Saturday, 12 March 2011 00:00 |
Share
الكلمــــــــة والــــــــروح
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت 03/12/2011
النفس البشرية ميدان التوتر بين القيام والسقوط. هي في طريق القيام وفي طريق السقوط. ليس للخير وجه يساير وجه الشر. انهما يتصادمان. هناك نزف لا نعرف كيف يتفجر وانت مفطور على الخيرات ولا يسكنك الا الله. ما من ذات اخرى تنثني فيك. هناك انبثاث الهي يتسرب اليك وانبثاث ابليسي او وساوس شيطان يوما بعد يوم وتتشرب بثا بعد بث حتى ساعة شفاء.
ليست القضية قضية ميزان بين نوازع خير ونوازع شر في النفس. ليس ثمة كفة ترجح وما في الأمر حساب. السؤال هو ما في عمقك. سؤال ربك في الأخير هو هل انت معي. في اللحظة الأخيرة، في الدينونة السؤال هو هل انت معي في كثافة وجودك البادي أمامي. الإنسان لحظة، وجود أمام الوجود الإلهي. فليست المسألة ان يفحصك ربك في الوصايا العشر التي أعطاها الله موسى. هذه اشارات، جملة وتفصيلا، الى كونك صديق الله او عدوه. انت في هذه الدنيا لا تخرج بالتوبة من رذيلة الى فضيلة. هذا يحدث مرات بالتوبات العظمى. ما يحدث، هو نقلة من سوء وضعك الى وجه الله، من انحجابك عنه الى انكشافه لك. المكشوف وجهه للناس بحسناتهم يقول لهم «تريدون وجه الله» (سورة الروم، 38). فمن بعد سيئة لا يحول عملك الى حسنة الا اذا أردت وجه الله ذاته اي اذا دخلت في حبه. بسبب من ذاته وبذاته يمحو خطاياك. ليس السؤال ماذا تطلب ولكن من تطلب. واذا كانت اللغة تقول لك انت تطلب الرحمة او الغفران او الاحسان وما اليها تكون في الواقع طالبا الله اذ لا تمتلئ النفس الا به. انه هو المالئ الكل بكل جمالاته. «ومن ملئه نحن جميعا أخذنا. ونعمة فوق نعمة» (يوحنا 1: 16). هناك اذًا نعمة تختلف عن نعمة ولكنها جميعا صادرة عن الملء الإلهي. ليس غلوا تاليا ان أقول ان الخاطئ ينتقل من مقاطعة ربه الى معاشرته. بلا هذه المعاشرة لا نرث شيئا ولا نرى شيئا. هذه القربى تلاشي البعد بين القدرة الإلهية وما تستطيعه انت. قد تصل القربى الى حد اللصوق. ما الفارق بين اللصوق والوحدة؟ بينك وبينه فسحة في الجوهر اذ هناك هوة بين الخالق والمخلوق لئلا تزول الخالقية او تزول عبادة المخلوق للخالق. على ذلك هناك وحدة ما حتى نتمكن من الكلام عن صلة. بلا صلة حقيقية انت مشلوح في الخلق شلحا. لا بد اذًا من بث إلهي في الإنسان او من فعل إلهي أزلي في الإنسان يتم به الخلاص. ينزل الله اليك بالحب الالهي حقيقة. بينك وبينه تواصل او ليس من شيء. كل مواجهة تواصل. ان يكون وجهك الى وجه آخر في المحبة. يوحدهما. ولو بقيتما على استقلال. الذات تقابل الذات لكنهما لا تتباعدان حتى الانفصال اذ تبطل، اذ ذاك، المواجهة. اذا استطعت ان تؤمن تنوجد في هذا اللقاء بينك وبينه.
• • •
هل ينطبق مفهوم الحوار في علاقتك مع الرب؟ الحوار يتضمّن مساواة ما بين شخصين. في اللامساواة القائمة بينك وبين الله ليس من حوار الا اذا تنازل الله بمشيئته ان يجعلك بمحبته متصلا به حتى الوصال. في المسيحية هذا ممكن بسبب التجسد الإلهي. يلبس فيه ربك التساوي. ليس ذلك تصنعا او اصطناعا ولكنه عمل تنازل على مستوى المشيئة الإلهية. يقابل ذلك منك تصاعد بشري. هذا ما يمكن تسميته حوارا بين الله والإنسان. في الحقيقة هو انضمام منك اليه والخضوع لكلمته. ماذا لا يتضمّنه الحوار؟ اذا أنت أغرتك الخطيئة - وهذا ما نسميه التجربة - لا يناقشك الله. هو يأمرك أمرًا. أمرك ان تسكت الإغراء، ان تقول لا للخطيئة في اول ظهورها في ذهنك. انت لا تناقش الشيطان. ترفضه رفضا منذ البدء. لا تتردد في الكلام معه. ترده بحدة. تنكفئ في كلمة الله. تمتلئ منها كثيرا في خزانة قلبك حتى تنسكب فيك وتواجه الإغراء بشدة حتى لا تقيم مع الإغراء حوارا. تجذبك لذة الخطيئة. فقط نور القيامة اذا نزل عليك ينتشلك من جاذبية اللذة الى فرحك بمعاشرة المسيح. «لا تترك لذة الا لذة أعظم» (باسكال). عندما يشدك فرح الرب اليه يهون خيارك. افرح في الرب كل حين حتى يقوى فرحك في أوان الضيق اي حتى يصبح ينبوع مقاومة منك. لك ان تألف الرب حتى يصبح مأواك وفي هذا المأوى تتشدد.
• • •
هنا يأتي السؤال عن تقوية الإرادة. ما من شك انك في كل مرة تقول للإغراء لا تتقوى وتستقوي بالروح الإلهي. الإرادة فيها رياضة روحية وفيها ما يهيئ دروب النعمة. غير اننا نلاحظ ان اباءنا لم يتكلّموا كثيرا عن ترويض الإرادة. انهم تكلّموا بخاصة عن الصوم والنسك وقراءة الكلمة والصلاة. هذه كانت عندهم وسائل ترويض الروح البشرية، ترويض الكيان الكامل. التعفف عن الطعام والشراب واللهو وكل ما كان غير نافع في الأوان الذي نحن فيه، هذا التعفف بناء كامل يهيئنا لاستقبال النعمة. وان نتخطر في النعمة ونصبح بذا كلمة إلهية يجعلنا نرد ما كان يصدم الكلمة ويحولنا في كل مشاعرنا وأفكارنا عقلا الهيا ومسكنا لله بالروح. |
Last Updated on Saturday, 12 March 2011 12:47 |