للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
المسيح السيد 12/25/1993 |
Saturday, 25 December 1993 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت في 25 كانون الأول 1993 لا أعرف في الأدب العالمي تشكيا من المسيح ولا أعرف كتابا طعن بفضيلته. الكثيرون منذ القرن الأول رفضوا إلهيته، ويحجبها او يخفضها او ينكرها بعض ممن أتى منه. لن اساجلهم في هذا العيد. هؤلاء مجمعون على ان الطهارة التي تخرج منه فوق كل قياس بل انه هو الذي يعطيها معيارها وانك اذا التمست برا او تقت وداعة او أحببت ان تشف حتى تفقد كل كثافة فالناصري ليس فقط رائدك ولكنه مفجر ينابيع فيك.وقد تكون مع قديسيه في تماس قارئ سيرة وفي الكنيسة ملتزما حتى الشهادة وضليعا في الإلهيات ومغتذيا من كلمات الذهب التي تخرج من أفواه الذهب جيلا بعد جيل. وسرعان ما تكتشف ان الكنيسة ليست الا بيت الله واياه شوقا ولكن المسيح وحده هو الذي يستطيع ان يحدق بوجه الله ولا يخجل لأن احدا من البشر لم يستطع ان ينسب اليه خطيئة. ولعله هو الوحيد الذي نعرف كلماته ولا نعرف مسافة بينها وبينه. ذلك ان كل انسان يقر بضعفه ويسمو بقدر هذا الإقرار. واذا انت درست سير من ندعوهم قديسين فلا تجد واحدا منهم لم يلتبس بهشاشة او لم تسجل عليه هفوة او ما عرف حيرة فلم يمسه الشيطان من جناح. قد يصمد هذا امام المال وذاك امام السلطة وذلك امام الجنس، هذه الثلاث التي لا مغرية سواها. يسوع الناصري كبّ كل هذا ولم يستكبر ووجـه بـه ولكنه عبر عبور الشعاع الذي يخترق كل شيء ولا يتكسر. المذهل فيه انه قبل مجالسة البغايا ولم يحكم عليهن برمية حجر ليس لأنه لا يعرف شريعة الرجم ولكنه كان يعلم ان الشريعة لا تنفذ في الزانية قبل ان تنفذ قسوة في قلوب الراجمين. اراد ان يقول للبغي برحمة وبلا كلام انها مرحومة وانه يحق لها ان تستعيد وعيها على انها ابنة لله حتى اذا ادركت رؤية بنوتها تمحي خطيئتها للتو وتصبح في العمق عشيرة المسيح. *** هذا لا يعني ان السيد كان متساهلا، راضيا بطغيان الخطيئة، رادا كل نقيصة الى عقدة فرويدية اي غافرا لمجرد التحليل. فالإنسان لا يمكنه تجاوز الناموس اذ ليس عند الانسان ان يدغدغ كلمة الله. ولهذا قال لمن أخذت في الجرم المشهود: "اذهبي بسلام ولا تخطئي بعد". معنى ذلك ان لطفه بها جدد فيها طاعة الحب لربها وأقامها في طمأنينة الغفران فأدركت جسامة الخطيئة بعد إدراكها الجمال الإلهي المشخص في هذا الرسول العجيب. انى لها من بعد هذا ان تخطئ؟ لقد استفاق الله في الزانية. ليست فكرة الله الا الله نفسه. لقد اجتاح الرب هذه النفس ولم يخترق نفسا ظاهرها بار وباطنها دنس. لذلك كان الناصري متشددا مع المستكبرين الى حد هذا التشاد الذي ذهب به الى الموت. لم يصانع كبار القوم لأنه لم يسع الى ملك او رضا. ولهذا قدر ان يقول عن هيرودس: "اذهبوا وقولوا لهذا الثعلب". يتوارى الحكماء كما السياسيون لأن مملكتهم من هذا العالم. ليس انهم يخونون ما آمنوا به جهارا ولكنهم يرون ان إرجاء الشهادة تدخل في استراتيجية كسبهم للجماعة. يقضون على الشر اذا حكموا. غير ان الذي يؤمن بأن الله يجب ان يحكم الآن حتى لا تفوت النفس لحظة من مالكية الله عليها لا يستطيع إرجاء الكلمة الشافية. فالقلب عطشان الآن ولا بد له ان يرتوي فمن يأخذ على نفسه مسؤولية القلوب الظمأى؟ ولهذا يتفجر يسوع: "الويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون". هذا الفصل الثالث والعشرون من متى كان وحده كافيا للقضاء عليه وكان هو عارفا بأن ثمن الحقيقة هو الموت ولكنه كان عالما ايضا بأن هذه الميتة قادرة ان تنشئ الحياة ليس فقط فيه ولكن في كل من اتبع خطاه. ان يسوع الناصري معلم الصدع الكامل لأنه معلم الحب الكامل. *** لقد جمع المسيح في شخصه المتضادات بصورة مذهلة فقلما تجتمع هذه في انسان متوازنة ومنسجمة. فمن النادر جدا ان تجد رجلا حادا جدا ولطيفا بآن. فالحدة على صلابة ترتاح الى القسوة واللطف الى التردد حتى الميوعة او الإحجام عن القرار. كذلك قلما اجتمعت الثروة الفاحشة والتواضع. الضعف آخر حد للفضيلة ولذلك عزّ الفاضلون. ان ما اراد يسوع ترويض البشر عليه هو ان يحيدوا عن الخطيئة ولا يبغضوا الخاطئ او يستعلوا. المسيح قوي ووديع بآن، مستقل كليا وشفوق كليا، صداع على كمال الحنو، موبخ حتى الغيظ ولكنك انت تعرف انك تحيا بلومه، لا يعتزل بسبب المعرفة ولا يتباهى. دعا اليها مرة اذ رأى ان فيها حياة أبدية. ولكن هاجسه كان في ان يعرف الناس انهم محبوبون من الله حتى يعيشوا بمحبوبيتهم. لعل فرادة الناصري في هذا انك لا تقدر ان تفهم كلامه الا من خلال ما كانه هو. ولهذا قال: "تعلموا مني اني وديع ومتواضع القلب". رأى ان حبك له مصدر ارتقائك الروحي. جمالك يأتيك من اتخاذه هو. من هنا ان الائمة الذين يتبعونه ببساطة قلوبهم والعامة الذين على شفافية النفس واحد. المسيح هو الوحيد الذي يجعل العلم في نطاق المحبة. ولد من اجل ان يحب ومن اجل ان يغير العالم بالقدرة الوحيدة على التغيير الحقيقي اعني المحبة. كل نظام، كل حكم، كل علم معقولة بلا محبة. ولكن ان لم تدركها فلست بإنسان سوي. انت شبه كامل بالعدل الحسابي الذي يعرفه البشر ولكنك بالعدل لا تموت. المحبة وحدهت تمكنك من الموت في سبيل الآخر. لذلك كانت اقوى من الموت. *** ان قبلت حقيقة هذا الكلام ولعلك ما كنت له قابلا في ما مضى يصبح ميلاد المسيح لك فاتحة عهد جديد. انى كنت ومن حيث اتيت تكون له تلميذا. هذا العيد ما كان ذكراه الا لتصير انت به ملكا. ولن تدرك سر ملكك الا اذا أخذت بالغوص على سر المسيح. من بعد هذا تتعلم منه مفتاح الحياة والموت. |
|