للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
الخطيئة 10/30/1993 |
Saturday, 30 October 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 30 تشرين الأول 1993 في اليونانية القديمة كما عندنا الخطيئة ان يخطئ الانسان الهدف ثم تعني الضلالة او الذنب وكأنك لا تسقط الا على الطريق الصحيح، لا تبلغ توا منتهى الطريق، كأنك اصلا هادف الخير. ان تكون مطبوعا على الخير يعني ان الخطأ ليس فيك منذ البدء وأنه يدخل اليك خلسة. هذا هو الموقف اللاهوتي من الخطيئة. هناك قاعدة مرسومة فيك، في طبيعتك وان انت شذذت عنها تكون خارجا عن الصورة الاولى التي فطرت عليها. هذا ما تسميه المسيحية ان تكون مخلوقا على صورة الله ومثاله. الصورة تعني انك كائن الهي في البدء والمثال انك تتحرك الى الله. ويقول آباؤنا ان الخطيئة لما تسربت اليك عطلت فيك الحركة الى الله فلا حركة بعد ذلك اليه الا به. وعند المسيحيين ان المحرك كان المسيح. بلا إله ينزل اليك ويساكنك لا قدرة لك على السير في الله. هذا التعطل الداخلي لا يلغي منك الصورة، لا يبطلها. يشوهها، يقبحك ولكنك تبقى كائنا الهيا لأنك ان بطلت ان تكون كذلك كيف لك ان تسير، كيف لله ان ينقذك. صحيح انكم "بالنعمة مخلصون" (بفتح الخاء) ولكن النعمة تجيء اليك وتنمي ما فيك. النعمة لا تخلقك من العدم لأن العدم لا يصير شيئا، لا يمكنه ان يصير. انت لم تكن يوما بلا ألوهة فيك. هذه النفحة الالهية المضمونة اساسية في قيام ناسوتك. ليس من ناسوت مفصول عن اللاهوت. لم يكن لك من البدء طبيعة خالية من الصورة الالهية. هذه لا تضاف عليك من الخارج. لذلك كمنت فيك القدرة على النهوض. ما يهبط عليك من علِ يفعّل الطاقة الكامنة. بكلمة اخرى، النور فيك. قد يخفت كثيرا ويحتجب ولكنه لا ينطفئ حتى في المذنبين. انت تخطئ الهدف الذي فيك. انت لا تترك نفسك تصعد الى الله. انت تدخل في اعماق نفسك لتشاهد الله. لذلك لا نحب العبارة التي يكثر استعمالها في بعض من الاوساط المسيحية التي تتكلم عن العودة الى الذات لأنها ملتبسة. ان لم تكن القولة مؤسسة على اللاهوت الذي نبسطه هنا وهو ان الذات مكمن الله نفسه فقد تعني الذات الشخصية كما هي في سقطاتها وقد تعني مجرد العقل. الأنا كما هو في محدوديته، في معطوبيته ليس مرجعا للانسان. الضمير نفسه في تجرده ليس مرجعا لأنه قد يكون مجروحا، مشوها. العودة هي الى الله الساكن فيك. هذا يجعلنا نرى شيئين بآن فهناك قبائح لا صورة لها تقزم النفس وتضلها في متاهات لا حد لها وهناك جمال مقيم ينقلك الله به الى وجهه. هناك الرجاء. فالمسيحية المستقيمة ترفض ان تكون الطبيعة خالية منذ تكوينها من الحضرة الالهية وترفض ان تكون الخطيئة قد أفسدت الطبيعة افسادا كاملا. هناك عودة ممكنة الى الجمال القديم الذي خلقنا الله عليه. ان الرجاء الذي نحيا عليه راسخة اصوله فينا ولا شيء يحول في كياننا دون عودتنا الى الجمال هذا. الرجاء ليس توقا نابعا من لا شيء. انه يأتينا من الداخل وان كان ذلك بمعونة تنزل الينا من فوق. واذا صحت العبارة فالإلهي الذي من فوق يلتقي الإلهي اللدني. الحركة النازلة الينا تتلقى توثبا داخليا. *** التوبة مؤسسة على الرجاء فانها وان كانت هبة المجانية الالهية الا انها تحرك الصورة الى مثالها من داخل الانسان، تبيض الصورة المدلهمة. التوبة تأخذ كثيرا من زخمها من الذنوب لأن النفس تتمرمر بالمعصية. في النفس ما يجعلها تنفر من الخطيئة التي ارتكبتها لكونها تتوق الى الجمال الاول المفقود. فينا حنين الى الفردوس تثيره الخطيئة. هذا لا يعني ان "نتمادى في الخطيئة لتفيض النعمة" (رومية 6: 1) ولكن لاحظ العلامة اوريجانيس ان خبرة الخطيئة تجعلنا في الواقع اشد ذوقا للبر. تلك هي مأساة الانسان انه يصنع الشر الذي لا يريده ولا يصنع الخير الذي يريده وكأن الفهم الروحي فينا مقهور بسبب من شهوات تستعر وتستيقظ ما دمنا في هذا الجسد الا اذا استهوانا وجه الرب فحولنا اليه عن عشق الجسد والفانيات. هناك وقت تبدو فيه التوبة نهائية. يستضيء وجه الله امامنا حتى الانبهار فتخطفنا انواره وتضمحل الخلابات كلها. نحن في هذا امام تأكيد لبولس "ان جميع الناس قد خطئوا فحرموا (بضم الحاء) مجد الله، ولكنهم نالوا البر مجانا بنعمته" (رومية 3: 23). وهذا عند الرسول ممكن بفضل الفداء الذي قام به يسوع المسيح. والخلاص ممكن لأن محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس" (رومية 5: 5). بولس يقيم إزائية بين الخطيئة والنعمة، بين الموت والحياة، فيقول: "حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة، حتى انه كما سادت الخطيئة بالموت، تسود النعمة من اجل الحياة الابدية بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 21). هذا كله في الكيان الواحد حتى يتغلب البر. فالرسول يتطلع الى زوال الانسان العتيق فينا وزوال البشر الخاطئ. هنا يحسب بولس ان الانسان يقدر بفضل السيد ان يصير، حقيقة، على صورة الله وبهاء مجده اذ يقول: "فاذا كنا قد متنا مع المسيح، فإنا نؤمن باننا سنحيا معه. ونعلم ان المسيح، بعدما أقيم من بين الاموات... فكذلك احسبوا انتم انكم اموات عن الخطيئة احياء لله في يسوع المسيح" (رومية 6: 8 -11). في هذه الرؤية قيامة المخلص تبدو فاعلة حتى ابداء بشرية جديدة تحيا حقا حياة الله ولا يفصلها عن الله شيء. يزين لبولس ان هذا قابل للتحقيق منذ الآن. يتصور ان الطاعة لله ممكنة كلما في هذا الوجود. ان مشاركتنا الحياة الالهية ليست شيئا مرجأ وكأنه يقول ان كلام الرب "ملكوت الله في داخلكم" ليس حلما رومنسيا، ليس توقا. هناك قوم يعيشون هكذا غير مستسلمين لشهوة او لهوى كما نقول في مصطلح الآباء. هناك من قضى على الميول الباطنية التي تقهرنا على الذنوب. هناك من كان حرا من كوامنه لا تأخذه لذة من لذات الأرض، لا ينفعل لها. هذا ما يسميه آباؤنا حالة اللاهوى. الكنيسة الارثوذكسيـة تقول ان احدا لا يبلغ اللاهـوى، السلام الداخلي الكامــل - وقد لا يبقى على هذه الحالــة - الا اذا بات الله نزيله حسب قول يسوع: "اذا أحبني احد، حفظ كلامي فأحبه ابي ونجيء اليه فنجعل لنا عنده مقاما" (يوحنا 14: 23). هذا عند الارثوذكسيين ليس من باب المجاز او من باب المبالغة الشعرية. هذا يعني مساكنة الله للانسان بحيث تكون اصول الخطيئة في قعر النفس قد استؤصلت وحل النور غير المخلوق في النفس. نحن لا نفهم خارج هذا ثمار التجسد الالهي. اتحاد ينفي الحلولية التي هي تمازج جوهرين. عندنا الجوهر الالهي مفارق للجوهر الانساني الى الأبد وليس من اختلاط. نحن نذهب الى حد القول مع المسيحيين التراثيين ان الحياة الالهية كلها تنسكب في الانسان المتحرر من الأهواء ولكنا نمتاز بقولنا ان لنا تفسيرا لهذا الانسكاب وهو ان الضياء الذي يسطع على وجه المسيح في جبل التجلي هو اياه الذي يجلبب المتقدسين. نحن نأخذ بعين الجد قول المسيح ان يجعل القلب البشري مقاما للثالوث. العلاقة بالله ليست فقط ادبية، تشبها بأخلاقه لأن الكيانين الالهي والبشري يكون، اذ ذاك، احدهما خارجا عن الآخر. المحبة الالهية غير المسكوبة تكون فوق. لا تكون قد انسكبت بالروح القدس. في هذه الرؤية الخطيئة مغلوبة كيانيا. لا تمحى كليا اذا كنت انت مقتديا بالله اقتداء خلقيا. يجب ان تمحى من الجذور. المسيح هو وحده ذلك الوجه الذي يجعلك أبهى مما كنت عليه في الخلق ويجعلك على جمال ابيه الكامل. قلبك، اذ ذاك، سماؤه وليس عليك ان تصعد اليه. يكون هو قد نزل اليك. لا يستوي الله على عرش علوي. ليس فوقك شيء. انت تصير بالحب عرش الله. |
|