Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1992 صربيا ومن حولها 09/12/1992
صربيا ومن حولها 09/12/1992 Print Email
Saturday, 12 September 1992 00:00
Share

صربيا ومن حولها 

بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت في 12 أيلول 1992

ثوابت الشعوب والمذاهب تنتقم ان لم تراعها. هكذا في يوغسلافيا رأى تيتو انه يستطيع ان يوّحد الشعوب بالحزب فشتت الصربيين حيثما حلا له وقمع الأديان القائمة حتى ثارت تلك العناصر لما قُدّر لها ان تتكلم. وطاب للناس ان يسعوا الى "إثنيات نقية" وبدت طاقات انفجار منذ مطلع السنة الماضية. إزاء النزعات الانفصالية كانت اميركا توحي بالوحدة لئلا تؤثر بالاتحاد السوفياتي التي كانت الولايات المتحدة تحرص على بقائه واحدا في حكم غورباتشيوف تغنجه وتقمعه. وأوحت الولايات المتحدة الى يوغسلافيا بإصلاحات في اتجاه اقتصاد السوق، تلك الكلمة السحرية لخلاص الشعوب.

وحذا حذو اميركا من دار في فلكها الدولي بريطانيا العظمى وفرنسا. آنذاك كان الكل يخشى تشرذم تلك البقعة من العالم. فيما بعد نرى ميتران يحط في سارايفو ليبارك للبوسنه والهرسك، تذكر فرنسا دائما أمجاد سياستها الإسلامية. غير ان الدول الغربية الثلاث أهملت يوغسلافيا تتقسم. أما المانيا فكان التقسيم يحلو لها. وكانت الاغنية المألوفة امام خطر الانفصال أغنية حق تقرير المصير. ولكن حق تقرير المصير ينبغي ان تفيد منه كرواتيا ثم البوسنه اما الصربيون المشتتون في كرواتيا (21% من السكان) وفي البوسنه - ثلث السكان - فهؤلاء لهم ان يصمتوا. انهم مسيحيون أرثوذكس خارجون تحديدا عن الحضارة.

وفي هذا كله ما كان الألمان بريئين. انهم كانوا في كرواتيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عن طريق الحضور النمسوي. وما كانوا يجهلون ان الصرب في كرواتيا كانوا معرّضين للتفريق العنصري وهذا مورِس ضدهم بصورة مأساوية منذ خمسين عاما. من يضمن ان الكرواتي حمل وديع في هذه الجمهورية اذا استقلّت؟

المانيا تهرول الى استقلال الكاثوليك في يوغسلافيا. تلح عل دول المجموعة الأوروبية بالاعتراف بكرواتيا وسلوفينيا وما كان همّها أن تضمن حرية العناصر الأخرى. انها لفرصة للمد الحيوي الجرماني أن يؤكد نفسه من جديد. لسنا بحاجة الى خط برلين - بغداد الذي برز في عهد القيصر غليوم الثاني. برلين - البحر المتوسط أكثر إغراء. المانيا وغيرها من دول المجموعة تجاهلت الفروق التي أقامها التاريخ وتضاريس البلد بين الأرثوذكس والكاثوليك والمسلمين، تلك الفروق التي تفاقمت بسبب مما جرى في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل الحدود الداخلية في البلد مصنوعة وتاليا مرفوضة. فقد جاء تيتو الكرواتي يفصل بين كرواتيا والبوسنه الهرسك وصربيا والجبل الأسود.. وما من شك ان الرجل كان يضايقه التفوق العـددي للصرب وكان يكره ولاءهـم للنظام الملكـي وللجنرال ميخـائيلـوفيتش أثناء الحرب العالمية الأخيرة. وما كان يجهل ان الصرب الذين حاولت كرواتيا النازية إبادتهم السنة 1941 لا يستطيعون ان يعيشوا في ظل كرواتيا الشيوعية. كذلك كان يجب أن يعرف ان الصرب وهم حوالي ثلث البوسنه لم يكن بوسعهم ان يعيشوا في ظل دولة كانت جزءا من كرواتيا بين السنة ال 1941 وال 1944 ويفوقهم المسلمون فيها عددا. وما يزيد الوضع تعقيدا ان الديكتاتور أفتى بافليتش الذي كان جزار الأرثوذكس في الحرب العالمية كان قسم كبير من عسكره الأوستاشي مأخوذا من بين مسلمي البوسنه.   وكان من الواضح ان الحركة الأصولية كانت قد قويت في البوسنه منذ سنتين وكانت تنادي ليس فقط بنظام إسلامي ولكن بالوحدة الإسلامية.

***

ثم في السنة ال 1989 نشر الرئيس الكرواتي تودجمن كتابا عنوانه "تقهقر الحقيقة التاريخية" حاول فيه ان يخفف من جرائم الأستاشي وعظّم فيه القومية الكرواتية، الأمر الذي أفقد الصرب كل ثقتهم بالكرواتيين. من جهة اخرى كان المصطلح الدولي يقول ان حدود الدول لا تُمس الا وفق اتفاقات تعقد بين الدول التي تريد الانسلاخ والدول التي تنسلخ عنها. هنا الانفصال كان من جهة واحدة.

ارتضي دوليا الواقع الانفصالي واعتبرت مساعدة صربيا للجماعات الصربية القائمة في الدول الجديدة تدخلا في شؤون هذه ومحاولة للاستيلاء عليها. الى هذا لم يعترف أحد بأن الفيديرالية الجديدة المؤلفة من صربيا والجبل الأسود وريثة ليوغسلافيا القديمة في هيئة الأمم او أية هيئة اخرى.

نتج عن هذا عقوبات ضد صربيا. فصُوّرت هذه عدوّة للبلدان المستقلة جديدا والتي كانت مرتبطة معها بمعاهدة. كذلك دعمت الكنيسة الكاثوليكية دعما كليا انفصال سلوفينيا وكرواتيا. ووضعت اميركا كل ثقلها في هذه الحالة دعما منها لشريكها الأوروبي الأكبر المانيا وتهدئة لمسلمي العالم الذين اتهموا الولايات المتحدة في حرب الخليج على انه كانت تقوم بصليبية هناك.

وتعقدت الأمور وفُرض الحظر الإقتصادي على الفيديرالية اليوغسلافية. ويستمر القتال وتستفحل القومية المتطرفة ويتكشف مفهوم الدول "النقية عنصريا" وتتخلّف الديموقراطية ولا تسير كرواتيا على تلك الحرية التي زعم الغرب انه يتمنّاها لها. ويرى المراقبون انه بعد وعود الرئيس تودجمن بالتعددية يحصر بنفسه كل السلطات. وفي هذا السياق يصرّح الإتحاد الكرواتي للنقابات ان الطابور الخامس هو الصرب "هؤلاء الأنذال البيزنطيون".انهم ستمئة ألف.

في زغرب يقوى الاستبداد والمركزية وتتأمم الأعمال الكبرى وما من ضمانة للأقليات وتُداس حقوق الإنسان. ومن العسير جدا نيل الجنسية الكرواتية إذ يُسأل الانسان عن مذهبه وتُطرح عليه أسئلة تعجيزية. ان الاتجاه نحو الكانتونات يعزز الاتجاه المذهبي واستمرار النزاع بين تلك الشعوب.

***

يوغسلافيا جرح كبير في اوروبا وإغراء انقسام في كل مكان. هذا الجرح ينادي جرح روسيا والشعوب التي كانت اليها. هذه كلها ليست اوروبا الغربية التي لا يبدو من الضروري لها ان تشيع منخ الحرية في كل مكان. هي واميركا تنشيء دولا غير قابلة للعيش وريثة لنظام استبد بها حول خمسين عاما ولازمتها "طبائع الاستبداد" كما يقول عبد الرحمن الكواكبي وكان الغرب يتقبّل ازدواجية الديموقراطية والديكتاتورية وأصولية في غير بلدانه ولا يقلقه التخلف خارج حدوده. يرى الى البوسنه والهرسك على انها جمهورية اسلامية والمسلمون فيها أكبر أقلية فقط (حوالي 24%من السكان) ولكنه يرضى التفريق ضد المسلمين في دنيا العمل في اوروبا وينادي باندماجهم intégration في مجتمعه.

لكل هذا حسابات جيو-سياسية تتخذ احيانا طابعا حضاريا او ذريعة حضارية. فمن جهة رغبة متجددة بقوة عند البابا يوحنا بولس الثاني في هيمنة الكثلكة على اوروبا الشرقية والبلقان باتجاه بعث الكثلكة الشرقية التي يراها أسقف رومية وكبار من أعوانه على انها النموذج الطبيعي لوحدة الكنيسة. الفكرة المستعادة التي كانت الحركة التقاربية بين الكنائس قد طلقتها ان الوحدة المسيحية وحدة عالمية تفعل "مع بطرس وتحت بطرس" كما يقول الكردينال راتسنكر والقائمة على ان الكنيسة الأرثوذكسية في صربيا وغير صربيا يجب ان تخضع للباباوية خضوعا. لسنا إذن مع كنيستين شقيقتين كما كان يقول بولس السادس ولكن في كنيسة متنوعة الطقوس ولكنها موحدة برأسها المنظور. وهذه هي خلفية الحضارة الأوروبية الواحدة التي نادى بها البابا الحالي منذ توليه السدة. هذا بيت أوروبي واحد تتناغم فيه الدول التي بعضها كاثوليكي الجذور والكنيسة الغربية. نوع من الدمج المتجدد بين الدين والدنيا، هذا الذي أقلعت عنه البلدان العلمانية.

وعلى هذا الأساس تؤخذ روسيا في البيت الأوروبي. تؤكل من الداخل بتقوية الأوكرانيين الكاثوليك وانقسامات الأرثوذكسيين في اوكرانيا تؤكل بالبعثات التبشيرية المرسلة من الغرب لأن الباباوية قررت ان اوروبا كلها باتت "أرض تبشير". والذريعة ان الكنيسة الأرثوذكسية بسبب من نقص الكهنة فيها عاجزة عن تنصير الماركسيين المهتدين.

والحساب السياسي الثاني هو التلاقي بين هذه الخطة والنفوذ الأميركي المنبسط على اوروبا إذ يروق مسلمي العالم ان "تحرر" اميركا البوسنه والهرسك مما تحسه هيمنة صربية عليها مما يفسح في المجال لدخول تركيا الأطلسية الى البلقان والجمهوريات الإسلامية في ما كان الاتحاد السوفياتي. والمسلمون يملكون النفط. تقويهم الولايات المتحدة بهذا القدر الذي يشعرهم باستقلالهم ولا يزعجها هي. دار الاسلام أجل ولكن في ظل النظام العالمي الجديد الذي سوف يأتي بالمن والسلوى فيبقى النفط ملكا لأصحابه ولكن يستثمره الغرب. لكل حصته في هذا البازار الرائع.

Last Updated on Monday, 17 January 2011 09:01
 
Banner