس اليه ولا يشتتك في الصهارات. لا تختلط الأشياء فيك وانت لا تلفق ولا تأتي من هنا ومن هناك. استلذ ما شئت بلا تراكم واذا انت استلذذت حتى التيه فمعنى ذلك انك ما رأيت وجهه. انك تكون قد أخطأت قراءة هذا الوجه او بدا لك مشوها. انت تروي اذن عن آخر، تجيء من عينيك. الـمـسيح تفسير كل شيء وبه واليه ينتهي الفكر وبه واليه كل خلجات القلوب اذا طهرت.

واذا كان السيد الى الأبد  فمعنى ذلك انك تستمده اليوم وغدا، في محياك ومـمـاتك ومعادك وانك اليه في قيامتك وفي خلودك، في نفسك الـمـحياة وجسدك الـمـنبعث نورًا وانك تعايشه في الدهر وما بعد الدهر واذا زال منك  ومن الكون كل نتوء وبادت كل خطيئة يقيمك الـمـسيح  في الله "ليكون الله كل شيء في كل شيء"(1 كورنثس  15 : 28).

غير ان السؤال الذي لا مفر منه هو كيف يكون المسيح اليوم والى الأبد وليس كل شيء خاضعا له؟ السؤال قائم بسبب من الشر. كيفَ يقول المسيح: "ثقوا، اني قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33) والكتاب نفسه يقول: "واما العالم فكله تحت وطأة الشرير" (ا يوحنا 5: 19).

كيف نسمي المسيح مخلصا والانسان رازح تحت معاصيه وليس من فرق ظاهر بين الانسانية التي عاشت قبل المسيح وتلك التي جاءت بعده؟

***

اجل، الذين جاووا بعده أكثرهم لم يعرفه ولم يبشر به ولكن الذين انتسبوا اليه والى كنيسته هل يعرفونه اكثر من اولئك؟  الجواب المسؤول الصادق عن هذا السؤال لصعب جدا. فالحروب التي شنتها الشعوب المسيحية لأعظم وأشرس من الحروب الأخرى. انه لمن الواضح ان المسمين وثنيين لم يتعاطوا العنف بالمقدار الذي تعاطاه الموحدون.السلام ليس خاصة الذين عبدوا الاله الواحد. هذا أمر مخز ولكنه يستوقف حتى الشك.

هناك قديسون. انهم آمنوا حتى الالتزام الكامل. شهداء أحياء يـمـيتون كل يوم خطاياهم ويتطهرون منها حتى حالة عدم الهوى كما يقول التصوف الارثوذكسي، حتى حالة هذا السلام الداخلي الذي ليس مثله شيء. بهؤلاء تشبهنا ونحاول ان نسلك مسالكهم. لقد عرفت هناك مجتمعات صغيرة تجملت في العمق بفضائل الإنجيل. ولا شك ان ثمة عيسوية رائعة عند الكثيرين وان الكثير من تهذيب النفس هنا وهناك مرتبط مباشرة بما قاله يسوع وبـمـسيرة الحب الكبير التي سارها. لا ريب ان الكثير من حضارة اليوم بـمـا فيها من حرية ورعاية للضعفاء وجهاد في سبيل الفقراء جاء مباشرة مـمـا تركه لنا السيد وان ما يبدو حقوق الانسان ولو صيغ بلغة الليبرالية العلمانية انما هو انسكاب لفكره. انجيله فيض حيوية وتجاوز مستمر لما نحن عليه بحيث لا يـمـكنك ان تفهم القيم ولو تعلمنت ما لم تسندها اليه.

مع ذلك لمَ كل هذا السقوط؟ كيف يستفحل الشر الى هذا الحد؟ لماذا يخطئ الـمـفدي؟ كل شيء يدل على ان الأبرار قلة وان كل مسعانا صبوة نصبوها وان اقتحام المسيح العالم لم يكن وان شيئا لا يدل على انه آت في التاريخ. ما يعوم على سطح الوجود وعلى سطح النفس هو هذه النتانة التي تقهرنا. الزمان يسير وكأن الفاعل الكبير هو الخطيئة. هل مات الـمـسيح عبثا؟

هذا السؤال-الـمـأساة يثيره في القلـب مشهد السقوط العظيـم في الانسانيـة كلهـا. الأفـراد ومؤسساتهم في الكنيسة وخارج الكنيسة في صعود وهبوط. كل يساوم بصورة او بأخرى لـمـنافعه وبسـط نفوذه وظهوره وكأن كـل الـوجـود الى يبـاس، كـأن هذه البشريـة صحـراء يـمـوت فيها الانسان عطشا. يـزيـن لـي ان جوهـر التساؤل هـو هـذا: هـل فـداء الـمـسيح اقتحـم الـزمان اقتحـاما بحيـث تـمـحى الخطيئة لـمجرد مرور السيد في الأرض؟ هناك جواب هـين وهـو ان الـزرع ألقـي في تـربـة هـذا التـاريـخ وتخصـب التربـة بقدر. نظـام الشريعة كما في عـهد مـوسى يتمـم منه الـمـؤمـن مـا يستطيـع ويهمـل ويعـصى. نحـن فـي اليهودية  وغيـرهـا مـع نظـام الكلمة الـمـكتوبـة والتي يتعـامـل الانسـان وإيـاهـا على انها فـوقيـة وهـي القـائمـة بحـد نفسها وخطـايـا الانسان لا تغيـّر مـن حقيقة الكـلمة وإطـلاقـها.

اما في الـمـسيحية فعندنا الكلمة الـمتجسد الذي حلّ فينا ورأى الأوائل انهم ينشئون له مـمـلكة روحية فاعلة، مجتمعا جديدا محققا، بعضا من سماء على الأرض. الأمر الذي حدث في الواقع انه ظهرت جماعات تائبة وانه كانت لنا بقاع سماوية هنا وثمة. ولكن لم يظهر مجتمع بلوري، حامل للمسيح. "الإيمان الفاعل فى الـمحبة" كان رجاء. الجماعات الـمـضيئة كانت "مستترة مع الـمسيح في الله". الأزمنة دائما رديئة ولا يحتلها الـمسيح احتلالا. لقد ظهرت كتل مـمـسوحة بالنعمة بصورة أخاذة اما الأكثرون فعاشوا في التوق. الـمـسيحية أشواق كبيرة مع نقاط ضوء باهرة.

***

ذلك هو الرجاء. وهو توقع خلاص نهائي في المجيء الثاني للرب. "ورأيت سماء جديدة وأرضا جديدة... لن يكون ليل هناك" سيزول الخواء القديم وتنزل من السماء من عند الله المدينة المقدسة، اورشليم الجديدة، الكنيسة المجيدة التي سكانها أبرار التاريخ كله.

لا يكتفي صاحب سفر الرؤيا - وهو الأخروي بامتياز - بأن يتوق هذا لأنه هو ورفقته يذوقون اضطهاد الوحش ولكنه يريد الـمـنتهى الآن فيدعو لاستعجال مجيء الـمـسيح. آخر كلمة من كتاب الرؤيا: "تعال ايها الرب يسوع" دعاء تنهد وكأن يوحنا الحبيب لا يطيق الفاصل بين الزمان الحاضر والأزمنة الأخيرة. وجه يسوع وحده اذا أتى يعزينا.

غير ان الرجاء لا يزيدنا مضمونا. لن نتعلم به شيئا جديدا. لن نخلص بقوة جديدة. فقد أُعطينا كل شيء على الصليب ولنا فيه طاقة الحياة الكاملة. الإيـمـان أصل الرجاء ومنطلقه. نحن مشدودون الى الـمـجـيء الثاني شوقا وفي مسعى قداسة الى ان ينهي وجه الـمـسيح العائد الأزمنة الرديئة.

 
Banner