للمقبلين على سرّ الزواج المقدّس رجاءً مراجعة موقع: |
يسوع 12/01/1992 |
Tuesday, 01 December 1992 00:00 |
بقلم المطران جورج خضر، 1 كانون الأول 1992 هكذا سماه صحبه، بلا نعت. لما كشف لهم سره صاروا يجيئون اليه من الانبياء. قبل ذلك ذهبوا منه الى الكتب. كان فيه هذا السحر الذي جعل واحدًا من اتباعه يقول لصديقه: "تعال وانظر". كيف استطاع هذا الرجل ان يجذب اليه اجيالاً تعاقبت منذ الفي عام في عطاء لهم بلا شرط، بلا حساب وعاملوه على انه بدء مطلق ونهاية مطلقة فاستغنوا به عن كل شيء آخر؟ بدا في ثلاث سنين او دونها وتفوه بكليمات احسّ ناس كثيرون انهم قادرون ان يحيوا عليها وحدها طوال اعمارهم. لكن كلماته لا تفسر الحب كله الذي تفجر في قلوب مَن كان له. كان قلبه ابعد مما قال واسطع ضياء. كل عظماء الحياة الروحية اختفوا وراء ما بلَّغوا. وحده الناصري لا يحتجب دون كلماته. قوتها او مداها او تفسيرها في شخصه. فقد قيلت اقوال قبله في تراث بلاده وما كان، هنا وثمة، إلا معيدا. وإذا احببت ان تلتقط الشرارات او توخيت الشعر الديني فأيوب واشعيا يهزانك اكثر من الأناجيل الثلاثة الأولى. وإن رمت التصوف في ألق تعابيره، في حدة روآه العشقية فتجد عند اكابر المسيحية ما لا تعثر عليه في ما نُقل عن الجليلي. ولكن كل هذا الإرث العظيم لم يكن إلاّ صدى لما قاله هو ببساطة حتى اذا كنت قادرًا أن تغوص على الاناجيل حتى القاع لا تطلب نفسك شيئًا آخر. ذلك ان السر يكمن في هذا ان هذه الاسفار ليس لك ان تلجها الا من بابها والمسيح بابها. الحب هنا هو الفهم. هو الذي يوصلك الى بلورية الرؤية. لذلك كما قال احدهم عنه: "لم يتكلم احد مثل هذا الإنسان". لم يقصد بذلك بلاغة ما كان الناصري يملكها ولكنه اراد "انه كان يعلمهم كمن له سلطان". كيف أشعرهم هذا لو كان ثمة هوة بين ما كانه وما كان يقوله، لو بدا لهم مباينة بين تعليمه وأخلاقه. إن ما يحس به اي داعية ديني اذا دعا انه موعوظ بين الموعوظين، إن كلمته تجلده قبل ان تلوم الآخرين. يسوع وحده جرؤ على القول: "مَن منكم يعيب عليّ خطيئة؟". وبسبب من هذا الوعي استطاع ان يجهر بأني: "أنا هو الطريق والحق والحياة". هذا لم يكن مناقضًا فيه لرؤية نفسه "وديعًا متواضع القلب". نفس ما كان فيها أثر لنتؤ او لتلك العدوانية التي كثيرًا ما ترافقنا ان بسطنا دعوة حق. نفس لاتضاعها امام الله تغسل ارجل التلاميذ وتحتضن العشارين والبغايا في توبتهم وتكسر بذا كل الحواجز التي اقامها بين الناس اسرائيل في طهريته. ذلك ان يسوع عشير كل الأذلة. صدَّاع فقط لمن استكبر. يعنفهم: "الويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون، فإنكم تقفلون ملكوت السموات في وجوه الناس... ويل لكم ايها القادة العميان، يا ايها الذين يصفّون الماء من البعوضة ويبتلعون الجمل... ويل لكم فإنكم اشبه بالقبور المكلسة... ايها الحيات اولاد الافاعي، كيف لكم ان تهربوا من عقاب جهنم؟". هذه الشدة ازاء المنتفخين وهذا اللين بالمهمَلين وجهان لعملة واحدة . كذا عنده الرفعة بسبب من الحقيقة فيه والتنازل الى مَن القي على دركات الأرض. هذا الوجه الناظر الى الآب في حرارة الصلاة والملتفت ابدًا الى الناس بحنو، هذه الفضائل المتضادة اقامته على توازن في الشخصية وهدأة سلام داخلي جعلاه امام لا نهائية الله وآفاق الانسانية بحيث انه كان دائمًا يذهب اليها مفتقدًا شافيًا يتغذى من إلفة الآب ليسكب نفسه في قلوب مَن احب. ودعم هذا شعوره بأن "الناس جميعًا اخوة وان لهم ابًا واحدًا هو الآب السماوي". يبدو مرافقًا اياهم في طريق تقودهم الى هذه الضيعة او تلك ولكنها كانت طريقًا لا تنتهي. كيف استطاع هذا الرجل ان يقول، بأمثال، كل الحقيقة المكنونة في جوهر الآب والنازلة على الناس ضماد جراح كأن الحقيقة التحام السماء والأرض، كأن حضرة الله لا يرقى اليها المرء رقيا ولكنها تهبط اليه فحوى لحياته فتنبسط هذه الارض عرشًا للإله. وهذا كله يقال بكلمات لا زخرف فيها ولا صناعة. ذلك لأن المسيح لا يرى للناس نجاة إلا اذا اقاموا في الحقيقة. والحقيقة عنده تتم لك ان دخلت في ملكوت الله او دخل هو اليك اي اذا كان وجهك اليه وقبلت وجهه اليك. عند يسوع الناصري هذا كل الوجود. ولهذا كان يقوّم تلاميذه باستمرار على غير طريق الفلاسفة اذ لم يكن للعقل عنده كيان مستقل عن القلب وما كانت دعوة القلب ان يكون مجال التأثر وحسب. اجل يستنير الفكر بالكلمة ولكن الكلمة لا تفعل ما لم تكن محبوبة. القلب مكان الشهوة المؤذية حتى تنزل فيه الكلمة فيشتاقها. مسيرة صاعدة ونازلة بين القلب والعقل. ذلك عنده ينبوع التجليات. شعر اذا شئت صاح محتشم. انه شعر الله في عمق الكيان يقال. يصدر عن صفاء التوبة. ولهذا لا يخاطبك المسيح الا من نور فيه ابتغاء توبة فيك تجعلك وحدها مخاطبًا الآب. صفة الله الأولى ان يكون ابًا. ان يكون الله هذا وان نكون له بنين وبنات شيء اتخذه المعلم من العهد القديم ولكنه اعطاه امتدادًا وزخمًا ما كان للانسانية قبله عهد بهما. لم يبقَ الهه هذا الذي يخاطبنا من النار والزلزال. فقد قتل المسيح اله الحرب. اي قائد فذ قادر على البطولات. ان يكون الله أبًا يلدنا اذا انسكب فينا ويجعلنا قادرين عليه بالحب هذا هو الفتح الحق. ابوة الله انشأتنا عائلة الله يرتفع فيها مَن جعله القانون عبدًا الى مرتبة السيد، عائلة ينظر فيها الى المرأة من حيث علاقتها بالله لا من حيث علاقتها بالرجل ولا يقال لأنسان بربريًا لأنه ليس بيوناني ولا للغريب امميًا لكونه ليس بيهودي. المرأة تمسي كائنًا قائمًا بنفسه تزوجت ام لم تتزوج. لقد بطل العنس في المسيح ذلك ان النساء اتبعن السيد بلا رفقة ازواجهن. والسامرية الزانية يكلمها المعلم عند بئر يعقوب بخلاف القواعد التي وضعها علماء الشريعة. لقد اخرج يسوع المرأة من نطاق الجنس الى لا نهائية الرؤية الإلهية بعد ان كانت جسدًا محضًا في كل الحضارات وهو الذي يذهب بها الى كرامة الكيان الانساني غير المذيل كلما صبا الشعر اليها فقط موضع غزل او انها موطن السر الذي لا يُكتنه. وقد رفع المسيح الجنس الى جعله في إمرأة واحدة عرشًا للإله. ووضع في البغايا قدرة الرجوع اليه لما رفض ان تقتلهن الشريعة. "مَن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجرٍ" حتى قال اتباعه ان البغي تستعيد عذريتها بالتوبة. وجاءت العبادات تقول ان المسيح "خرج من القبر كالبازغ من الخدر" اي انها رأته عريسًا للجماعة التي تحبه بذا اطلق هذا البتول العشق في الكون. ان يتخذ الانسان لنفسه حبيبة واحدة يذهب في حبه لها حتى الموت، ان يصير الحب البشري تبتلاً وارتفاعًا في الوحدانية هذا جاء تاريخيًا من خارج نطاق العشق من المحبة التي كشف المسيح سرها على الصليب. هذه المحبة التي لا علاقة لها بالجسد جعلت كل مؤمن يقول: "إن المسيح احبني وأسلم نفسه عني". وأشرق ذلك على العلاقة بين الرجل والمرأة بحيث امكنها ان تقول بعد ان ذاق الناصري الموت: حبيبي يحبني وحدي ويجعلني بذا كائنًا مطلقًا اي خليقة جديدة ينتهي عندها الكون ويدرَك بها الكون. وما عاش المسيح ذلك الاّ لإيمانه بأن "الله محبة" اي انه ليس ذلك الكائن الأسمى الذي نعبد الا لكونه في ذاته حركة حب. وهنا قتل المسيح الإله المستعلي، القابع في سموات لا يدنى منها والمتصدق علينا بشرائع. قتل المسيح إله اللغة وبتنا لا يهمنا في الإلهيات مقولات الفلاسفة ولا تهمنا صفات لله أُعطيناها من اجل التربية ولكن يهمنا منه اسمه الواحد الذي هو المحبة. وكان لنا ان نتفلسف في صفات الإله نتسابق في معرفته لنعليه ولا نبلغه ونعطي لأنفسنا عذر ضعفاتنا حتى مات انسان قال لنا بموته، هذه لعبة الله انه ارسل الى البشرية مَن يموت عنها لأنه كان لا يعي انه يملك شيئًا. على صورة المسيح عرفنا الله فقيرًا كل عظمته انه مبذول فعلمنا بذلك اننا غدونا قادرين على مجانية كاملة قادرة ان تنشئ لله لا لنا احبة. لم يبق لله مضمون ولا نكهة الا اذا كان على صورة المسيح. انا ماذا يعنيني الإله؟ هل اؤمن به لأنه منشئ الكون ارضاء لعقلي الذي يتخذ الخليقة دليلاً على الخالق؟ انا، واقعيًا، لا تهمني الأدلة البينات. الدنيا لما تفشت من بعد التفجر الكوني رأيتها آية قائمة في الزمان. أيعني ذلك ان هناك مبدعًا قبل الزمان وله؟ أفهم معقولية هذا العالم وأهم ما فيه معقولية الأجسام المطروحة بين عالم النبات وعالم الانسان. ولكن فرضية الله خالقًا او ممدودًا في هذا الكون لا توحي الي بشيء ذلك ان البحر لا يحركني والسماء لا تحركني وكذلك ما بينهما. عندك هنا انسان لا يتحسس لهذه المادة المرمية. إله الفلسفة لا يهمني والفلسفة كلها لا تعنيني. بعض منها اداتي ولكني لست منها او لست فيها. ولذلك لا يخاطبني الهها. أنا لا أجيء من الله. اجيء من يسوع الذي يُقال له المسيح. هذا الذي تحلق حوله في العشاء السري تلاميذه قال لهم: "إن احدكم سوف يسلمني. تبادل التلاميذ النظرات لا يدرون مَن يعني. وكان احد تلاميذ يسوع، واحبهم اليه، فاتكأ التلميذ على صدر يسوع وسأله: مَن هو يا رب؟" مَن عرف فلسفة الساميين يفهم هذا ان الحضن مقر الحب وأن الصدر او القلب مقر الفهم. التلميذ الحبيب اتكأ في حضن المعلم ثم اتكأ على صدره. القراءة السطحية للنص تقول انه ارتفع ليطرح على المعلم سؤالاً. مَن يعرف انجيل يوحنا راوي هذه الرواية يذهب الى الاعمق فيقول ان الحضن يقود الى الصدر او ان الحب اساس الفهم ان لم نقل مع بقية الادب اليوحنائي انه كل الفهم. إن انت عاشرت المسيح معاشرة يوحنا له فهو يكشف لك الله لأنه يقول ان الله ابوه. الأعمى والفيلسوف او المتفلسف منهجيًا او العقلاني العابد عقله بحاجة الى دليل. لهذا يذهبون من الكون الى الله وقد يصلون الى المسيح. وما يفترضونه ان حسية الكون نصيب كل الناس واليوم نعرف بعد تذري الذرة ان هذا كلام غير علمي. كل هذه الأدلة الكونية لا يتحرك لها عقلي. انا استغني عن الله كليًا برهانًا على تكوين الدنيا. انا اسكن مملكة الحب. وضعني فيها الناصري وهي اعظم من الكون واقوى من الموت وأعمق وابهى واسطع ضياء واشد فاعلية من كل الدنى. والحب كونًا هو المسيح. هذا قال لي ان الله ابوه. فبعد ان تعريت من الدنى وأعرضت عن رؤية لعبة الله فيها واستغنيت عن عَدْوه في جنة عدن وزهدت بالجنات ورأيت المحبة وحدها الدنيا وفهمت ان الله الذي ارتضيه هو هذا الذي يحبه يسوع ويتحدث عنه كلمات ومسالك وموتا ادركت إني أجيء فقط من هنا وان ما نقوله عن المسيح قولاً او شرحًا او ديانة او تاريخ فكر ان هو الا من باب شرح العاشق الذي لا يعطي عن عشقه الا تفاهة التعبير. وإن رأيت إلى ابن الإنسان يصير أمامك قامة من نور. ليس فقط لأنه "أتى بأمور كثيرة، لو فُصلت، وفي كتب دُونت، لما اتسع العالم نفسه، في ظني، وحواها". ولكن تأتي ساعة وقد أتت لكثيرين حيث السكر به هو الكلمة الاخيرة. |
|