للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
الفصح 04/25/1992 |
Friday, 24 January 1992 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار، السبت 25 نيسان 1992 الفصح عيد كنعاني ورثه اسرائيل وحوَّله من عيد للربيع ولخير الماشية الى ذكرى تاريخية. ذكرى تحررهم من عبودية فرعون. فبالكتاب المقدس انتقلنا من الفرح بالطبيعة الى الفرح بالحرية. في المسيحية تحولنا من التحرر الوطني الى التحرر الروحي، من الخطيئة الى البر بيسوع المسيح. في التوراة خروف صغير(حَمَل) تام ذكر حولي يأخذ العبرانيون "من دمه ويجعلونه على قائمتي الباب وعارضته على البيوت التي يأكلونه فيها، ويأكلون لحمه في تلك الليلة شويا على النار، بأرغفة فطير". مع الانجيل لم تبقَ ذبيحة حيوان ولكننا نتعاطى "حَمَل الله الحامل خطايا العالم". في كنعان وعند العبران وفي الكنيسة العيد في الربيع. الوحدة هي التحولات، الارتقاء الى الاجمل. ولكن كما كانت الذكرى الكنعانية سُمواً الى الاحتفال العبري كذلك سما هذا الى الظفر الذي أتانا بالمخلص. الجدلية في هذا اننا نتصل ونفارق بآن. نتجذر في الماضي ونتركه لنلازم الحقيقة الأخيرة، الأخيرة ليس بالمعنى الزمني وحسب ولكن بمعنى القيمة المطلقة. الاحساس بالربيع الذي ذاقه الوثنيون وغالوا فيه حفظناه روحيا لما قلنا ان الصيام ربيع النفس ولما اعتبرنا ان الانسان مصب الطبيعة. انها به تصعد وتجد معناها. ولهذا قال مكسيموس المعترف " ان الانسان اقنوم الكون". المعنى ان الكون مادة لا شخصية، لا اقنومية فيها وليست بإله او امتداد إله. فاذا كان الانسان ذلك القطب الذي يقرأ فيه اتجاه العالم فالمسيح قطب الانسان لكونه الانسان الكامل. الانسان يتخذ الطبيعة ويفوّقها. المسيح يتخذ الانسان ويمكّنه ان يفوق نفسه حتى يصل الى مرتبة الالوهة. هنا تأتي فرادة التوحيد مفارقا فلسفة الاناسة التي بلغت ذروتها مع نيتشه. في الفكر الانسانوي الغربي منذ النهضة ومرورا بعصر التنوير الانسان يخلص نفسه. يسمو بقواه. يسرق من الالوهية النار ليجعلها ملكا له. الانسان غاية نفسه ويسعى منها ويحسب ان لا حدود لسعيه. الذين جاؤوا من هذه الفلسفة لا يرون ان ثمة نزولا من الله الى البشر او ان بينهما لقاء حقيقيا. التوحيد السامي وحده رأى ان الانسان يجيء من الله بالخلق ويذهب الى الله برحمته. ويؤمن ان ذلك فضل الهي او كرم او نعمة. ثم يتدرج الانسان من ذلك. هذه طبيعة اليمان ان ترى نفسك متكئا على العطاء الالهي وقادرا به على اللامنتهى. الايمان هو الاقرار بالصلة اي الاعتراف بان الله يتحرك اليك وتتحرك اليه. صورة هذا التحرك الكلمة الالهية. انها الحقيقة النهائية الكامنة في الكيان الالهي ولكنها تنكشف او تنزل وتنشىء فيك القدرة على رؤية البهاء الالهي الذي يجذبك الى نفسه وهو يبقيك على انسانيتك ولكنه يمدها الى كل ا بعادها، الى نضجها. استجابتك للكرم الالهي الطاعة وهي العبور من عبودية كل الفراعنة الى أرض ميعاد ليست خارجة عنك. الملحدون ليس عندهم فصح بالمعنى الذي اوردنا. انهم دائما في انفسهم. ولذلك كانوا في الفاجعة. *** ان يكونوا على امكان اخلاق سامية فهذا وارد. وتعليلنا انهم احباء الله ولو كرهوا وانه قد يختارهم للعظائم ولو لم يعلموا مصدر تساميهم. الفرق بين هؤلاء والمؤمنين بالله ان المؤمنين وحدهم يعرفون انهم يسيرون من تقبل. "بالنعمة انتم مُخَلَّصون". والمؤمنون على تواضع هذه المعرفة. وطريقهم الى الرفعة التواضع. هذا كله في التوحيد عند الساميين جميعا. تتفرد المسيحية بقولها: ان طريق الارتقاء الروحي هو المسيح اي انه الفصح البليغ الذي يتحقق فيه راهنا العبور من أسر الخطيئة الى الحرية الكبرى. عندنا انه عاش كل الصفات الالهية في الجسد اي ان الله في اطلاقه وفي مزاياه الازلية ليس أرقى منه. "هو شعاع مجده وصورة جوهره"(عبرانيين 1 : 3). فاذا انت التقيته تلتقي كل ما تحتاج اليه من الالوهة. انه هو الفصح لأنك تجد فيه كل ما يمكنك من الوصول الى الراهن الالهي. في عقيدتنا ان كل العلاقة بين الله والبشر ملعوبة في المسيح وفي سر محبته التي كان الموت التعبير الكامل عنها. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا كل هالعجقة؟ أما كان بوسع الله ان يخلص البشر بكلمة منه؟ او لم تكن الكلمات السابقة خلاصا؟ الكلمات اقتراب وامامها الانسان في سعي. الكلمات ليست راهنا. انها تنقل الينا رغبة الله ورغبته تثير فينا الشوق اليه وهذا مسعى. ما هذا التحام. ما هذا العشق المحقق. غير ان حديث الله عن نفسه في العمق الروحي الذي بلغه الحديث على لسان الناصري لم يكن بشىء لو لم يتفعل في لحم بسوع ودمه. الجسد المكسور والدم المراق هما مكان الافصاح الناسوتي عن حركة هي في قلب الله. المسيح يتطوع لما يبدو فناء اى انه يشاركنا اوضاعنا فيما هي وجودية. لا قهرية في آلامه. يتطوع للمعاناة تطوعا.خلاصنا في طوعيته. ليس هذا شبيها ببطولية الرواقيين القدامى. يسوع يتوجع حقا على الصعيد النفسي:"ابعد عني هذه الكأس"و"الهي الهي لماذا تركتني". يتراءى امامه الشعور بانه غير محبوب من الآب، انه مطروح في العدم. يعرف العدمية الكاملة ثم يقوم منها بقوله:" يا ابتي في يديك استودع روحي". تلك كانت قيامة ناسوته وظفره فيه. يسوع في مكنونات طهارته عرف أقصى الشقاء البشري. وبسبب من حريته من الخطيئة جانس الخطأة. فاذا رأينا الى فصحه يبدو لنا سرا واحدا ذا وجهين: الألم والقيامة يتلاحقان في زمن قصير الا انهما كشف واحد لحقيقة الفداء. الفداء عندنا ليس بمقولة من الحقوق الجزائية. لا يعني ان ابن الله يدفع نفسه لقاء الموت الذي كتب على بني البشر ان يذوقوه فلم يذوقوه. لمن يكون الدفع؟ هل في المر من ترضية؟ لمن؟ قراءة آبائنا ان الحياة الالهية التي كانت في المسيح هي تنزل الى نطاق الموت فيموت هذا بها وفق قول الترنيمة:"المسيح قام من بين الاموات ووطىء الموت بالموت". في هذا المنحى يخاطب يوحنا الذهبي الفم السيد بقوله:" تذمرت الجحيم لمرآها اياك في اسفلها. تذمرت لانها قد أبطلت... تذمرت لانها قد أميتت" حتى يبلغ به الذهول الى القول:"قام المسيح فلا ميت في القبر". من جهة اخرى التأكيد القطعي في انجيل يوحنا ان الصليب مكان الظفر. "الآن تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه. واذا كان الله قد تمجد فيه فسيمجده في ذاته وبعد قليل يمجده "(يوحنا 13: 31و32). هذا الكلام وما اليه يدلنا على ان نصر المسيح قد تم بالموت."اذ احتمل الصلب من اجلنا بالموت للموت اباد وحطم". القراءة التراثية للصليب هي ان الظفر كامل في الصلب. لقد نلنا في الجلجلة كل وعود الحياة الجديدة وكل طاقاتها. القيامة منتشر منظور للنصر الحاصل. انها اعلان الظفر في جسد الكون وللعالمين. لذلك أخطأ من حسبنا دينا مأسويا. نحن دعوة خروج من الالم وامكان خروج. نحن لم نخترع الالم ولا نستلذه. لسنا غناء الموت والامحاء وما نحن بديانة معاقين.نحن نأخذ المرض والسقطة والحزن واليأس بعين الاعتبار لانها في قلب الوجود. ونعرف ان الانسان اذا انعتق منها انما يصير الى الوجود الأسمى. كذلك نعرف ان هذا كان ممكنا مع المسيح. فاذا أقمنا الفصح نعلن ايماننا بأن قيامته وغلبته حصلتا وبأن العيد مقيم فينا الى الأبد. |
|