Article Listing

FacebookTwitterYoutube

Subscribe to RAIATI










Share

للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع:  wedding2

مركز القدّيس نيقولاوس للإعداد الزوجيّ

Home An Nahar Articles An Nahar Archives An Nahar 1992 أزمة لبنان 09/19/1992
أزمة لبنان 09/19/1992 Print Email
Saturday, 19 September 1992 00:00
Share

أزمة لبنان
بقلم المطران جورج خضـر، جريدة النهار السبت 19 أيلول 1992

لم يُجمع اللبنانيون على وحدة بلدهم كما أجمعوا في هذا الزمان الرديء فليس مثل المريض يجيد الكلام في الصحة. نحن الآن نتوق بلدا شاهدا في تمزق الشرق، بلدا يرى نفسه مساهما حتى الريادة في نهضة للعرب جديدة، يعقل التوازنات ويفهمها ولكنه يلح على قيام ومواجهة في الإبداع والعطاء لأن الاستقلال شرط من شروط المكالمة وإثراء الاخوة العرب. والمخاطِب يؤمن بنفسه ويؤمن بمن يخاطب لأننا نحيا ببركات الايمان التوحيدي القائم على ان الله يواجهك وتواجهه وانعكاسا لذلك نرفض "طبائع الاستبداد" التي تلغي المخاطبة.

والمكالمـة في اللغة من الكلم اي من الجرح لأن الكلمة تتحدى وقد تتصدى. ولكن في لطف الالهيين المتكلم من جـرح نفسه حبـا لينتقل فكره مع حبـه ولذلك قيـل: "آمنت ولذلك تكلمت". وما هنا المجال لأفصح عن دور لبنان في التكلم في العالم العربي. فالعرب اذا أخلصوا يريدون من بلدنا كلمة. العرب من أقصى مشرقهم الى أقصى مغربهم يسحرهم هذا البلد بما يفوق جماله الطبيعي. يرونه جبلا أبيض كما يدل على ذلك اسمه في لهجات هذه المنطقة. يعرفونه ملاذا لأصفياء الله الذين كانوا يختارون لأنفسهم فيه مناسك كانت لا تنزل في الصخور الا ظاهرا بل كانت الصخور تتبع الروحانيين اذا شدّتهم السماء اليها.

من بعد ذلك جاءت الثقافة في ضنكها وتعزياتها وما كانت به تبوح وكان هذا التخالط بين اهل الأديان الذي كان يجعل في الناس حذرا او ترصدا ولكنه كان يقيم في ما بينهم رقة وكأن عجلات التاريخ تحركت ورمتنا على هذه الشواطيء وترسخت أقدام الجبل عليها لنقيم على الدعاء من جهة وعلى الحرف من جهة حاضنين العرب وذاهبين بهم الى أبعد الآفاق وكأن مدانا جسر ونحن لسنا لأنفسنا ولكنا نوجد من خدمة.

والعرب الخلص، عرب الثقافة ادركوا ان وجه الحداثةعندنا متأصل بالتراث من جهة ولكنه يلقى الجمالات نأتيها انى شئنا في ارتياح. لذلك ليس الطاهرون من أبناء لغتنا راضين عن هذه الهزالة التي تبيت الآن فينا لئلا يتعرضون هم أنفسهم الى انحطاط جديد. نحن مدركون ما في ذلك ريب اننا لن ننهض من كبوة بصورة آلية ونعرف ان سكارى المجد وعبيد المال لايريدون لنا ان ننبسط كأغصان الأرز في عزّ وتواضع بآن.

كذلك نعرف ان الضعفاء فينا، الأجراء في أذهانهم يكتفون باندراجهم في مدنية السلطة والتلذذ لكون العهر أقرب الى كسلهم ولا تقلقهم النتائج المترقبة على مصالحة العدو. قد لا يكون لنا من الصلح مفر لكوننا حريصين على استعادة الجنوب. السؤال الباقي هو ماذا يحل بنا روحيا وثقافيا لو صالحنا. اي شيء هذا الذي نقول له: لا واي شيء نقول له: نعم؟ هل سنكون بسبب من اقتصاد ومن عودة عن الحرب ضالعين في الرؤية الصهيونية لهذا المشرق لأن تلك هي ثمن النظام العالمي الجديد؟ ما قبولنا، مقدار قبولنا وأي هو رفضنا؟ الحكم عندنا لم يعتد ان يفكر في ما هو أبعد من يومياته. من يفكر؟

اي لبنان نريد؟ سؤال يقتضي قبل كل شيء موقفا من تعاملنا المستقبلي مع اسرائيل. هو سؤال الأسئلة وما عداه مطارحات تتعلق بمنافسة حمضياتنا وما اليها ويقيني ان كل هذه الشجون مرتبطة الى حد بمستوى الحكام الذين سيؤتى بهم في الأسابيع المقبلة. هل تحررت نفوسهم حتى يحاولوا نحت الوطن على الصورة التي له في بطن التاريخ وفي المصير العربي.

***

لا شك ان بلدنا بلغ في التأزم حدا لم يصل اليه من قبل وقد ساهم في تأزمه انه ارتضى الانهيار حتى كفر بإمكانه على صنع نفسه. من يحولنا عن هذا الجحود الذي يجعلنا نستلم أنفسنا من الدولة ولا نستلم الدولة من انفسنا؟ من يعلمنا ان الدولة الساقطة لا تفسد الامة العظيمة؟  فعلى دروب الامم يسقط الهزيل.

في وسط هذه الأزمة الإغراء المميت ان يتقوقع قسم منا ليأخذ وحده قرارا عن البلد. الخطر ان تنبري فئة منا لتفكر عن الكل. نحن نرزح معا تحت الثقل التاريخي ونقوم معا. يهون هنا على المسيحيين ان يحسوا بان ثمّة أخطارا محيطة بهم. قد يكونون على حق. ولكنهم اذا كانوا أذكياء يرفضون هذا الطرح لينقلوا الى الناس ان الخطر يهدد البلد كله. كل قرار مسيحي خاسر بالنهاية لأنه قرار رفض للوجع من فئة واحدة. لماذا لا نتعلم من التكتية الحزبية تصوير مطلب الحزب على انه مطلب الشعب كله؟ المطلبية المسيحية تثير دائما ردات فعل كما انها تعجز عن تأمين التفاف مسيحي كامل. الانقسام "المسيحي" لا يمكن تجاوزه الا بالسعي الى وحدة وطنية. ان القرار "المسيحي" كان دائما وبالا على المسيحيين وكل يدعيه لنفسه وليس من مرجعية واحدة يمكنها ان تتخذه. هناك موقف خطابي يجعل الزعماء التقليديين يقولون ان بكركي هي الصرح الوطني عندنا. بالواقع لا يقدسون البطريركية المارونية الا اذا قالت قولهم. كل موقف سياسي مهما بدا وطنيا جزء من لعبة الأمم ومن التصفيات المرتبة لأوضاع الدول الصغيرة بعد ان توحد القطب العالمي ومن المؤكد ان اي قرار "مسيحي" جزء من التوازن الاقليمي وبعض من الترتيبات الاقليمية أدرك ذلك أصحابه ام لم يدركوا.

كان بعض منا منذ اندلاع هذه الحرب ضد اي قرار يتخذه المسيحيون فيما بينهم لأنه إقامة لسياسة قطبية وتشجيع لثنائية القطبية في البلد. اللعبة الذكية كسر هذه الثنائية في عدم الاتكال على الأجنبي والغباء في ذلك كله اذا لم تفهم الجهة االتي تتكل عليها جزء من المناورة الكبرى اياها التي تدفع ما جعلته انت آخر ان يتخذ موقفا مغايرا. ينبغي ان يفهم "المسيحيون" ان ما يطرحونه طرحا له دائما نقيض وان الطريح والنقيض خارجان من مطبخ واحد أأتاك بالطبخة الطاهي الكبير ام معاون الطاهي. على صعيد ال Realpolotik لا ينفع القرار "المسيحي".

وما كان ابعد من السياسة الطارئة ما كان في عمق التاريخ وهو ان مسيحيي لبنان لا وزن لهم.هذه حقيقة مرة جارحة ينبغي ان يفيد منها المسيحيون الساعون الى بقائهم في هذه الديار. انهم لا يستطيعون ان يستمروا بالاستقلال عن المسلمين او ضد المسلمين. لم يبق للمسيحيين معادلات يقيمونها مع اهل الغرب لأن الغرب هاجسه الإسلام. الإسلام وجعه لذلك كان مع المسلمين في سياسة الجزرة والعصا. لقد زال هذا الزمان الذي يغنج فيه الغرب الموارنة. اوروپا المنتدبة لهذا التغنيج لا تفعل بهذا الا ضمن انتدابها اي في ظل استمالة اميركا المسلمين الى النظام الدولي الجديد.

المعادلات الداخلية لا الخارجية هي التي من شأنها ان تضعف غلواء الغرب، ان تساعد في الا يتأكلنا بالمقدار الذي يشتهيه. المسلمون يحسبون ان في امكانهم رد هذه الشهوة. ارجو لهم هذا من كل قلبي. غير ان مسلمي لبنان وحدهم لا يستطيعون او لا يجرؤون وان حاولوا بالاسلوب الانشائي. المطلوب تاليا ان نقتنع جميعا بوحدة وطنية صادقة تمكننا مجتمعين على تجاوز الأسلوب الإنشائي الى بعض وجود. فان نجحنا او أخفقنا "يطمئن قلب" المسلم ان المسيحي يسعى معه ولهما معا الى أعظم قدر ممكن من الحرية.

 
Banner