للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
الخلاص 11/20/1993 |
Saturday, 20 November 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار لسبت 20 تشرين الثاني 1993 اظن ان المفهوم الرئيسي الذي يحكم الكتاب المقدس في عهديه هو الخلاص. انها لفظة من اللغة عادية تدل على النجاة من خطر او من هلاك محتوم لننال الحرية او العافية او السلام. باعتماد الخبرة الدينية لهذه الكلمة غدا السؤال: من اي شيء ننجو، من ينجينا، من هو الناجي، متى، كيف ؟طبعا الانسان ينجو من مرض وهذا كثير في العهد الجديد وسببه حنان يسوع. وهذه الحركة الشفائية الواسعة علامة من علامات الملكوت لأن الملكوت صحة شاملة. المسيحية ليس فيها استلذاذ المرض ولا سعي فيها الى الألم ولا تقديس فيها للمتألمين لمجرد انهم اصيبوا ولا رضاء عند الآب عن اوجاع ابنه ولا تكفير في الألم. المسيحية ليست ديانة دم إلهي يراق ويؤتي نجاة لكونه تضحية على طريقة أضاحي الوثنيين. لا قيمة للدم الالهي المبذول الا من حيث هو دخول الحياة الإلهية الكاملة التي كانت في المسيح الى نطاق الموت لتتفجر بذلك القيامة. الشهداء ما همونا باوجاعهم. همونا فقط لكونهم قياميين. المسيحية ديانة الحياة والفرح. ليست ديانة من ألمّ بهم صداع او صرع او ضيق او داء. المسيحية تبدأ بتجليهم في كل هذا وبلا هذا. ليست العافية المليئة هي بالضرورة سببا للاستكبار او طريقا الى الزلة. فالمرض كثيرا ما لازمه التجديف والتأفف وانهيار الايمان. يأذن به الرب افتقادا وامتحانا ولكن صلواتنا سؤال لرفع المحنة عنا. بالوجع والازدهار يجيء المؤمن الى رؤية الاله الحاضن. كل وصف المسيحية عند نيتشه ومن سلك مسلكه بأنها ديانة العبيد والضعفاء امر ملتبس جدا وباتر لواقعها. الكنيسة ام العبيد والسقماء والممسوسين وكل طريحي الشقاء والقهر وفي هذا كانت الثورة الكبرى على الجمالية اليونانية وعلى الافتخار الروماني بالقوة. المسيحية لا تكتفي بأن تعزي الفقراء بالآخرة كما زعم ماركس. انها تقيم الفقراء على أرائك الحب هنا والآن. انها تعترف بالعبد انسانا لا فرق بينه وبين الحر وتدعو الى تحريره. هي لا تقول للسقيم اسكن الى وجعك وتلذذه اتحادا بالمسيح. تقول: انت انسان وتشويهك الظاهر ليس بشيء لأنك الآن حبيب الله وقد تشفى غدا ونحن انطلاقا من ايماننا انشأنا اطباء واسسنا مستشفيات وروح المسيح فعلت هذا في بيئاتنا والحضارة. نحن يهمنا ان نكون معك لننجو ونعترف برأفات الله حتى لا نعود نخطئ فيما بعد. *** ان يخرج الانسان من الذل، من القهر طلبا للحرية بتربية المذل والقاهر فيه خلاص للمظلوم وللظالم معا فالخلاص في العدل. كان غاندي يقول: انا اريد الانكليز ان يخرجوا من الهند لخلاصهم هم فالاحتلال يؤذيهم روحيا. وكان يرى ان العنف لا نجاة فيه لمن استعمله ولمن وقع عليه. طبعاً يستطيع الانسان أن يبقى عظيما في مقهوريته فلا يتضجر ولا يشتم ويدعو من اجل قاهريه. ولكن واجب من أذله الكبار ان يحاول كل وسيلة لردعهم عن المذلات التي يمارسون من اجل حرية نفوسهم من الخطيئة. ان تحويل الناس عن غيهم رسالة نحملها الى الابد مع كونها شبه يائسة في احيان كثيرة. نحن نعلم ان من تاب الى وجه ربه وطهر نفسه من أدناس هذا العالم لقادر وحده ان يغير الآخرين. جل ما اشرت اليه ان المسعى بالكلمة والقدوة والشهادة والتكتل من شأنه ان يسقط هيكلية الظلم حيثما نحيا. ان هذا التغيير للعالم لهو في تصميم الخلاص الالهي الذي تتكلم عنه كتبنا المقدسة. ذلك ان الكتاب القيم لا يتحدث عن الخلاص فقط و كأن افراداً ينالونه ولكنه يرجو خلاص العالم وخلاص الكون. هناك بدءا من الرسالة الى اهل رومية (الاصحاح الـ 8) وبلوغا الى مكسيموس المعترف رجاء حريه للجميع وتجليات للكون المادي بالنور الذي سيتحول اليه هذا الكون. اجل، ان شفاء المسيح لهذا المريض او ذاك ما كان الا ضمن المقاصد الكبرى الشافية لجميع الناس وللتاريخ بأسره. فالشعب الإلهي كله هو الذي ينجو عندما يسوده الملك - المسيح والأغنام كلها شرود المراعي الخضر. والأمة المقدسة ترث الروح. والإنسانية كلها في اليوم الأخير في إنقاذها تصير عروس المسيح وجسده. والناس يغنون جميعا فرح الخلاص ويقيمون في السلام والسعادة والطهارة والحرية. والرب اذ ذاك يخلص جميع الفقراء المقهورين. الكون يئن الآن حتى ينال هذه الرؤية. المسيحية ليست ان اخلص نفسي وحدي، ان انجو وحدي من خطيئتي. انا لا يمكنني ان افرح اذا بقيت نفس واحدة في الجحيم. انا روح ممتدة الى اقاصي المعمورة لكي نخرج معا من الحزن ونبيت معا في منازل المجد. *** رجاء الخلاص الكوني يعبر عنه بولس بقوله ان الله "يريد ان يخلص جميع الناس ويبلغ الى معرف الحق"( 1 تيموثاوس 2: 4) والقائم بالخلاص هو المسيح (راجع 1 يوحنا 4: 41) "فقد ظهرت نعمة الله ، ينبوع الخلاص لجميع الناس"(تيطس 2: 11) ويؤكد ذلك الرسول بقوله: "فلما ظهر لطف الله مخلصنا ومحبته لجميع البشر. خلصنا بغسل الميلاد الثاني والتجديد من الروح القدس"(تيطس 3: 4و5) هذا يستتبع الاعتراف بالخلاص الحاصل بالمسيح وهو هبة مجانية ويقتضي إخلاصا للكلمة وان يغتذي الانسان بالايمان بمعرفة الكتب( 2 تيموثاوس 3: 15)، هذا هو الايمان المنتج بالمحبة الأعمال الصالحة. نحن ننمي يوما بعد يوم المعطى لنا اليوم دفعة واحدة. هذا يقصي ادعاء الذين يقولون: نحن نؤمن ولا نمارس. فالايمان ليس شأنا نعرفه بالعقل فقط ولكننا نحبه بالقلب وندعمه بالصلاة. فاذا كان امرنا مع الله مناجاة فهو تدرب على هذه المناجاة، تطويع القلب لكي يشتهي ما الله مشتهيه. انه تكيف بالعقل الإلهي والمشيئة الإلهية كي لا نعقل ما لا يعقله الله ولا نشاء ما لا يشاؤه. وهذا يكون مع الإخوة جميعا لا في انفراد لأننا معا ندرك ومعا نعترف. الكنيسة التي هي الذات الجماعية تقبل الى الله مخلصها بالفهم والطاعة وبالاستقلال عنها وما ورثته من القديسين نموت. فكل خلجة في قلب مؤمن خلجتنا وكل فكر مستقيم مرشدنا الى المسيح لأن كلاًّ منا عضو في هذا الجسد العظيم يعطينا فنحيا ببركات الأقدمين وقداستهم ونقتدي بهم ونتقوى بمثالهم. انا اصلي مع كل الأتقياء القائمين اليوم في الحضرة الإلهية ومع الأبرار الذين سبقونا الى المجد. انه تسبيح واحد وتزكية واحدة وتطهير واحد. لذلك افتش عن الصالحين لأعرف منهم سر تفوقهم وأعاشرهم لأن جمالات الله يعطيها الإنسان للإنسان. حركة التقوى واحدة في العالم واندفاعي يأتيني ليس فقط من جهدي الفردي ولكن من كون البر قد تنمذج في هذا وذاك. فالبار وجه الله اليّ لأن سيرته كلمة عيشت وعرفتها منفذة في لحم ودم. فاذا انا سقطت وحدي لاهمالي الكلمة وتناسي للقديسين فإني لا انهض وحدي ولو اهتديت بقناعتي. اني محاط "بسحابة مكثفة من الشهود" الذين يشدوني الى الرب كما شدوا نفوسهم اليه. *** ان الخلاص ولو اعطيته اليوم بإيمان الا اني خالص على الرجاء (رومية 8: 4). "فالخلاص سينكشف في اليوم الاخير" (1بطرس 1: 5). سأرثه عند تجليات ربنا يسوع المسيح. اجل لقد نلنا الان المصالحة ولكن سننجو فيما بعد من الغضب. الخلاص هو اليوم وهو عند الإنقضاء لأن قيامة المسيح مع كون فعلها ابتدأ الآن إلا اننا نمتلىء منها كليًا عند قيامتنا واجتماع المفديين جميعًا في جسد المسيح الواحد. صح ان نؤكد ان الخلاص أُعطي مرة واحدة. وصح ان نعترف انه سيُعطى. ولهذا تخطيء حركة المتجددين والمعمدانيين على فئاتها المختلفة عندما يتباهى كل فرد انه نال الخلاص في اليوم الفلاني من السنة الفلانية. هذا ادعاء عجيب ونحن علينا ان "نتمم خلاصنا بخوف ورعدة" (فيليبي 2: 12). القضية هي نجاة الكل من المرض والخطيئة والموت، هي ان يعود الكون كله الى حضن الآب. الخلاص يتم في حياتنا الشخصية على مد عمرنا وفي حياة التاريخ على مداه وفي سر الكون وكنهه ليكون الله الكل في نسيج خلائقه. |
|